عن دار تموز/ دمشق، صدر كتاب (مجالس مارإيليا برشينايا مطران نصيبين مع الوزير أبي القاسم الحسين بن علي المغربي – صور مشرقة من التسامح الديني الإسلامي المسيحي)، للأستاذ الدكتور محمد كريم الشمري.
يقع الكتاب في (156) صفحة من القطع الصغير. وهو في: مقدمة وفصلين فضلا عن ملاحق للدراسة. في المقدمة عرّف المحقق بالمجالس وأهميتها على مختلف الصعد، كما عرّف بعمله فيها وهو: الإعداد والتعليق والتصحيح لكل ما ورد من أخطاء وهنات. حتى الآيات القرآنية تم تصحيح بعضها والتثبت منها أينما وردت.
وحمل الفصل الأول اسم (مجالس مار إيليا – دراسة تاريخية). وهو في أربعة أقسام: تناولت التعريف بالوزير المغربي (أبي القاسم الحسين بن علي)، وبوزارتيه الأولى والثانية لنصر الدولة المرواني في ميافارقين. ولنشاط الوزير وكثرة زياراته فانه التقى بالمطران مارايليا في مدينة نصيبين ثلاث لقاءات تمت فيها هذه المجالس. وكانت الزيارة الاولى بداية المعرفة بالمطران والتمهيد للمجالس، بانتباه الوزير على كرامة المطران؛ فقد ألمّ به مرض حاد أدى الى فقدان قوته وانقطاع شهيته للطعام. فانبرى المطران يعطيه ما يشفيه بعد يأس حقيقي، وهذا جعل الوزير يعطي الثقة للمطران ويفتح معه المجالس بإعادة النظر في المسيحية وسماع وجهة نظر المسيحيين. وتضمن هذا القسم أيضاً أهمية المجالس السبعة في تعدد موضوعاتها.
وكان الفصل الثاني لعرض مجالس المطران السبعة مع الوزير. ويلاحظ أن المطران هو بطل هذه المجالس وشخصيتها الرئيسة؛ فهو يجيب على أسئلة الوزير. ويبدو أن الأسئلة مختارة بعناية لتجيب على كل ما يثار إسلامياً حول معتقدات المسيحية، لتصحح الرأي الإسلامي السلبي عنها. بينما نجد الوزير يثير الأسئلة فقط. ولا جرم فالمجالس دوّنها المطران واختار الموضوعات التي خرجت عن دائرة الدين إلى نحو وخط العرب والسريان وغيرها من القضايا.
وتأخذ (اللغة) مساحة واسعة في نقاشات وتبريرات المجالس، فكثيراً ما كان الاصطلاح المسيحي يصطدم بجدار اللغة العربية فيفرض لفظ معين يتخيله المسلمون كفراً او ما شابه؛ فقولهم (الله جوهر) يعنون به (القائم بنفسه) " وانما عبروا عن القائم بنفسه بالجوهر؛ لانهم لم يجدوا في لغة العرب لفظة تصلح أن يعبّروا بها عن القائم بنفسه غير اسم الجوهر" ومثل ذلك قولهم (باسم الاب والابن). وقد قدمت المجالس معالجات وأجوبة أكثر إقناعاً وإغراء في المحاولة من الحوارات والمناظرات التي أقامها علماء المسلمين كالجاحظ في رسالته (الرد على النصارى). على أننا لا نبرئ هذه المجالس من تهمة الكتابة من طرف واحد، او هيمنة هذا الطرف إلى درجة حجب تأثير الآخر.
تناول المجلس الأول عقيدة النصارى في الأقانيم الثلاثة. وفي المجلس الثاني تم التباحث في مسائل عدة تناولت اعتقاد اليهود وتاريخ آدم وغيره وتغيير اليهود لها. وتناول المجلس الثالث إقرار القرآن بتوحيد النصارى. وكان المجلس الرابع في تثبيت مذهب النصارى من موجب العقل والمعجز الإلهي. وركز المجلس الخامس على براءة النصارى من كل مذهب يخالف الحق. وكان المجلسان السادس والسابع في قضايا بعيدة عن الاعتقاد وهي مختلفة: في مقارنة نحو العرب بنحو السريان، والخط العربي بالخط السرياني، وعلم الكلام والنجوم وغيرها. وكان السريان يتفوقون في ذلك طبعاً. وقد فات المطران انه يقارن بين لغتين مختلفتين في الطبيعة؛ فاللغة العربية لغة لفظية في كل تمظهراتها، والسريانية لغة معنوية. وبالتالي فلكل لغة طريقتها وأحكامها في التعبير، الا انه غلّب جانبه مادام هو الذي يدير الحوار ويتدبر الكلام.
ولابدَّ من الإشارة إلى أن البروفسور محمد كريم الشمري اختار هذا المنعطف اللغوي المشترك مع التاريخ والعقيدة اختياراً، وهذا المنحى محط اهتمامه واشتغاله. وثمة مشاريع أخرى حدثني بها ذات مشتركات تاريخية – لغوية. وانه في هذه المجالس يقدم إبداعاً متميزاً في الاختيار والتقديم والدراسة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat