بغداد عاصمة العلم ومنزل العلماء والفقهاء والأئمة!!
سيد صباح بهباني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سيد صباح بهباني

بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر/9.
بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية في العراق
هو إمام للفقه ويقتدي به الملايين من المسلمين وهو الإمام أحمد بن حنبل البغدادي
حياة الإمام :
هو الإمام الكبير أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني المروزي ثم
البغدادي الحفيد التاسع والثلاثون لإبراهيم عليه السلام أبي الأنبياء , دخل
بغداد وأمه حامل فيه فوضعته في ربيع الأول سنة 164هـ ومات أبوه وهو ابن ثلاث
سنوات , بدأ حياته العلمية وهو في السادسة عشر من عمره عندما سمع الحديث من
هشيم محدث واسط وحج حجة الإسلام وهو ابن ثلاثة وعشرين سنة ثم تابع الحج بعد ذلك
حتى أنه كان يحج على قدميه وقد طاف أحمد بن حنبل البلاد والآفاق وسمع من مشايخ
العصر ولربما قصرت به النفقة عن أن يذهب إلى بلاد مثل الري ومصر لفقره الشديد ,
ولقد أجمع العلماء والأئمة على مكانة أحمد وفضله وإمامته لأهل السنة والجماعة
نذكر من كلامهم طرفاً على سبيل الاستشهاد لا الحصر لكل ما قالوه .
قال البخاري 'لما ضرب أحمد بن حنبل في المحنة كنا بالبصرة فقال أبا الوليد
الطيالسي يقول ' لو كان أحمد في بني إسرائيل لكان أحدثونه أو لكان نبياً' قال
المزني 'أحمد بن حنبل يوم المحنة وأبو بكر يوم الردة' , قال الشافعي 'خرجت من
العراق فما تركت رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أورع ولا أتقى من أحمد بن حنبل وهو
أحد تلاميذ الإمام جعفر الصادق عليه السلام' , قال قتيبة :' مات سفيان الثوري
ومات الورع ومات الشافعي وماتت السنن ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البدع', قال
إسحاق بن زهوية 'أحمد حجة بين الله وبين عبيده في أرضه' و قال يحيي بن معين
'كان في أحمد بن حنبل خصال ما رأيتها في عالم قط كان محدثاً وكان حافظاً وكان
عالماً وكان ورعاً وكان زاهداً' .
أما عن ورعه وزهده وتقشفه رحمه الله فكان متقللاً جداً من أمر الدنيا يصبر على
الفقر والجوع العظيم ما لا يصبر عليه أقوى العباد , أراده يوماً الشافعي ليلي
القضاء في اليمن فغضب أحمد منه جداً وقال له : ' إنا اختلف إليك لأجل العلم
المزهد في الدنيا فتأمرني أن ألي القضاء ؟ ولولا العلم لما أكلمك بعد اليوم
فاستحى الشافعي منه' , وترك الصلاة وراء عمه إسحاق بن حنبل لأنه قبل جوائز
السلطان ولم يكلم ولده صالحاً لنفس السبب , ومكث في معسكر المتوكل ستة عشر
يوماً لم يأكل فيها إلا ربع مد سويقاً يفطر كل ثلاثة أيام على سفه منه وقد كان
المتوكل يرسل إليه كل يوم بكثير من الطعام وأحمد يرفض تناوله , وأرسل يوماً
المأمون مالاً يوزع على أصحاب الحديث فأخذوا كلهم إلا أحمد بن حنبل وأرسل إليه
المتوكل بعشرة آلاف درهم فأراد إعادتها للمتوكل فحذره الناس من مغبة ذلك فوزعها
كلها على الفقراء والمحتاجين وتصدق حتى بكيسها ولم يعط لبنيه شيئاً منها , وعرض
عليه بعض التجار عشرة آلاف درهم ربحها من بضاعة جعلها باسمه فأبى أن يأخذها ,
بالجملة كان زاهداً بمعنى الكلمة .
أما ما جرى منه في أحداث الفتنة وثباته فيها كالطود العظيم فكان هذا مضرب
الأمثال وزينة الأقوال وسبب رفعته في الدنيا والآخرة إن شاء الله , وملخص هذه
الفتنة أن الخليفة المأمون استغواه بعض المعتزلة حتى حمله على القول بخلق
القرآن ودعوة الناس على تلك العقيدة الباطلة وعقد مجلساً للعلماء والمحدثين
امتحنهم فيه بالقول بخلق القرآن وهددهم بالضرب والحرمان من الوظائف والأموال
فأجابوا مكرهين إلا أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح وهذا في عهد المأمون وما لبث أن
مات المأمون ثم مات محمد بن نوح تحت وطأة التعذيب , وظل أحمد بن حنبل وحده
والدنيا كلها من حوله تنتظر بما يجيب فكان رجل الساعة وفارس الميدان الذي قدر
ما اختصه الله عز وجل به من البلاء والثبات على دين الله ولو قال بخلق القرآن
لربما أصبحت تلك هي عقيدة المسلمين حتى وقتنا هذا , ثم جاء الخليفة المعتصم وهو
الذي ضرب الإمام أحمد بن حنبل بين يديه زيادة عن ثمانين سوطاً بصورة شديدة جداً
بعد أن استطاع أحمد بن حنبل أن يدحض شبهة المبتدعين ويقمع باطلهم وصمد أمام
اغراءات المعتصم له بالمال والحياة فلما يأس المعتصم منه ضربه ثم ندم على ذلك
ثم أطلقه بعد أن مكث في السجن قرابة الثلاث سنوات وأخبار تلك الفتنة طويلة
وعظيمة وفيها من الدروس والعبر ما يفوت المقام سوف نعرض له في أحداث شهر رمضان
إن شاء الله حيث وقعت أحداث الفتنة وضرب الإمام .
وفاته رحمة الله عليه :
من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن قيض لها رجالاً في أوقات الشدة والأزمات
يكونون كأمثال المنارات التي يهتدي بها الضالون في طريقهم وبمثابة الحصن الذي
يتحصن به الإنسان من عدوه الذي يريد أن يفتك به , هؤلاء الرجال قلة عبر التاريخ
لأن الواحد منهم يمثل أمة بمفرده وتاريخاً بأكمله ولربما يكون للواحد منهم فضل
على من بعده ممتد إلى قيام الساعة من هؤلاء إمامنا وصاحبنا هذا .
أما عن وفاته رحمه الله فقد كان كبر سنه واعتل جسده النحيل وعانى كثيراً أثناء
وجوده في معسكر المتوكل لامتناعه عن الطعام والشراب فيه فلما رجع إلى بغداد
بدأ المرض يشتد عليه في بداية ربيع الآخر واستمر هكذا حتى وفاه أجله يوم الجمعة
12 ربيع الآخر وقبل وفاته بدقائق طلب من أهله أن يوضؤ فجعلوا يوضئونه وهو يشير
إليهم أن خللوا أصابع وهو يذكر الله في جميع ذلك فلما أكملوا وضوءه توفى رحمه
الله وجاء الناس من كل مكان للصلاة عليه وأرسل المتوكل أكفاناً من عنده ليكفن
فيها ولكنه كان أوصى بنيه أن يكفنوه في ثوب من ماله الخاص ويشتروا له ماء الغسل
من ماله الخاص لأنه قد هجر بيوتهم لأنهم قبلوا جوائز السلطان , وقد حضر غسله
مائة من بيت الخلافة وأم الناس نائب المدينة محمد بن عبد الله بن طاهر وصلى
الناس عليه عدة مرات ولم ينزل قبره إلا بعد صلاة العصر من كثرة الناس وقد أمر
المتوكل أن يقدر عدد من حضر الجنازة فكان التعداد يقدر بحوالي مليونين من
الرجال والنساء وهذا العدد لم يعهد به من قبل في جاهلية ولا إسلام حتى قال أهل
التاريخ أنه يوم مات أحمد بن حنبل أسلم عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس
وعرب الجاهلية, ولقد روي له منامات صالحات ومبشرات بخير عظيم في الجنة فجزاه
الله عنها كل الخير والجزاء الحسن ورحمه الله رحمة واسعة . وهذا هو العراق منبت
العلم والعلوم والعلماء والفقهاء والأئمة وبلد خزائن العلوم والمعرفة وأن
توجيهات الرسالة انطلقت من العراق والكوفة وبغداد وأن العلماء والفلاسفة
القدامى كلهم تخرجوا من مدن العراق ومدارسها التي لا تزال قائمة وخصوصاً
المدرسة النظامية في بغداد ومركز العلوم في النجف ومدرسة الإمام أبو حنيفة ،
وأن أهل بيت رسول الله صلى الله عليهم من الإمام علي عليه السلام خليفة
المسلمين وأمامها وأمير المؤمنين أنتخبها مركز للخلافة الإسلامية والإمام
الباقر وجعفر الصادق عليهم السلام وضعوا أساس أول المدارس العلمية فيها وبعدها
وفي زمن العباسين كانت بغداد هي ما تسمى بمدينة السلام والعصر الذهبي لكثر
المتخرجين منها من العلماء وكان الإفرنج يطلبون منها العلم وبعد ما عرفنا مكانة
هذا البلد الأمين وقدم حضارتها سوى قبل الإسلام والمسيح وموسى عليه السلام كانت
حضارتها قائمة ومذكورة في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم في عصر
الرسالة المحمدية البيضاء وهنا يجب علينا أن نكون يداً واحدة وأخوة في هذا
الوطن متكاتفين جنبناً إلى جنب لنعيد مضينا الزهر ليكون شعلة الحاضر وتعود
بغداد مركز العلم والعلوم وهذا كله يراد مننا أن نكون أخوة متماسكين متعاونين
كالجسد الواحد كما أراد رسول الله عليه الصلاة والسلام لقوله في الحديث : (((
مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)) وهنا "فليتنافس المتنافسون" ويداً بيد
للتعاون والتآخي للعمل وبناء الرقي وإسعاد الوطن والمواطنين والله خير حافظ وهو
أرحم الراحمين.
behbahani@t-online.de
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat