تظاهرات أم تهيئة للصدام ؟
رائد عبد الحسين السوداني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رائد عبد الحسين السوداني

من المتعارف عليه وفي كل العالم أن التظاهرات عندما تخرج ،فإنها أما احتجاجا على قانون يراد إصداره ،أو هناك مطالب محددة لنقابات أو جمعيات معروفة وقانونية ترغب في إيصالها بهذه الطريقة إلى السلطات والجهات المختصة،أو هناك حدثا عالميا معينا تتخوف منه الفعاليات المجتمعية فتخرج في تظاهرات احتجاجا ،كما حدث قبيل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003إذ قامت الفعاليات السياسية والمجتمعية المناهضة لفكرة الحرب بتنظيم تظاهرات صاخبة تنديدا بفكرة الغزو الأمريكي للعراق ،والتظاهرات عموما لها طريقها الخاص التي تسلكها من بدايتها حتى نهايتها ،ولها وقتها المعلوم أيضا .ويندر أن تخرج تظاهرة ضد حكم قضائي ،أو تشريع دستوري ،وقد يكون الخروج قبل إصدار الحكم القضائي مقبولا لكن بعد صدوره هناك خطوطا حمراء كثيرة تمنع المساس بالقضاء حتى لو كانت هناك سلبيات ،فالقضاء هو الخط الأول والأخير في الحفاظ على النسيج الاجتماعي في كل البلدان والدول ،ونفس الحال ينطبق على التشريع الدستوري لأنه عقد اجتماعي لا يتغير إلا بعقد اجتماعي يقابله أو يتفق عليه .فهل ما يحدث الآن في العراق هو من جنس التظاهرات ؟ وللإجابة على هذا السؤال لا بد للمجيب في أن يتأمل المشهد بصورته الكبيرة المجسمة لو صح التعبير ،وقبل أن أبدأ بالتأمل والمشاهدة ،أفترض وككل مرة خروج المحتل الأمريكي وتأثيراته على الحدث في العراق .أن الحدث بدأ وللوهلة الأولى وفي ليلته الأولى عندما خرج أعضاء القائمة العراقية ليتلون بيانهم احتجاجا على اعتقال حماية وزير المالية ،رافع العيساوي،ليكون بيان اللا عودة ،وقطع خطوط الرجعة مع رئيس مجلس الوزراء ،لاسيما عندما يتأمل المتأمل صورة كل من نائب رئيس الوزراء صالح المطلك ،ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ،ووزير المالية رافع العيساوي خلف النائب أحمد المساري وهو يتلو بيان القطيعة .ثم تتالت الأحداث وبسرعة بعد هذا البيان ،لتخرج تظاهرات في الرمادي ،قادها في بادئ الأمر وزراء العراقية يتقدمهم رافع العيساوي ،ونوابها يتقدمهم النائب أحمد العلواني لتنطلق منه عبارات يصف خصومه بأقسى العبارات والتي لا أريد أن أقف عندها ،بقدر الوقوف أمام عبارته الثانية الخطيرة والتي صفق لها الجمهور ،والعبارة تقول :إن هذه التظاهرات تبدأ من هنا ولا تنتهي إلا في طهران :وطبعا لهذه العبارة مداليلها الكبيرة والخطيرة ،والتي تعني فيما تعنيه أن ما يجري الآن هو شأن طائفي وليس احتجاجا على إجراء تعسفي قام به أفراد من الشرطة أو الجيش تجاه حماية العيساوي ،وأيضا يعني فيما يعنيه بأنه صراع طائفي ،يعضد هذا الفهم ما قام أو ما تفوه به النائب أحمد المساري في تظاهرة يوم الجمعة الأولى بعد حادثة الاعتقال في الأعظمية ببغداد ،وتفوهه مع المتظاهرين بصرخات (بغداد إلنا إلنا طهران برة برة) أي بغداد لنا فيا طهران أخرجي منها .وهذه العبارة تفهم على مستويين ،فأما الأول أن إيران تحتل العراق فعليها الخروج منه .وأما المستوى الثاني وهو الأخطر أن من يحكم العراق الآن هم عملاء إيران وعليهم الخروج أيضا ،وبطبيعة الحال هم لا ينظرون إلى أنفسهم كشركاء في الحكم طالما لم يستلموا رئاسة الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة التي آلت إلى المذهب الآخر (الشيعي) عميل إيران أو هم إيران في نظرهم وعليهم ولا بد أن ينتهي حكمهم .ثم بعد أن استهدف النائب عيفان العيفان في منطقة الفلوجة ظهر الشيخ أحمد أبو ريشة ليقول أن من استهدف النائب هو الحرس الثوري الإيراني ،ومحذرا ومذكرا الإيرانيين بقادسية صدام التي دامت ثمانية أعوام ،وما بين هذه وتلك يخرج لنا بين الفينة والأخرى الشيخ علي السليمان الذي يعرف نفسه بأنه أمير قبائل دليم ،بتصريحات تنم عمّا يفكر به أصحاب القرار فيما يسمى بالتظاهرات ،فأول تصريح خرج منه يفيد بحمل السلاح بعد 72ساعة إذا لم تستجب الحكومة لمطالب المتظاهرين ،ثم ظهر وقال أننا سنزرع النخيل على الطريق السريع وننتظر ثمره ،مما يعني أنهم مصممون على إطالة أمد ما يسمونه بالتظاهرات ،بعد ذلك أعلن أن سقف المطالب سيرتفع ،وبطبيعة الحال لا وجود لكلام يطلق على عواهنه في عالم السياسة لاسيما في هذه الحالة سواء صدر من العلواني أو من مسير أو أبو ريشة الذي ألحق كلامه السابق بآخر يفيد بأن على الحكومة أن تسلم المتسببين بالصدام بين ما يسمون بالمتظاهرين وقطعات الجيش في الفلوجة وخلال سبعة أيام ،وما يتفوه به الشيخ علي حاتم سليمان .أما المطالب فقد غلفت بأمور نستطيع أن نقول أنها قابلة للنقاش على خطورتها مثل قانون المساءلة والعدالة ،وقانون الإرهاب ،لكن هناك مطالب تصرح أكثر مما توحي بخطورة الوضع وتلغي صفة التظاهر لما يحدث على أرض الرمادي والموصل،فالقائمين عليها ،من قبيل خروج الجيش والشرطة الاتحادية من مناطقهم ،وهذان التشكيلان يمثلان السلطة الاتحادية أو بعبارة أدق وأصح يمثلان الوحدة السياسية للكيان أو الدولة ليس في العراق بل في كل الدول التي تنهج النهج الاتحادي هذا فضلا عن المناهج التربوية في أكثر الحالات وغيرها من دلائل الوحدة السياسية لكن يبقى الجيش والشرطة الاتحادية هما من يمثلان رأس الهرم في الوحدة السياسية فإذا تم إخراجهما ستنتهي بطبيعة الحال مركزية الحكومة الاتحادية ،وبذلك تتحقق فكرة التشرذم والتمزق وهو أحد الأهداف الكبرى لهذه الحركة التي تسمى تظاهرات ،ومن مشاهد الحدث هي محاكاة ما يحدث في بعض البلدان العربية التي شهدت اضطرابات داخلية وتغيرات على الواقع السياسي من قبيل تسمية صلوات الجمع بمسميات تنم عن الأهداف السياسية المتوخاة من الحركة ،وهي في تصاعد أيضا ،مثل العزة والكرامة ،ولا تراجع ،وكما أكدوا أن الجمعة القادمة ستكون بعنوان (إرحل) وبذلك لم يكن كلام الشيخ علي حاتم السليمان إلا مصداقا لما يفكر فيه القادة لهذه التحركات ،ناهيك عما حدث في الأيام الأولى من الأحداث من قبيل رفع صور اردوغان أو رفع أعلام الجيش السوري الحر ،وإن انتبه إليه قادة التحرك هذا فأعلنوا بوجود مندسين ومنفلتين هم من قاموا بهذا الفعل ،ومرة أخرى أقول لا يصدر في السياسة كلام يطلق على عواهنه ،لكن يبقى التصرف الأهم والأبرز هو التمسك بعلم سلطة البعث والذي فيه عبارة ألله أكبر بخط صدام حسين من بداية الأحداث وحتى يوم الصدام مع الجيش وكما ظهر من على شاشات التلفزيون ،وهذا الفعل فيه تصريح أكثر مما هو تلميح ،مفاده عدم الاعتراف بالتغيير الذي حصل ،وأن المراد العودة إلى الخلف ،وهذا كل ما في الأمر .أما العدالة في القضاء والخدمات وإن يتم التصريح بالمطالبة فيها لكن على استحياء وخجل أيضا .فالصوت العالي لصالح العودة إلى الوراء ليس إلا .فهل هذا يعني تظاهر في عرف السياسة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat