لقد أطلقتَ أيّها الأديب خليل سمعان على كتابكَ عنوان "عندما يقسو القدر"، لا لتنقل عنوان جزءٍ منه، هو الفصل الأوّل، إلى كلّه، بل لتتركَ للقارئ الذي يستمرئ فيستعذب، اكتشافَ نفسه يسمو في الإنسانيّة مع الكاتب الذي هو أنت، ومع أبطال هذا المؤلَّف.
وإنّكَ على ما أشار إليه صاحب المقدّمة، تعود إلى أصالة القرية اللبنانيّة في المجتمع والأرض، إحياءً لتراثٍ صنع لبنان في تاريخه ومجده.
آثرتَ أن تبدأ تحفتكَ الأدبيّة، بواقعيّة بداياتكَ التعلّميّة، وتضحية الوالدين التي ما برحَت تلازم ضميرَك البنويّ. وقد قبلتَ بها على مضض وصَمْت، حتى أتاح لكَ الله أن تردّ جميلهما فور حصولك على أوّل راتب عمل لك!
وأنهيتَ بالقربانة البيضاء، "قربانة البيت" أمّكَ، التي قلتَ فيها صنعَتْ كلَّ شيءٍ عندكم. أو كان كلّ شيءٍ بفضلها وتدبيرها. وكم حلا لكَ أن تجعلَ منها أيقونةً رافقتكَ منذ البدايات، وتلازمكَ ما حييَت، أطال الله أيّامها على صحّةٍ وبركة.
في الكتاب مقاربةٌ لزمنين عشتَهما. واحدٌ ربيتَ فيه، والآخر ارتطمتَ به في احتياجاتكَ وتدبير أموركَ. لقد أظهرتَ كم آلمكَ هذا التناقض الكبير بين النموذجين، بل هذا التنافر الذي خلق مفهومًا بغيضًا للعلاقات بين الناس، القائمة على شعاراتٍ برّاقة، وقوانين استُعملت غطاءً لتمريراتٍ قذرة، ليس للإنسانيّة فيها صلةٌ أو طعم.
أنتَ الذي ربيتَ على الطبيعة الحلوة وعلى الحقيقة الناصعة، ونشأتَ على القيم النبيلة، لم يرُق لكَ مسلك الناس الشائب، المليء بالمساوئ والمظالم، الذي لا يحسب للآخر مكانًا، ولا يهاب له مقام. هؤلاء الناس، أشباه الناس، لا يدخلون في اعتباراتكَ الإنسانيّة، ولا يجدون في امتحان مناقبيّتكَ حلولاً. وقد عزّ عليكَ ألاّ تجد تفسيرًا لتصرّفاتٍ مجرمة، جرّت الويلات على الوطن وأهله. رفضتَ أن يكون منطق الفوضى ملاذًا لأخطاءَ لا تُصحّح!
"عندما يقسو القدر" مدرسةٌ إنسانيّة مادّتها الضّمير! إنّكَ تحاكي الوعي الإنسانيّ في صاحب الضمير. كما تهزّ ضميرًا يموت، علّه يصحو من غفوةٍ قسريّة. فتمرّ الرّسالة عبر أقنيةٍ تجعلها حلوةَ المذاق، عذبٌ الامتثال لها.
"عندما يقسو القدر"، كتابٌ يلذّ للمثقّف، في عَوده إلى الأصالة الفكريّة، ويهمّ المتعلّم في بحثه اللغويّ. إنّه مرآة رجلٍ خاض غمارَ الدنيا في حياةٍ رساليّة عكسَتها مهنةٌ في شخصه، وتمرّس في أدبيّاتٍ لو ندرَت، تبقى نبراسًا ينير أجيالاً درسَت عليه أو قرأته.
لكَ أيّها الأديب المبدع، قطاف رحيق النبل والكرامة، ما أرجو أن يغدو عسَلاً بوفرة، يغذّي مجتمعَنا اللبنانيّ، أخلاقيّاتٍ تنشط فتسود من جديد، ونرانا متمتّعين برجالاتٍ، فخرِ وطنٍ وإنسان.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat