البقرة الضاحكة.. بطلة الحرب العالمية الأولى !!
د . تارا ابراهيم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
البقرة الضاحكة علامة الجبنة الفرنسية الشهيرة التي تبعث السرور في نفوس الأطفال تعود نكهتها بنا الى ذكريات الطفولة والحنين الى الماضي، فهناك من يتوقف عن أكلها لدى اطفاء الشمعة العاشرة, وهنالك من يستمر على أكلها وحتى الأجداد يستمتعون بمذاق هذه الجبن العائلية الصرفة. البقرة الضاحكة لاتزال في ريعان شبابها وأناقتها على الرغم من احتفالها بعيد ميلادها التسعين في العام الماضي لتفرض نفسها على 120 دولة في جميع أنحاء العالم.
من الطريف معرفة قصة هذه الجبنة التي بدأت خلال الحرب العالمية الأولى حيث استقر (جول بيل) مع عائلته في (جورا) وهو أقليم صغير تابع لمنطقة فرانش كومتيو وانشأ مصنعا لصناعة الجبن الفرنسي الشهير بأسم كومتي والذي هو جبن جاف نوعا ما، حيث يلتحق ابنه (ليون بيل ) أثناء الحرب بوحدة في الجيش مسؤولة عن تزويده باللحوم، ولرفع معنويات الجيش الفرنسي كانت تقام مسابقات لرسوم طريفة تمثل رمزا لكل وحدة من وحدات الجيش , فازت وحدة (ليون) بأحلى رمز والذي يتمثل برأس بقرة ضاحكة ذات لون بني ولها نظرة ساخرة من الجيش الألماني رسمت من قبل (بنيامين رابيه).
عقب انتهاء الحرب، كان الفرنسيون يعانون من نقص في الكالسيوم السبب الذي دفع السلطات العامة الى شن حملة لتشجيع الفرنسيين على استهلاك منتجات الالبان، وقتها عاد (ليون) الى منطقته ليمسك بزمام مصنع جبن العائلة ويترأس شركة والده، مهووسا بكل ماهو حديث ومستغلا الوضع الصحي للفرنسيين، قام ليون بتعلم صنع نوع من الجبن الطري ذي صفة ذائبة لدى وضعه في الفم بدلا من الجبن الجاف الذي تتميز به المنطقة، هذا الجبن يمكن حفظه لمدة طويلة في درجة حرارة الغرفة وهو صحي ويمكن السفر به بسهولة. لذا كانت اولى المحاولات ناجحة والجبنة أخذت شكلا ثلاثيا محفوظة في علبة من الحديد حلت محلها علب كارتونية لاحقا.
قبل تسويق الجبنة، احتار ليون في تسميتها وتذكر فيما بعد الأيام التي قضاها في الجيش ليطلق على الجبنة أسم البقرة الضاحكة ولكنه في نفس الوقت قام باستدعاء بنيامين رابيه لاعادة رسم البقرة الضاحكة لتزيين علبة الجبن و يطلب منه أن يغير لون البقرة الى الأحمر ومنح أذنيها أقراطا مع وضع المسكارة والكحل على عينيها بطلب من زوجته كي تعطي البقرة طابعا أنثويا.
في عام 1921 أصبحت علامة البقرة الضاحكة العلامة الرسمية والتجارية للجبنة التي لاقت نجاحا واسعا لدى تسويقها الى أنحاء فرنسا، ليدخل رمز ها حياة الفرنسيين وخصوصا الأطفال من خلال طبعها على الكراسات والدفاتر واللوازم المدرسية كما هو عليه الحال في يومنا هذا مع رسوم عالم ديزني، والأهم من ذلك أن العلامة باتت رمزا لسباق الدراجات الهوائية التي اشتهرت بها فرنسا في العالم بين اعوام ( 1933 - 2009).
على مدى السنوات اللاحقة في العشرينيات ونظرا لرواج البقرة الضاحكة، أعيد رسمها وجرت عليها بعض التغييرات مع الاحتفاظ بشكلها الأول،حيث أخذت طابعا انسانيا ذات شخصية قريبة الى قلوب المستهلكين، فهي في نفس الوقت حمراء اللون وامراة بأقراط في الأذنين وأم مغذية أيضا.
انتقل اسم البقرة الضاحكة من جيل الى جيل حتى ظهورها في الاعلانات السينمائية في عام 1950 والتلفاز لاحقا عام 1968، أما في عام 2010 أخذت بعدا جديدا على العلبة باضافة جسمها الى الصورة كي تعطي محيطا كاملا للجبنة، وهي الآن تظهر في أفلام الصور المتحركة لتروي للأطفال قصصا عن كيفية صنع هذا الجبن .
كثيرة هي العلامات التجارية لأجبان مشابهة حاولت منافستها ومن أطرفها جبنة "البقرة الجدية" ولكنها باءت بالفشل الذريع أثر الوصفة السرية لـ (ليون) في تحضيره للجبنة والتي هي عبارة عن مزيج من جبنتي الكومتي والأيمنتال الشهيرتين، أما طريقة التحضير فالعلم عند صانعها.
ألبقرة الضاحكة كانت ومازالت تواكب العصر الذي تعيش فيه حتى أنها رشحت نفسها للانتخابات الرئاسية لعام 2012 ودخلت الساحة السياسية تحت أسم الحزب الضاحك والذي حقق نجاحا باهرا لتحصل على 860,000 مناصر ومؤيد على الشبكة الاجتماعية للفيسبوك ولكنها انسحبت عشية الجولة الأولى للانتخابات.
يمكن زيارة البقرة الضاحكة في بيتها في (جورا ) والذي يعد متحفا للعلامة التجارية وتأريخها فضلا عن معارض للفن المعاصر الذي تقام فيه على مدار السنة . وأخيرا تبقى التساؤلات مستمرة بعد مرور 91 عاما وبعد انتفاء الضحك والسخرية من المحتلين لبلدها سابقا ترى لماذا تستمر البقرة ضاحكة وعلى من تضحك هذه المرة ؟! .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . تارا ابراهيم

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat