شخصيات مضطربة في التأريخ الإسلامي
مير ئاكره يي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مير ئاكره يي

المقدمة ؛ أحد المصطلحات الجدلية والخِلافية جدا في المذاهب الاسلامية هو مصطلح [ الصحابي ] ، حيث يدور حوله خِلاف كثير وتباين أكثر من ناحية التعريف والعدالة ومدياتها . لهذا لايوجد تعريف واحد متفق عليه بين المذاهب عنه .
فالتعريف السني يختلف عن التعريف الشيعي له ، والتعريف الشيعي يتباين مع التعريف الزيدي ، وهكذا بالنسبة لمذهب الإباضية . في هذا الموضوع هناك بعض التقارب التعريفي الى حد كبير بين أهل السنة والإباضية والزيدية ، لكن الخِلاف الأكبر يدور حول التعريف للصحابي وعدالته بين أهل السنة والجماعة ، وبين مذهب الشيعة الإثناعشرية . وقد خرج الموضوع بينهما عن الخلاف التعريفي ، إذ بات صراعا محموما بينهما . عليه أضحى هذا الصراع على المادة التعريفية لمصطلح [ الصحابي ] منحصرا بين مذهبي السنة والشيعة ، وما زال الجدل والجدال والصراع حامي الوطيس بينهما ، وبكل ضراوة الى حد يبعث الى الدهشة والإستغراب ! .
فالتعريف السائد عندنا عن الصحابي ودرجة عدالته ليس – برأيي – مضبوطا ومتكاملا ودقيقا من جميع نواحيه ، لأنه يقوم على أساس التعديل والتصويب الكامل لجميع الصحابة بلا إستثناء . واذا أخضعنا هذا التعريف التعديلي التصويبي الكلي والشامل في ميزان القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية ، وفي ميزان الجرح والتعديل والنقد التاريخي العلمي المحايد وآلياته ومعاييره نرى أن التعريف المذكور قد آعتراه الخطأ والنقص كثيرا .
في هذا البحث الموجز لستُ ملزما من الناحية الاسلامية أولا ، وثانيا من الناحية العلمية والنقدية أن أشايع مذهبا معينا بذاته حول التعريف للمصطلح المذكور ، بل أحاول معرفة الحق والحقيقة والتحري عنها ، ثم الوقوف الى جانبها .
برأيي اذا حاول الانسان أن يتجرّد من التطرف المذهبي وغلواءه ، وأن يبتعد عن التقليد والتبعية ، وأن يحقق بعدل وآعتدال وموضوعية فإنه قد يصل الى ما يبتغيه من الحق والحقيقة في هذا الموضوع ، وفي غيره كذلك .
وبحسب دراستي وإطّلاعي على مذهبي السنة والشيعة ثبت لديَّ ان في المذهبين خلل وآبتعاد عن العدل والإعتدال حول موضوع الصحابة بشكل عام ، فالمذهب السني يعاني الخلل والخطأ في موضوع الصحابة ، وكذلك المذهب الشيعي يعاني نفس الخلل والخطإ ، لكن بشكل مختلف ومغاير ، وبينهما في الوسط يبقى العدل والإعتدال حيث ينبغي الركون اليه والوقوف والتوقّف عنده ، حيث في الوسط والوسطية يتمركز الحق وتتمركز الحقيقة بالتعبير القرآني الرائع كما نقرأ في التنزيل الكريم : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا ... } البقرة / 143
تأسيسا على ما ورد يوجد في التأريخ الاسلامي العديد من الشخصيات التي تُحْسبُ على الصحابة ، أو تُحسب على التابعين ، لكنهم بالحقيقة شخصيات مضطربة على المستوى العقدي والفكري والسياسي والشخصي . وقد كان لهؤلاء الشخصيات تأثيرهم السلبي والسيء على مُجريات الأمور والأحداث السياسية والمصيرية ، وحتى الدينية في التاريخ ! .
نحن في هذا البحث نحاول إستقراء وترجمة وتحليل تلكم الشخصيات المضطربة في تاريخ المسلمين ، سواء كانت شخصيات أولية ، أو ثانوية ، مع التطرق والإشارة الى شخصيات كانت لها في بداية الأحداث أخطاء ومساهمات في تأسيسها ، لكنهم رجعوا وأنابوا الى ربهم تعالى بعد أن تبين لهم الحق والحقيقة ، وبعد أن توضح لديهم بأنهم قد لجّوا في طريق الخطإ والأنحراف ! .
فحساب الشخصيات الأخيرة في الميزان ليس كحساب الشخصيات الأساسية الإضطرابية المفتاحية . وفي هذا الشأن فإن أحد المذاهب الاسلامية أخذ بها التطرف والافراط بعيدا فجعل الكثير من كبار الصحابة الكرام في ميزان هؤلاء الشخصيات المضطربة ، وفي صف واحد ، بل إن الكثير من أتباعها يسيؤون الأدب معهم ويقذفونهم بأشنع الألفاظ وأبشع الصفات وأقذع الكلمات لمزيد من الأسى البالغ والأسف الشديد ! .
1-/ سَمُرَة بن جندب ؛ لدى الكثير من المؤرخين والمحدثين القدامى آراء غريبة في ترجمة الشخصيات التاريخية وتقويمها ، وهل إن السبب يُعَلّلُ الى طبيعة الحكومات التي كانت سائدة ، أو الى طبيعة الظروف الاجتماعية العامة يومها ؟ . وقد نرى هذه الغرابة بوضوح عندما نقرأ إماما ومحدثا كبيرا ك[ محمد بن أحمد أبو عبدالله الذهبي / 1274 – 1348 ] وهو يترجم شخصية : ( سمرة بن جندب ) ، فيقول :
[ سمرة بن جندب / سمرة بن جندب بن هلال الفزاري من علماء الصحابة ، نزل البصرة ، له أحاديث صالحة ] ، ثم بعدها يقول الذهبي عن سمرة بن جندب الصحابي الصالح : [ وقتل سمرة بشرا كثيرا ] !!! . ينظر كتاب ( سِيَر أعلام النبلاء ) لمؤلفه أبي عبدالله الذهبي ، ج 3 ، ص 183 .
وتروي كتب الحديث بأن سمرة قد تاجر بالخمر في عهد الامام عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ، وهو ، أي سمرة أول صحابي تاجر بالخمر وباعها [!] ، مع حرمة الخمر الشديدة شربها ، بيعها أو الإنتفاع منها في الاسلام . لذلك قال الامام عمر – رض - :{ قاتل الله سمرة ألم يعلم ان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال < لعن الله اليهود حُرِّمت عليهم الشحوم فحملوها فباعوها > } ! . ينظر كتاب ( السنن الكبرى للبيهقي ، ج 6 ، ص 12
وقد جاء في كتاب ( صحيح البخاري ) نحو ذلك ، لكن الامام البخاري – سامحه الله تعالى – حذف إسم سمرة ، فجعل مكانه [ فلانا ] . وبهذا لم يكن البخاري – كما يبدو – أمينا في النقل والرواية في هذا الموضوع للأسف الشديد . يقول البخاري : [ بلغ عمر أنَّ فلاناً باع خمرا ، فقال : قاتل الله فلانا ، ألم يعلم أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال : < قاتل الله اليهود حُرِّمَتْ عليهم الشحوم ، فجملوها فباعوها > ] ! . ينظر كتاب ( صحيح البخاري ) للبخاري ، ج 02 ، 774 ، 775 .
سمرة بن جندب يعصى رسول الله محمد – ص – ويتحداه ويرفض حكمه وقضاءه ! :
قد { كانت لسمرة بن جندب عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار ، قال : ومع الرجل أهله ، قال : فكان سمرة يدخل الى نخله فيتأذَّى به ويشُقٌّ عليه ، فطالب اليه أن يبيعه ، فأبى ، فطلب اليه أن يناقله ، فأبى ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه ، فأبى ، وطلب اليه أن يناقله فأبى ، قال : [ فهبه لي ولك كذا وكذا ] أمرا رغَّبَهُ فيه ، فأبى ، فقال له رسول الله : [ أنتَ مُضارٌّ ، فقال عليه السلام للأنصاري : [ إذهب فآقطع نخله ] } !!! . ينظر كتاب ( سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 173
كُرْهُ سمرة للامام علي وآل بيت النبوة الأطهار رضوان الله تعالى عليهم ! :
حول هذا الكره والكراهية والعداء من سمرة للامام علي – رضي الله عنه – تروي كتب التاريخ الكثير من الأخبار ، منها : [ أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهدُ اللهَ على ما في قلبه وهو ألدُّ الخصام * واذا تولّى سعى في الأرض لِيُفْسِدَ فيها ويُهْلِكَ الحرث والنسل والله لايحب الفساد } البقرة / 24 ، 25 ، وأنّ الآية الثانية نزلت في آبن مُلجم ، وهي قوله تعالى { ومن الناسِ مَنْ يَشْرِي نفسه آبتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ } البقرة / 207 ، فلم يقبل ، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل وروى ذلك ] !!! . ينظر كتاب ( شرح نهج البلاغة ) لمؤلفه إبن أبي الحديد المعتزلي ، ج 4 ، ص 73 . وكان سمرة بن جندب من حزب معاوية بن أبي سفيان وشيعته ، لذلك كان يكره الامام علي – رضي الله عنه وكرم وجهه – كُرْها شديدا ! .
إشتهار سمرة بن جندب بالقتل الجماعي وسفك الدماء ! :
لقد كان سمرة بن جندب أحد أشهر الناس وأبرزهم في التاريخ الاسلامي بالقتل الجماعي وسفك الدماء ، وذلك مثل زياد بن أبيه [!] وآبنه عبيدالله . في هذا الصدد يقول الذهبي : [ قال عامر بن أبي عامر : كنا في مجلس يونس بن عبيد ، فقالوا : ما في الأرض بقعة نشفت من الدم ما نشفت هذه ، يعني دار الإمارة ، قُتِلَ بها سبعون ألفا ، فسألت يونس ، فقال : نعم من بين قتيل وقطيع ، قيل : مَنْ فَعَلَ ذلك ؟ ، قال : زياد وآبنه وسمرة بن جندب ] ! . ينظر كتاب ( سير أعلام النبلاء ، ج 3 ، ص 183 . ولذلك يروى عن التابعي آبن سيرين – رض – بأنه قال : لا يُحصى عدد من قتل سمرة من الناس ! .
وفي هذا الشأن أيضا : [ روى الأعمش ، عن أبي صالح ، قال : قيلَ لنا ؛ قَدِمَ رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيناه فإذا هو سمرة بن جندب ، واذا عند إحدى رجليه خمر ، وعند الأخرى ثلج ، فقلنا : ما هذا ؟ ، قالوا : به النِّقْرس ، واذا قوم قد أتوْهُ ، فقالوا : يا سمرة ما تقول لربك غدا ؟ : تُؤتى بالرجل فيقال لك ؛ هو من الخوارج فتأمر بقتله ، ثم تُؤْتى بآخر فيقال لك ؛ ليس الذي قتلته بخارجي ، ذاك فتى وجدناه ماضيا في حاجته ، فَشُبِّهَ علينا ، وإنما الخارجي هذا ، فتأمر بقتل الثاني ! ، فقال سمرة : وأيُّ بأس في ذلك ! ، إن كان من أهل الجنة مضى الى الجنة ، وإن كان من أهل النار مضى الى النار ] !!! . ينظر كتاب ( شرح نهج البلاغة ) لمؤلفه آبن أبي الحديد المتعزلي ، ج 04 ، ص 78 .
سمرة يطيع معاوية أكثر من إطاعته لله تعالى ! :
يروي إبن جرير الطبري في تاريخه المعروف : [ أقَرَّ معاوية سمرة بعد زياد ستة أشهر ، ثم عزله ، فقال سمرة : لعن الله معاوية ، والله لو أطعتُ اللهَ كما أطعتُ معاوية ما عَذَّبَنِي أبدا ] !!! . ينظر كتاب ( تاريخ الطبري ) لمؤلف إبن جرير الطبري ، ج 03 ، 990 ، ويروي الطبري أيضا بأن : [ زيادا إشتد في أمر الحرورية < الحرورية كانت جماعة من الخوارج . م عقراوي > بعد قريب وزحاف فقتلهم وأمر سمرة بذلك ، وكان يستخلفه على البصرة اذا خرج الى الكوفة ، فقتل سمرة منهم بشرا كثيرا ] ! ينظر نفس المصدر المذكور والمؤلف والمجلد ، ص 969 .
نهاية سمرة وحديث لرسول الله – ص – عنه - ! :
تروي العديد من كتب الأحاديث النبوية الشريفة حيثا لرسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام - ، وهو انه قال لأبي هريرة وسمرة ورجلا آخر : { آخركم موتا في النار } . وبالفعل كان آخرهم موتا هو سمرة بن جندب [!] ، وفي هذا الموضوع يروي إبن حجر العسقلاني ما يلي :
[ مات سمرة قبل سنة ستين < وفي رواية أخرى انه مات في سنة تسع وخمسين للهجرة النبوية . م عقراوي > . قال إبن عبدالبر : سقط في قدر مملوءٍ ماءً حارا ، فكان ذلك تصديق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأبي هريرة { آخركم موتا في النار } ] ! . ينظر كتاب ( الإصابة في تمييز الصحابة ) لمؤلف إبن حجر العسقلاني ، ج 03 ، 178 . عليه أعتقد إن الرسول الأكرم محمد – ص – كان قد عنى في حديثه { آخركم موتا في النار } الى أبعد ما تصوّره ورواه إبن حجر العسقلاني فيما رواه عن سمرة حول نهايته ! .
النتيجة :
هكذا تخبرنا وتروي لنا جميع كتب الحديث والتاريخ حياة سمرة بن جندب وحياته وشخصيته وأفكاره وتصرفاته ، وقد راعيت الإيجاز في الموضوع ، فهل حقا ان سمرة كان عادلا ومُعَدَّلاً ب[ نصوص الكتاب والسنة وإجماع مَنْ يَعْتَدُّ به في الإجماع من الأمة ] كما هو التعريف والتعديل السائد عندنا للصحابي ، أم بالحقيقة إن هذا التعريف والتعديل بأمس الحاجة الى التعديل ، والى تعريف جديد آخر يتفق تماما مع الكتاب وصحيح السنة ، ومع النقد الموضوعي والحيادي الخالص ؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat