بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيله الشاعر والروائي محمد الحمراني مازالت عائلته بدون منحة الادباء ولا راتب تقاعدي الراحل في غير اوانه
عبد الحسين بريسم
عبد الحسين بريسم
مدخل
يخرج من المياه حاملا شعلة سحره فوق جبينه متجها الى اليابسة التي طالما اتخذته سلما الى منافي الغياب والحضور بكلماته التي كان يبيعها على القادمين من المياه فوق رصيف يطل على نهر ناحية السلام هناك كان محمد الحمراني يقراء – هيوز وشعرالزنوج وهنري ميشو الصاخب بباريسياته الغريبة هناك كان القرويون يحدقون بهذا الغريب عن محيطه المالوف بسحنته السمراء المعجونة بطين الجنوب
منحة الادباء ليس فيها الحمراني
محمد الحمراني الراحل ليس في اوانه لم تشمله منحة الاحدباء والصحفيين والفنانيين وعلى الرغم من انه شاعر وروائي وصحفي عمل في عدة صحف منها جريدة المدى البغدادية هكذا تحدث حيدر نعيم الحمراني شقيق محمد واضاف اننا نطالب باسم عائلة الحمراني زوجته واطفاله ايمن ثمان سنوات وايه خمس سنوات علما ان العائلة لا تملك بيتا خاصا بهم وانما يسكنون مع بيت جدهم الراحل ايضا نعيم الحمراني
المشهد الاول
تعود مياه الاهوار تداعب جرف مدينة السلام وتخرج من اعماق الماء جواميس اسطورية مازلت اثار اصباع كلكامش على ظهورها وطعم حليبها يسل حتى الان على شفتي انكيدو تلك حياة طالما حلم بها النائم بجوار الباب
من راى انكيدو يعبر الاهوار حاملا ما ظل من اشعار الحمراني وكتابه الاخير من راى محمد الحمراني حاملا انكيدويعلمه ان عشبة الخلود اكذوبة ولا خلود الا للشعر المغاير كتبه شعراء خلدوا الكلام ومضوا الى عشبة الحبيبة التي خرجت من النهر وما عادت اليه اميرة هدها العشق وهد العاشق الملفوف بطعم الهيام من الف ليلة كانت اخرها ليلة جلست طويلا بين الماء والماء
محافظة ميسان لم ترعى عائلة الحمراني
حدثني حيدر الحمراني عن ماقدم الى اخيه الراحل فقال ما قدمته المحافظة كانت حضور مجلس الفاتحة وتقديم بعض المواد الغذائية واللحوم اثناء مجلس الفاتحة ونحن نطالب بتوفير راتب تقاعدي للعائلة محمد الحمراني واطلاق اسمه على احد شوارع العمارة اعتزازا بما قدمه الحمراني من ابداعات عن هذه المدينة ولم ينسى حيدر الحمراني الاشادة بموقف جريدة المدى ورئيس تحريرها المشرف حيث قدمت مبلغ كبيرا من المال لعائلة محمد الحمراني وايضا ناشدت عائلة الحمراني مؤسسة المدى ان تقوم باعادة طبع اعمال محمد الحمراني
مقطع خارجي
اخذته المدن بعيدا ولكن روحه مازلت تحلق فوق مياه اهوار العمارة حتى عاد اليه ولكن روحة مازالت هناك في المدن البعيدة
اعمال محمد الحمراني
انجر الراحل عدة اعمال شعرية ونثرية وعلى الرغم من عمره القصير وهي اعمال تميزت بمهارة محترف وصرارا اعطت ثمارها بمدة قصيرة وكاني بمحمد الحمراني يعرف ان الموت سوف يخطفه سريعا والاعمال المنشورة هي في الرواية
انفي يطلق الفراشات
الهروب الى اليابسة
النائم بجوار الباب
حجاب العروس
وفي الشعر
خطر
عواصف قروية
المشهد الثاني
اتيك من الجهة الشرقية لتل الهيفاء تلك العمارة الاثرية التي اكلها الزمن القديم وماظل منها من زمن الطوفان من هناك احث الخطوات حتى اصل الى الحمراني في رصيفه على نهر – الخمس- السلام حاليا وهو يحدق بالنخيل المشرئب على المياه حالما باميرة تخرج من النهر
حدثني الحمراني عن الهروب الى اليابسة روايته التي يكتبها عن عالم الاهوار والجريمة الكبرى – تجفيف الاهوار- وعن عالمه الذي يبنيه من كلمات اراد لها ان تكون بديلا عن حياة اعطبها الحصار والجوع والمدينة الصغيرة التي لا تستوعب احلامه المنطلقة صوب العالمية قلت له المحلية طريق العالمية قال هي الحياة
مقطع خارجي
عندما حلم الحمراني طويلا بالحلاج كتب عنه النائم بجوار الباب هل تستيقظ من جوار بابك يامحمد
المشهد الثالث
تمر القرويات خلف الرجال كانهم قطيع طيور الماء في موكب يتماوج فوق الماء ولكن هم الان على رصيف يمكله محمد الحمراني بحضوره الطاغي على مشهد مدينة خرجت من المياه وكانت اخر اليابسة حيث خلفها يمتد الماء
مشهد خارجي
محمد الحمراني شاعر وروائي عراقي عماري شاب تولد من رحم الماء ومازال هناك في الماء سمكة وقصبة وبردية
مازال هناك هور ممتد حتى اليابسة
سيرة لم تكتمل
محمد نعيم الحمراني
تولد 1970 / ميسان / ناحية السلام
توفي يوم 26/11/2007
صدرت له: اربع روايات هي على التوالي:
1. ( انفي يطلق الفراشات/ عن دار الواح للنشر- مدريد- اسبانيا/ عام 1999،
2. (الهروب الى اليابسة) عن دار الشؤون الثقافية العامة- بغداد- عام 2002م،
3. ( النائم بجوار الباب) عن دار الشؤون الثقافية العامة- بغداد- عام (2007م)
4. (حجاب العروس – دار المدى - دمشق – 2008 ).
فضلاً عن صدور مجموعتين شعريتين له: الأولى وعنوانها ( خطر) صدرت في بغداد عام 1997 على نفقته الخاصة والثانية عنوانها ( عواصف قروية) صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة- بغداد- عام 2000).
عمل مراسلاً لصحيفة المدى منذ عام 2004 حتى وفاته رحمه الله
عمل سكرتيرا لتحرير صحيفة صدى ميسان الصادرة في مدينة العمارة للفترة من 2005 – 2007
فازت قصته المعنونة (في منزل العقيد) بالجائزة الاولى في مسابقة عزيز السيد جاسم التي تنظمها جريدة الزمان الدولية في العام 2006 .
بالإضافة الى نصوصه الشعرية والقصصية ومتابعاته النقدية المنشورة في الصحف والمجلات العراقية والعربية والدولية .
المشهد الرابع بعد الموت
مياه محمد الحمراني
يقول الشاعر والناقد علي سعدون كل من يقرأ محمد الحمراني ، شعرا ونثرا ، تتبلل عيونه بمياه طائشة يصل رذاذها الروح والوجدان .، هكذا وعلى الدوام تنبثق ثيمة الماء في روايات الحمراني وشعره ، وكأنه أدرك مبكرا انها السيمياء الذي يبزغ بمجرد الإشارة إلى العمارة واهوارها ومياهها العذبة التي تترقرق كثيرا في كتاباته ..
يمكننا بعد هذا التوصيف المختزل أن نقول انه ابن الماء بأمتياز .. ابن الأرض الشاسعة على امتداد البصر مغلفة بالحنين الطاغي لكل ما يمت بصلة للإنسان وهو يخوض تجربة الجنوب القاسية ، حيث الحياة الأكثر عزلة والأكثر اعتباطا وعفوية ..
كتب مجموعته الاولى ( خطر ) وهي قصائد نثر تسعينية تلامس الوجع والاستلاب الذين دفعا بالحمراني إلى أتون محرقة الجيل – همومه وتطلعاته – بحماسة نادرة وبحديث لا ينقطع عن التجديد ، أتذكر رسائله التي احتفظ بها وهي تشير إلى مثابرته في البحث نمط الكتابة الجديدة التي تسمو بالنص ، كان يحثني على التفاعل المستمر على هذا النحو ، كل أسبوع تقريبا يصلني منه ما يعزز رؤيتي وإيماني به ككاتب مجدد ومخلص لمشروعه الأدبي الذي لم ينقطع أو يفتر إلا بموته الغريب والمستعجل !!
في روايته الاولى والثانية ( انفي يطلق الفراشات ورجل بجدائل طويلة حد الركبتين ) توخى الحمراني الأداء الفنتازي والواقعية السحرية بأصرار عجيب على أن الدخول إلى المرويات لا يأتي إلا بأشتغالات حداثية يمتحن الكاتب قدرته فيها ..
برحيله فقدت الثقافة العراقية مشروعا مهما يتمثل بمثقف شاب بدا للتو برسم خطواته بثقة وهمة عاليين .. لقد خلف ذلك الرحيل غصة وجرحا عميقا لدى مجايليه ومحبيه وهم كثر بالتأكيد ..
المشهد الخامس
الهدير المخبوء تحت الصمت
حين تستذكر شخصاً فان الانطباع الأول سيكون الموجّه لهذا الاستذكار ويبقى ضوؤه ينبض في ذاكرتك .. وعند اثارته تنهض الذكرى لتلم أطراف هذا الانطباع .. هكذا تكلم ماجد الحسن واضاف
ان هذا الأمر ما انفك يلاحقني في كل لحظة وأنا أقلب صفحات الانطباع الاول الذي تركه في روحي الشاعر والروائي الراحل محمد الحمراني ، كأنني في كل لحظة أخرج بها من منفى الارض الى ملكوت السماء لأن الحمراني لم يكن اسماً في لائحة الاسماء التي نصادفها وينتهي الامر.. بل هو الاقامة الدائمة لصمت يختبر به الوجوه في زمن يحفر تحت اسمه موت اخرس.. وهكذا فان عواصفه القروية هي التي تستأثر بجمرة الحياة.. اذن هو ايقاع التوازن بين صمت يعشق الاجنحة وموت يتأبط الاسماء .. لذا كان الحمراني لايقلق بشأن حبل الموت الذي التف حول خاصرته فيما ضوء الطفولة يطرق ملامحه.. هذا هو الانطباع الاول، انطباع الطفولة التي ترافقها الريح فهو يزاحم الشكوك ليصادف اليقين..
- مرة قال: هل يعجبكم انفي ؟
ولا اعرف في أي وجه يريد ان يغرس هذا السؤال وحين مضينا يلفنا هجير الوقت أدركنا أن أنفه يطلق الفراشات.
وهكذا أرخ لوجه مملوح ينازعه اليقين بالابتكار والتجدد. اعرف ان حياته هي صداقة دائمة بين الظلال والضوء وأدرك تماماً ان الكلمة عنده محراث ينزف منه الينابيع.. والا كيف تيسّر له بعمر قصير قراءة الحقول كلها.. ففي كلماته كثيرا ما يبتكر النسيم وفي كل ليلة تسهر عند أصابعه الاشرعة ، كان الزمن بين يديه لعبة وهكذا تخيله الموت وصرخ في جسده وهنا وضع الحمراني الاجابة..
حدق بالموت بوجه طفل فابتكر يقينا ان الانتصار عليه ممكن لأن هذا الطفل كثيرا ما كان يعيش مع الشمس فعلمته اليقين..
أي موت مخادع هذا الذي يجرف الظلال ، وترتعش تحت اسنانه الامواج ، ورغم كل خداعه وجبروته فان الحمراني كان يصغي اليه وهو متكئ على سرير الرياح.. الرياح التي أخذته الى طفولته.. اعني الخلود.. ولذلك اخطأ الموت حين اختطف هذا المطر وصدق الحمراني حين جعل من الموت لعبته وصدق به وهو لم يقرأ كتاب الخريف بعد..
اذن انت امام قامة تستدرج كائنات لا مرئية فصارت الهدير المخبوء تحت شرشف الصمت وفي أقل من لحظةسترى قطعان النجوم وهي تنزف من عينيه وليس غريباً ان تبقى هذه القامة في اللاحياة لأنها اختارت عزلتها.. وليس غريباً ان تظل خالدة والرياح تتناسل من جهاتها اذن أنت عند عريشة فكن طفلاً لتستدرج هذا المشهد وان لا ترسلها كيفما تشاء الافتراضات بل كيفما يشاء وجع الانطباع..
والانطباع الاول ان الاشجار لا يثيرها الغبار وان سرير القناديل هو ذاته تابوت الموت الذي كثيراً ما كان يفكر بنعاس الحمراني الذي لم يكن نائماً قرب باب الموت بل فتحه الى فضاء الحياة ونائم جنبه ليحرس قناديل الكلمات..
المشهد السادس
الهروب الى الموت
الناقد حسن الكعبي يقول عن موت الحمراني المسرع وقبل الاوان ثمة حدس او ربما نبؤة تجعل الادباء او المثقفين يكتبون نصوصهم الاخيرة التي تسبق موتهم، في اطار هيمنة فكرة الموت ومفرداته على هذه النصوص وهذه الخصيصة من الخصائص العالمية التي تميز جميع نصوص الادباء والمثقفين الاخيرة.
لا انزع في هذا الاطار الى كرزمة هذه النخبة او اميل الى استعمالات التيار الرومانسي الذي يجعل من الشعراء والادباء في درجة الانبياء، لكني اقرر حالة تعضدها نصوص الادباء الذين رحلوا عن عالمنا وتركوا نصوصا تهجس بالموت، واغلب هؤلاء هم ادباؤنا، بدءاً من عبد الامير جرص واحمد ادم وعقيل علي وكمال سبتي وكزار حنتوش وسركون بولص ومهدي علي الراضي واخيرا محمد الحمراني.
عالميا وعربيا حتى يمكن تأشير ظواهر عديدة لنصوص كان هاجسها الموت، نصوص سبقت موت ادبائها بايام قليلة، لكن هذه الظاهرة في سياقها العراقي المحلي مختلفة تماما، لان هاجس الموت يكاد يكون هاجسا مشتركا في جميع كتابات ادبائنا، وربما يرجع ذلك الى الواقع العراقي المرير الذي تهيمن عليه اشباح الموت، المقصود هنا ليست هواجس التوقع وانما هواجس التوقيع التي تتنبأ بالموت وتخبر به، وجميع هؤلاء الادباء كتبوا نصوصهم تحت الهيمنة الضاغطة لهذا الهاجس، وان المتلقي لهذه النصوص يدرك أن هذه النصوص اخبارية تعلن عن رحيل كتابها. لقد رصد هذه الظاهرة واشرها كل من كتب عن هؤلاء الراحلين لانها تفرض نفسها كمهيمن يمتلك قوة الاقامة داخل أية كتابة عن هؤلاء الراحلين سواء كانت هذه الكتابات تنتمي الى الحقول النقدية او الى الاعمدة الاستذكارية.
خاتمة
يمشي على شارع دجلة يمد نظراته صوب النهر وهناك تمضي شمس الجنوب حتى تلامس عيونه وتغيب
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat