بسم الله الرحمن الرحيم
(دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَ عَلْقَمَةُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَ كَانَ عَلْقَمَةُ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَ الْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ، وَ كَانَ بَلَغَهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ الْإِمَامُ مِنَّا مَنْ أَرْخَى عَلَيْهِ سَتْرَهُ، إِنَّمَا الْإِمَامُ مَنْ شَهَرَ سَيْفَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ وَ كَانَ أَجْرَأَهُمَا يَا أَبَا الْحُسَيْنِ أَخْبِرْنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) أَ كَانَ إِمَاماً وَ هُوَ مُرْخِي عَلَيْهِ سَتْرَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ إِمَاماً حَتَّى خَرَجَ وَ شَهَرَ سَيْفَهُ قَالَ، وَ كَانَ زَيْدٌ يُبْصِرُ الْكَلَامَ، قَالَ، فَسَكَتَ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ الْكَلَامَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ بِشَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِمَاماً فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ إِمَامٌ مُرْخِي عَلَيْهِ سَتْرَهُ، وَ إِنْ كَانَ عَلِيٌّ (ع) لَمْ يَكُنْ إِمَاماً وَ هُوَ مُرْخِي عَلَيْهِ سَتْرَهُ فَأَنْتَ مَا جَاءَ بِكَ هَاهُنَا، قَالَ، فَطَلَبَ إِلَى عَلْقَمَةَ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ! فَكَفَّ) .
لاشك ان موقع المرجعية يحظى بحساسية بالغة لما يمثله من بعد اجتماعي ديني في حركة الطائفة
يمكن النظر الى هذا الموقع من عدة زوايا، ماسوف اثير الحوار حوله هنا هو الشروط اللازمة لمقام المرجعية
في تصوري ان الحوار حول هذه المسالة من الضرورة بمكان نظرا لان حركة الواقع وتفاصيل الاحداث بدات تاخذ ابعادا خطيرة .
هناك مشكلة عامة ترافق المواقع الاجتماعية المختلفة وهي ظاهرة الادعاء فنجد من ليس طبيبا يدعي لنفسه الطب ومن ليس خبيرا يدعي لنفسه الخبرة بل نجد ان النبوة ادعيت وان الالوهية لم تسلم من الادعاء كما ينص القران عن لسان فرعون .
ولكن الامر ربما يهون لو بقي بهذا الحد بل بدات تنتشر عمليات خلط للاوراق من خلال تبدل المعايير التي يتم على اساسها فرز المدعي من الحقيقي
فاصبح اليوم ما ليس بمقياس مقياسا ومالا قيمة له في سوق العلم يراد له ان يكون ذا قيمة
ولا اظن ان من الخفي على احد مدى خطورة ضياع المعايير وانقلابها وبالتالي تزييف الوعي العام من خلال وما يستتبع من مخاطر تهدد الحالة الاجتماعية الدينية للطائفة .
من هنا ولاجل اعادة الامور الى نصابها وفي سبيل ان تبقى المعايير والادلة محفوطة من التلاعب لابد من تركيز الجهد في بيان المعايير الصحيحة وبقائها حية في الذهنية العامة الشيعية والا فالامر من الخطورة بمكان
ما هي مواصفات المرجع ؟
المرجع حيث كان خبيرا في استنباط وبيان الموقف الشرعي من مختلف الموضوعات لابد ان يكون مجتهدا ومعنى الاجتهاد ان يكون مؤهلا من الناحية العلمية لبيان موقف شرعي
الاجتهاد مرتبة علمية تتحدد بمحددين فالمجتهد ليس معصوما من جهة وليس مجرد مثقف بسيط من جهة اخرى .
اولا : المجتهد ليس معصوما :
المجتهد ليس معصوما لان العصمة تعني المطابقة المطلقة للواقع هي تعني الصوابية بينما الاجتهاد يدخل في ضمن العلوم النظرية التي تقبل في بعض مساحاته الخطا فهو وان كان يتاسس على ا لبداهات لكنه غير مضمون المطابقة للواقع
ثانيا : المجتهد ليس مثقفا :
بمعنى انه ليس مجرد مطلع على ادوات ومقولات الفقه بل هو يملك الادوات المنهجية والاستدلالية التي يتمكن من خلالها من تقديم حكم شرعي يملك الدليل المعتمد في الاروقة العلمية وهذا ما يفتقر اليه المثقف واعني به من يملك قدرا من المعرفة في مجال معين دون ان يصل الى مستوى التخصص فيه أي الذي لا تتجاوز حدوده المعرفية عن مجرد الاطلاع .
هذا من الناحية المعرفية ومن ناحية اخرى نحتاج في شخص المرجع ان يكون مامونا في ممارسته ونضمن عدم تاثره باي مؤثر غير موضوعي قد يتعرض له ومن هنا كانت العدالة شرطا اضافيا اعتبرها العقلاء لضمان نزاهة الراي الاستدلالي مضافا الى اعتبارها من قبل الشارع المقدس
اذن يمكن القول ان اهم مواصفتين لابد ان يتحلى بهما المرجع هما الفقاهة والعدالة مضافا الى شروط اخرى كالحياة والذكورة وطهارة المولد وغيرها .
امور لا علاقة لها بالاجتهاد :
ثمة امور لا علاقة لها بالاجتهاد ولكن كما قلت بدأ التسويق لها على انها ارقام في المعادلة الاجتهادية وان لها دور في تحقيق هذه المرتبة العلمية ما ينبغي لالتفات اليه بدقة وذلك مثل :
اولا : الاحاطة بعلوم دينية اكثر مما يحتاجه الفقيه لاستنباط الحكم.
هناك ولا شك ترابط بين علوم الدين وتخادم فيما بينها نتيجة لوحدة مرجعيتها المتمثلة بالكتاب والسنة اذ هما اصل كل المعارف والاحكام الدينية ولكن ذلك لا ينفي اطلاقا وجود علوم متمايزة عن بعضها فالفقه غير الكلام وغير التفسير ومن هنا حين نريد بيان موقف شرعي علينا ان نرجع الى الفقيه وليس الى المفسر والمتكلم هذا ما يمليه طبيعة التخصص الناتج عن توسع العلوم ودقتها .
ليس من المنهجي اطلاقا ان نرجع الى شخص يملك قدرة تفسيرية او كلامية متقدمة في مسالة مرتبطة بعلم الفقه مع وجود الفقيه الذي يمتلك كل مقومات استنباط المسالة .
ثانيا : كثرة المؤلفات
لما كان المجتهد يراد منه بيان الموقف الشرعي وهو ممارسة علمية يتم من خلالها استنباط حكم شرعي فان من الواضح ان ذلك لا علاقة له بان يكون له مؤلفات او تصانيف بل ربما ا يكون لديه حتى مؤلف واحد والا فما لعلاقة بين كثرة الكتابة وبين امتلاك القدرة على استنباط الحكم هذا نجده في عامة الاختصاصات العلمية فلا يمثل كثرة المؤلفات رقما في هذا المجال نعم ربما تكون مؤلفات العالم دليلا اثباتيا يظهر مدى قدرته العلمية ولكن لايمنع ذلك من وجود ادلة اخرى تظهر القدرة العلمية مثل المناقشات والمناظرات والمعايشة الشفهية بالتالي لا تمثل المؤلفات سوى طرق لبيان القدرة العلمية وليست هي شرطا في نفس الممارسة العلمية .
ثالثا : ادعاء الاتصال بالامام
في التوقيع الصادر من الامام المهدي ( عجل الله فرجه ) الى اخر النواب الاربعة علي بن محمد السمري (رض) : ( يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيَّ اسْمَعْ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَاجْمَعْ أَمْرَكَ وَ لَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ يَقُومُ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ التَّامَّةُ فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَ ذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الْأَمَدِ وَ قَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَ امْتِلَاءِ الْأَرْضِ جَوْراً وَ سَيَأْتِي مِنْ شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ أَلَا فَمَنِ ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ وَ الصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ).( )ولا اظن ان التوقيع الشريف يحتاج الى بيان وتوضيح .
رابعا : الخروج بالسيف
بمعنى التصدي والاستعداد لاستخدام القوة وفرض الاحكام الشرعية بمنطق العنف والقوة المسلحة ايضا لا علاقة له بالاوصاف الماخوذة في المرجع لان مسالة كيفية تطبيق الحكم الشرعي وطبيعة السلوك مع الوسط الاسلامي او الوسط الاخر هي مسالة فقهية فتكون بشكل تلقائي محكومة لقناعات الفقيه ولا تصلح اطلاقا معيارا يحتكم اليه في تحديد المرجع شانها شان أي مسالة اخرى تتبع اجتهاد الفقيه ونظره العلمي .
خامسا :
هناك اشكالية تطرح باكثر من مكان وباكثر من شكل لماذا لا يتصدى المراجع للإعلام على الرغم من كثرة التهم التي توجه اليهم وفي الواقع ان هذه الاشكالية تحل بالنظر الى :
اولا : ليس كل المواقف تتطلب الكلام فبعض المواقف يكون السكوت وعدم الكلام خير جواب لها المصلحة العامة قد تقتضي ان لا يجيب الانسان لان الاجابة تعني بشكل واخر اعترافا وانسياقا باتجاه منزلقات خطيرة؛
يقول الشاعر : لو كل كلب عوى القمته حجرا لاصبح الصخر مثقالا بدينار
ثانيا : المرجع الحق لا يكترث بكثرة الاتباع ولا يهتم ان يكون عدد من يقلده اكثر وذلك امر طبيعي بالنظر الى ان المرجعية تعني مسئولية امام الله وتعني تكليفا لا تشريفا وبالتالي كلما كان مسئوليته اقل كان افضل ومن هنا فلا يحرص المرجع على استعمال الاعيب الاعلام من اجل ان يكثر نفوذه وتاثيره لانه يرى في ذلك حملا اثقل ومسئولية اعظم ...
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat