التبذير والتبديد في الديانات ووزارة التربية!
سيد صباح بهباني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
(كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ) غافر/34
(كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام /141
(يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف / 31
(وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) الإسراء /26
(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) الإسراء /27
(وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان /67
(ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) المائدة / 32
(إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) غافر/28
(قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ) يأسين /19
إن الفقراء هم الذين يساعدون الفقراء , لأنهم يذوقون طعم الفقر ويعرفونه جيدا .
الشخص الكريم لا يمكن أن يخسر, لأن العطاء بمثابة زرع البذور, والذي يزرعه صوف يحصده ..
(2كورنثوس 9:1-15)
كانت إحدى الفضائل الهامة في الأخلاق المسيحية في الكنيسة الأولى والواجب توافرها في خدام الكنيسة من القسوس والشيوخ والشمامسة, فضيلة العطاء بسخاء وإضافة الغرباء. إلا أنها ضاعت اليوم. ألا نعود إلى كلمة الله لتحيي فينا هذه الفضيلة من جديد؟ لكن دعونا أولا نهدم قبل أن نبني, ونتخلى عن البخل قبل أن نتحلى بالكرم, فنفرغ الكأس مما فيه, حتى نملأه بالجديد .
التبذير والتبديد :
المبذر هو الذي يقدم أكثر من الحد المعقول والمطلوب. أما المبدد فإنه يستهلك أشياء بغير ما حاجة إلى استهلاكها. والطالب الذي لم يبق على امتحانه إلا أياما قليلة, بينما يقضي الساعات أمام التلفاز, مبذّر في وقته. والطالب الذي يهمل دروسه ويستلقي على ظهره مسترسلا في أحلام اليقظة, مبدد لوقته.. وهكذا. وينشأ التبذير والتبديد من عدة عوامل تتعلق بتكوين شخصية الفرد :
1 ـ كثيرا ما ينشأ التبذير أو التبديد بسبب عدم القدرة على إقامة العلاقات المكانية والزمانية المتباينة, أي إدراك ما يجب إنفاقه في أمر معين في وقت معين .
2ـ وقد ينشأ من سيطرة الرغبة على الإرادة. فبعض المبذرين أو المبددين يسارعون إلى التورط في الديون أو تبديد ما بين أيديهم من مال, بغير تفكير في العواقب .
3ـ وقد ينشأ بسبب العادة التي تمكنت منه, مثل عادة التدخين. فيبذر أو يبدد أمواله, ليس فقط في شراء السجائر بل في تقديمها بوفرة وافتخار لأصدقائه وضيوفه
4ـ وقد يكون بسبب عقدة نفسية, فيبذر أو يبدد وكأنه ينتقم من نفسه أو من أهله, فيكون ذلك نوعا من الانتحار الاقتصادي
5ـ وهناك أسباب أخرى لا تتعلق بالفرد بل بالمجتمع الذي ينشأ فيه
سيكولوجية البخل :
يعرف البخل بأنه الإمساك عن إنفاق المال على الرغم من توفره, وعلى الرغم من أن الإنفاق المطلوب لا يشكل سببا في الإفلاس أو التهديد بالحاجة إلى الآخرين, وعلى الرغم من أن مجالات الإنفاق المطلوبة وجيهة أو ضرورية, أو أن عدم الاستجابة لها يشكل خطرا أو ضررا للمحتاج .
إن البخلاء يقعون في فئات متباينة بحسب الموضوعات التي ينصب عليها بخلهم. فأحد البخلاء يقدم مائدة فاخرة لضيوفه, بينما يقتر في تقديم الخبز على المائدة...إلخ. هذا يعني أن البخل عند البخلاء نوعي ويتعلق بشيء ما أو موقف معين. فالبخل إنما يرتبط سيكولوجيا بالخبرات التي مر بها البخيل منذ طفولته. ويمكننا القول إن أكثر الناس كرما أو تبذيرا أو تبديدا, هم في الوقت نفسه بخلاء في ناحية ما أو أكثر من نواحي حياتهم. وإن أكثر الناس بخلا يمكن أن يكون أكثر كرما أو تبذيرا في بعض شؤون حياته...وهكذا. لذلك فمن الظلم أن ننعت إنسان بالبخل المطلق في جميع شؤون حياته .
البخل, مرض وخطية :
يجب أن نفرق بين البخل, وبين الحرص أو الاقتصاد في الصرف. ويعتبر البخل مرضا لأنه انحراف عن الطبيعة البشرية التي خلق الله الإنسان عليها. فالبخل صفة ذميمة دخيلة, ومرض اجتماعي ونفسي وروحي .
قالوا في البخل: جود الرجل يحبب فيه أعداءه, وبخله يكرّه فيه أولاده .
وفي وصف نخلة قررت أن تبخل على الناس بتمرها, لأنها لا تأخذ منهم شيئا إلا رميها بالحجر. فقرر صاحبها أن يقطعها ويستخدم خشبها في التدفئة .
أما الشح فهو البخل مع الحرص المرضي. فهو أشد في الذم من البخل. فنقول بخيل لدرجة الشح, أي بخيل جدا في ماله وعواطفه وتشجيعه, حتى في ابتسامته .
وفي رسالته إلى كنيسة كورنثوس يحذر بولس من خطية الشّحّ, ويؤكد قانونا مسلما به عند كل الناس. إن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا. فمن يزرع قليلا سيحصد قليلا, والذي ينفق ماله في عمل الخدمة ولخير الآخرين, سوف يكافئه الرب على قدر إنفاق ماله ووقته. وهذه المكافأة تكون في هذا العالم أو في الدهر الآتي أو في كليهما. هذا القانون هو علة السخاء في العطاء, لأنه يبين أنه ينفع المعطي والمعطى له أيضا .
العلاج :
هذه بعض نصائح علاجية مختصرة لداء البخل :
ـ حذار من أن تجعل المال هدفا في حد ذاته. وإذا اعتبرته غاية فليكن غاية نسبية وليس مطلقة. فالألوهية هي الغاية التي لا غاية بعدها .
ـ لا تستذل الآخرين بمالك, ولا تجعله وسيلة لشراء أنصار وتابعين للانتقام, أو لإحراز قوة وسلطة عليهم .
ـ كن واثقا من نفسك, فمقامك الحقيقي يجب ألا تستمده مما تمتلك, بل من شخصيتك وثقافتك وأخلاقك .
ـ اتخذ لنفسك الموقف الوسط بين البخل والتبذير .
ـ ضع ميزانية لنفقاتك الدائمة والمتغيرة. وضع في حساباتك عمل الرب واحتياجات الآخرين الحقيقية
ـ فكّر في وسائل مشروعة لزيادة دخلك. وإحداها ضغط مصروفاتك الشخصية التي يجب ضغطها .
الشفاء من البخل
(2كورنثوس 8:1-15)
البخل يتناقض مع واحد من أهم سمات الأخلاق المسيحية, خاصة في الكنيسة الأولى, سمة السخاء في العطاء وإضافة الغرباء .
ويقدم بولس في رسالته إلى كنيسة كورنثوس, خمسة أسباب قوية يشجع بها أعضاء الكنيسة على العطاء بسخاء. هذه الأسباب تصلح أيضا أن تكون دوافع لنا على العطاء بسخاء :
1ـ يخبر كنيسة كورنثوس عن كرم وسخاء عطاء كنائس مكدونية الفقيرة (ع1-5). فرغم أنهم كانوا في ضيقة شديدة, إلا أنهم أعطوا أكثر من المتوقع والمطلوب منهم. هذا يعني أن أغنى الناس ليس هو أكرمهم أو أسخاهم. وهناك مثل يقول: إن الفقراء هم الذين يساعدون الفقراء , لأنهم يذوقون طعم الفقر ويعرفونه جيدا .
2ـ يضع أمامهم المسيح كمثال ونموذج يجب أن يتمثلوا به. فيرى أن تضحية المسيح لم تكن فقط عند موته على الصليب أو حتى عند ميلاده في مذود حقير,بل بدأت منذ أن قبل أن يتخلى عن أمجاده السماوية وينزل إلى الأرض (ع9 ).
3ـ يذكرهم بماضيهم المشرف. لقد كانوا سبّاقين في العطاء قبل كنائس مكدونية الذين غاروا منهم بدليل قوله "غيرتكم قد حرضت الأكثر ين" (ص9:2). فهو لم يرد أن يصدر أمرا من أجل جمع العطاء لكنيسة أورشليم, لأن شرط السخاء في العطاء أن يكون تبرعا وليس إطاعة لأمر. لكنه يعطي رأيا نافعا, وهو أن فعل الخير ينفع فاعله, لأنه يؤول إلى نموه في الفضائل (ع10,8,7 ).
4ـ يشدد على ضرورة ترجمة العقائد الصحيحة إلى مشاعر طيبة. فالاستجابة التي لا تتخطى الشعور, والعطف الذي يبقى مجرد إحساس في القلب, والرغبة الطيبة التي لا تتحول إلى عمل طيّب, هي أمور لا تجدي نفعا, بل تبعث على اليأس وخيبة الأمل .
5ـ يذكّرهم أن ضيقة أورشليم وقتية, فهناك احتمال لتغير الأحوال في المستقبل. إن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد, وبالكيل الذي نكيل به سوف يكال لنا. فالحياة تكافئ السخاء بالسخاء والشح بالشح .
أربع طرق في العطاء :
هناك أربع طرق تقريبا يمكن للشخص أن يقدم بها عطيته :
1ـ الواجب :
هناك من يقدم لمجرد الواجب. قد يبدو عليه مظهر الكرم والسخاء, لكنه في نفسه يفعل ذلك كمن يسدد حسابا أو يدفع ضريبة فرضت عليه. والعطية التي تقدّم بهذه الروح, من الأفضل لصاحبها لو لم يقدّمها .
2ـ إرضاء الذات :
هناك من يقدم لمجرد الشعور بإرضاء الذات. إنه يفكر في المتعة التي سيجنيها عندما يعطي, أكثر من تفكيره في مشاعر الشخص الذي يتقبل عطيته. فإذا كنت تقدّم بهذه الروح في العطاء, فأنت أناني, لأنك بذلك تقدّم هذه العطية لنفسك وليس للآخرين .
3ـ الحرص على الكرامة :
هناك من يقدّم بدافع الحرص على هيبته الشخصية, فيكون الباعث الحقيقي لهذا العطاء هو الكبرياء وليس المحبة. فإذا كنت تقدّم بهذه الروح, فأنت بذلك لا تساعد المحتاج, بل تمجّد نفسك وتعظمها. ومن يعطي بهذه الروح لن يعطي إلا حيث يراه الناس ليمدحوه, وإلا فلن يعطي شيئا .
4ـ بدافع المحبة :
إن الطرق الثلاث السابقة لا تعتبر سيئة, فهناك على الأقل عطية تقدّم, بغضّ النظر عن الدافع الذي قدّمت به. لكن هناك طريقة وحيدة للعطاء بالروح الجيدة, أن تكون بدافع المحبة. فالمعطي الحقيقي يعطي لأنه لا يستطيع أن يمنع نفسه عن العطاء. مثل قرص الشهد الذي يعطي عسلا من تلقاء نفسه, فهو بخلاف الصندوق المغلق الذي لا تستطيع أن تأخذ منه شيئا إلا إذا كسرت قفله .
معالجة التبذير والتبديد والبخل :
إن معالجة التبديد والتبذير تكون بالتنظيم, بأن تضع لنفسك ميزانية لنفقاتك الدائمة والمتغيّرة. وأن تعمل حسابا لاحتياجات الآخرين من أقاربك وأصدقائك, وتعمل حسابا لاحتياجات عمل الرب وكنيسته. وفكّر في وسائل مشروعة من أجل زيادة دخلك .
أمّا معالجة البخل فلا تكون بالتنظيم بل بتغيير مقصود في اتجاهك. وأول خطوة في طريق العلاج هي :
ـ أن تعترف بأنّك بخيل .
ـ ثم أن تسعى بإخلاص لمعرفة أسباب بخلك, هل هو اتجاه عام في مجتمعك, أو في أسرتك, أم هو اتجاه تنفرد به وحدك؟
ـ ثمّ حدد أي مجال ترى فيه نفسك بخيلا, في المال أم الوقت أم المشاعر أم الكلام أم في المشاركة؟
ـ ثمّ حدد الجهة المستحقّة لتلك العطايا, شخص أم عائلتك أم الكنيسة؟
بركات العطاء :
الشخص الكريم لا يمكن أن يخسر, لأن العطاء بمثابة زرع البذور, والذي يزرعه صوف يحصده ..
كما أن العطاء يحمل للمعطي فرحا وسرورا. إن المعطي المسرور هو الذي يحبه الرب. أن تستقبل صديقا ببشاشة وفرح ولم تعطه شيئا, أفضل من أن تعطه كل شيء باشمئزاز.. والعطاء يفعل ثلاثة أشياء عجيبة :
للمتلقي, حيث يخفف عنه ويعيد ثقته بالناس وبالرب.. وللمعطي, حيث يبرهن به صدق إيمانه المسيحي, ويكسبه محبة وصلوات الآخرين.. وللرب, لأن الناس عندما يروا أعمالنا الحسنة يمجدون أبانا الذي في السماوات. وفي الدين الإسلامي الحنيف هو أن التبديد والتبذير من المحرمات لذلك قال الله سبحانه وتعالى : ( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ) غافر ..
والإسراف : تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر .
ويقول العلامة الطوسي طيب الله ثراه :
وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما لم يبح، وربما كان ذلك في الإفراط، وربما كان في التقصير، غير أنه إذا كان في الإفراط يقال منه: أسرف يسرف إسرافاً، وإذا كان في التقصير يقال: سرف يسرف سرفاً، يقال: مررت بكم فسرفتكم، يريد: فسهوت عنكم، وأخطأتكم . ونعم ما قال الشاعر في هذا الصدد :
أعطوا هُنَيدَةَ يحدوها ثمانية *ما في عطائهم مَنٌّ ولا سَرَفُ
ويجب أن يوازن الإنسان وينظم حياته اليومية في السرف لأن الله سبحانه وتعالى يأمر بأعدل الأمور وأقسطها وفي حالات يمتدح عليها لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان /67
ولكن بعض العلماء خصَّ استعمال الإسراف بالنفقة والأكل أيضاً . ومنهم من يقول أن الإسراف تجاوز الحد في النفقة. ومنهم من يصف الإسراف : أن يأكل الرجل ما لا يحل له، أو يأكل ما يحل له فوق الاعتدال ومقدار الحاجة. وقال البعض أن الإسراف تجاوز الكمية فهو جهل بمقادير الحقوق. وقيل: أن الأنفاق هو إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس .
ومما سبق نستطيع القول إن الإسراف هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان أو قول، وإن كان في الإنفاق أشهر. وكما يكون الإسراف في الشر يكون في الخير، كمن تصدق بجميع ماله كما في قوله تعالى : (كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأنعام /141 ... والإسراف كما يكون من الغنى، فقد يكون من الفقير أيضاَ، لأنه أمر نسبي.. والإسراف يكون تارة بالقدر، ويكون تارة بالكيفية، ولهذا قال سفيان الثوري رضي الله عنه: ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، وإن كان قليلاً. وخصوصاً اليوم نرى الولائم والمناسبات الدينة تتجاوز حد الإسراف وللعلم أن المناسبات الدينة هي مناسبات تجديد العهد والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى عسى أن يغفر الذنوب العظام أن وجدت ، وأن البعض لا يقيم الاقتصاد وظاناً أن الجود في هذه المناسبة هي أكثر من التضرع كلب الغفران! ويقول ابن عباس رضي الله عنه: من أنفق درهماً في غير حقه فهو سرف. ونسي الكثير أن إمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام جاء الإمام ليرد التصور الإسلامي للحكم إلى نفوس الحكام ونفوس الناس . جاء ليأكل الشعير تطحنه امرأته بيديها ، ويختم هو على جراب الشعير ويقول : ((( لا أحب أن يدخل بطني إلا ما أعلم ))). وأن علياً عليه السلام باع سيفه ليشتري بثمنه الكساء والطعام ، وكره أن ينزل القصر بالكوفة مؤثراً عليه الخصاص التي يسكنها الفقراء .. جاء ليعيش كما روى عنه النضر أبن منصور عن عقبة بن علقمة قال : دخلت على علي عليه السلام ، فإذا بين يديه لبن حامض ،آذاتني حموضته ؛ وكسر يابسة . فقلت : (( يا أمير المؤمنين ! أتأكل مثل هذا ؟ فقال لي : يا أبا الجنوب ! كان رسول الله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا ـ وأشار إلى ثيابه ـ فإن لم آخذ بما أخذ به خفت ألا ألحق به )) . كما روى عنه هارون بن عنترة عن أبيه قال : دخلت على علي بالخورنق ، وهو فصل شتاء ، وعليه خلق قطيفة ، وهو يرعد فيه هكذا عاش إمام المتقين وشيخ الدراويش بالتواضع والاقتصاد متجنباً الإسراف والتبذير .. أين نحن عنهم !!! وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يوصي الإمام علي عليه السلام دوماً في الحث عن الإسراف والتبذير وقال : " يا علي ، أربعة يذهبن ضياعا : الأكل على الشبع ، والسراج في القمر ، والزرع في السبخة ، والصنيعة عند غير أهلها" . وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : " دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة ، فرأى كسرة ، كاد أن يطأها ، فأخذها وأكلها ، وقال : يا حميرا ، أكرمي جوار نعم الله عليك ، فإنها لم تنفر عن قوم ، فكادت تعود إليهم " ( هامش الوسائل 24 من أبواب المائدة الحديث 4 )
والتبذير هو تفريق المال وإنفاقه في السرف، قال تعالى : " وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا" الإسراء /26 . وقبل أن ادخل في شرح بواعث التبذير أحب أن أجلب أنظاركم حول التبذير المتعمد من قبل وزارة التربية والتعليم ؛والتعليم العالي وأول ما ابدأ به هو شرح حول تعليم في العراق حسب تقرير اليونسكو، فإن العراق في فترة ما قبل حرب الخليج الثانية عام 1991 ميلادية كان يمتلك نظاما تعليميا يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة. كذلك كانت نسبة القادرين على القراءة والكتابة (literacy) في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الفائت عالية,حيث كادت الحكومة في ذلك الوقت أن تقضي على الأمية تماما من خلال إنشاء حملات محاربة الأمية. لكن التعليم عانى الكثير بسبب ما تعرضه العراق من حروب وحصار وانعدام في الأمن، حيث وصلت نسبة الأمية حاليا إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ التعليم الحديث في العراق. وتحاول الحكومة العراقية الفتية حفظها الله الآن أن تدارك هذه الأزمة، بعد أن خصصت 10% للتعليم من ميزانيتها السنوية . ولأسف توجد ظاهرة جديدة هي أن توزيع الكتب والكل يعرف أن في العراق 8 ملاين طالب وطالبة ويحتاجون حسب التقارير إلى 80مليون كتاب والحكومة تصرف بسخاء ولا انتقاد لهذا الكرم ولكن أنها تبذر تبذير صارخ وبدون تخطيط ويكلف ميزانية الدولة لو كلن ثمن الكتاب 2ونصف دولار لثمانين مليون كتاب تكون الكلفة هي حوالي 200 مليون دولار سنوياً كلفت الكتب ,وهذا شيء مشكور ولكن التبذير هنا! أن الوزرة أخذت تمنح الطلبة كل سنة كتب جديدة وتأخذ الكتب التي استعملت في العام الدراسي وتحرقها.. وهذه خسارة وتبذير وتلف لأموال الدولة لأن التصميم العالمي لدى الدول المتقدمة هي يجب على كل طالب أن يعتني بالكتاب وتكون عهدة بذمته في العام الدراسي ويسلم الكتاب في نهاية العام الدراسي بنظافة والاعتناء به ليتسنى أن يستلمه الطالب المقبلة من الصف الأخر وتداول الكتب لفترة 5 إلى سبعة سنوات وبهذا يوفروا لخزينة الدون مبالغ تعد بمليار دولار كل خمسة سنوات ؛ وعلم تغرم الإدارة الطلبة ثمن الكتاب ولم يعتني به أو يمزق منه ويستوفي بهذه الحالة من الطالب ثمن الكتاب كله حتى يتعلم الطالب كيف يعتني بكتبه والتزاماته في المجتمع ! وأن في أكثر الدول المتقدمة وخصوص في ألمانيا لو طوى الطالب أو الطالبة صفحة من الكتاب أو استعمل القلم وشخط على الصفحة يغرم 3 يور تأديب له وحثه على الحفاظ على الممتلكات والمكاسب التي تخص الوطن واقتصاد الوطن .ولكن تعجبت عندما فهمت أن في العراق يعطون لكل طالب كتب جدد! لأنها تلف الدول سنوياً كما ذكرت في حدود 200مليون دولار سنويا وهذا مبلغ ضخم بإمكان الدول أن تحافظ على الكتب لمدة 4 أو خمسة سنوات وتقتصد في كل سنة 200مليون دولار وبهذا المبلغ تتمكن وزارة التربية أن تتصرف به لإنشاء مدارس ودعم الطلبة وبناء مختبرات علمية حديثة أو إنشاء مدارس للفقراء والأيتام أقسام داخلية حديثة والمرجو من الدولة أن لا تحاول أيستهان بكلامي هذا وفكري لأني احب أن أخدم فقط وأن صالح المصلحة العامة والوطن هو أملي . وعلماً أن التبذير حرام يا أولى الألبان من قومي المرجو أن يتعظ المبرمجين لوزارة التربية ويلموا حجم التبذير الذي يخسره الشعب سنوياً ,ونعود للموضع التبذير وبواعث الإسراف ..
وأن بواعث الإسراف والتبذير هي :
جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره، فلو كان المسرف مطلعاً على القرآن الكريم والسنة النبوية لما اتصف بالإسراف الذي نُهى عنه ربنا لقوله تعالى : " وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ " الأعراف /31 . فعاقبة المسرف في الدنيا الحسرة والندامة لقوله تعالى : " وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا " الإسراء /29 . وفي الآخرة العقاب الأليم والعذاب !!!ومن نتيجة جهل المسرف بتعاليم الدين مجاوزة الحد في تناول المباحات، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى السمنة وضخامة البدن وسيطرة الشهوات، وبالتالي الكسل والتراخي، مما يؤدي به إلى الإسراف . ويقول القطب الراوندي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إياكم والبطنة فإنها مفسدة للبدن ، ومورثة للسقم ، ومكسلة عن العبادة". وقال عيسى بن مريم عليه السلام : ما أمرض قلب بأشد من القسوة وما اعتلت نفس بأصعب من نقص الجوع ، وهما زمامان للطرد والخذلان" . وأن في العيون للصدوق وأمالي المفيد أحاديث كثيرة أترك ذكرها للمشاطر في المطالعة والبحث .
ولذا قال عيسى (عليه السلام): " أني لا اعجز عن معالجة ألاكمه والأبرص وأعجز عن معالجة الأحمق ". وألفت أنظاركم وخصوص وزارة التربية اليوم تدعم التبذير وتبذر تبذيراً سبق إصرار وتبذير أمول الدولة بدون برنامج ! وسوف أوضح لك هذه الفجوة من التبذير المقصود أو المتعمد ؛ ونبدأ أن في السنوات ما بعد السقوط وخصوص في السنوات الأربعة الماضية والسنة الحالية وما يلحق بعده .
الجهل والسرف والإغفال هي :
والجهل هو الجاهل ورجل سرف الفؤاد : يعني مخطئ الفؤاد غافلة ولذا قال طرفة :
إن امرأ سرف الفواد يرى * عسلا بماء سحابة شتمي
والعدل هو الوسط بين الإفراط والتفريط والإسراف والتبذير . ونعم ما قال الشاعر :
حب التناهي شطط* خير الأمور الوسط .
وللأسف أن النساء السعودية التي تعاني من ظلم الدولة لاستهتارها بالنساء ؛واستهتار الرجال بالنساء في كل المملكة والخليج وخصوصاً المعنيين الآمرات الفجرة والشيوخ البذرية القذرة ونسأل الله أن ينجي النساء والناس من ظلمهم وأن يجعل الثورات في السعودية والخليج كله وأن كثير من دول الخليج جلب انتباهي يحتفلون 3 أيام ويعطلون الدوائر ويرمون كاهل الناس على الخزينة ويحتفلون ثلاثة أيام لعودة الشيخ من العملية ويبذروا بهذه الأموال والشعب والفقراء أولى بهذه الأموال يا عالم انتبهوا وشاهدوا ماذا يفعله حكام السعودية والبحرين وقطر وغيرهم من المشايخ يسبون عباد الله ويحتفظون بالوزارات وبالمناصب لأمراء والمشايخ وللشعب الوظيفة التي لا تقدم ولا تقدم رأي!! كلها لأمراء والمشايخ ..والشوارع والمنشأة بأسماء الأمراء والشيوخ وكأن لم يكن صحابي أو عالم عربي يستحق هذا التقدير أنظر هنا هذه البلدان تحتاج للثورات والديمقراطية السرقات والفساد كل أمير وشيخ يتزوج النساء للتكاثر ويطلقهن وكأنهن معمل لإنتاج الأطفال يا للعار الأميرة والشيخ تتعلم وتتثقف وتدخل المؤتمرات والمواطن والمواطنة لا شيء والأميرة والشيخ تخرج للسياحة متى تشاء وتتبرج والنساء الباقيات سجينات ولو نست حجابها سهو يأتي الأمر بالمعروف ويغرمها بسجن أو ..أو . أين نحن عن هؤلاء الظلمة ؟!وأهديكم هذه الأبيات التي تتمنى المرأة أن يكون فارس أحلامها !
ويداً بيد للتعاون والبناء ورحمة الله على أروح الشهداء ونهديهم ثواب سورة المباركة الفاتحة تسبقها الصلوات على رسول الله صلى الله عليه وآله ولروح أمي وأبي . ونسأل الله أن يتقبل من حجاج بيت الله الحرام... والله خيرا حافظ وهو أرحم الراحمين .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
سيد صباح بهباني

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat