كُصّه بكُصّه
علي حسين الدهلكي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من الأعراف العشائرية الزواج المسمى (كصه بكصه ) وهو أن يتزوج كل واحد من شقيقة الأخر ، وبهذا يكون كليهما ملزما بتطليق زوجته في حال طلاق شقيقته أو زعلها .
ويبدو إن قانونيّ البنى التحتية والعفو العام سيكونان وفق زواج الكصه بكصه ، فلا يصدر الأول إلا إذا صدر الثاني ، رغم الفارق الشاسع مابين أهمية كل منهما .
فالأول يعني بناء وطن ومواطن والثاني يعني إطلاق سراح أناس كان اغلبهم ضد الوطن والمواطن ولا يوجد ضمان أو تأكيد ليكونوا معهما في المرحلة اللاحقة ، و لكن اغلب المساومين على ربط القانون الأول بالثاني هم من المرتبطين بقيادة هؤلاء المعتقلين وخاصة الإرهابيين منهم .
ولو كان إصرار البعض على إصدار قانون العفو العام ينطلق من حرصهم على من يسمونهم بالأبرياء لكان لنا فيهم كلام أخر، رغم استغرابنا من إطلاقهم صفة البراءة على هؤلاء لكون هذا الأمر من اختصاص القضاء .
ثم إن عملية التزاوج بين القانونين تبدو غير منطقية ألبته ، ولكن هذه إحدى كوارث ما يسمى بالتوافقات أو الصفقات التي فهمها البعض إنها تشمل كل القوانين والقرارات حتى لو كانت تعني بناء الوطن وتقدمه .
ثم إن قانون البنى التحتية يجب أن لا يخضع إلا للاعتبارات الوطنية ، وعدم وضعه في خانة المساومات والصفقات التي اقل ما يقال عنها إنها بعيدة عن المواطنة والحس الوطني .
في حين إن قانون العفو العام بصيغته الحالية يعتبر سلاح ذو حدين فهو يشمل القتلة والإرهابيين وعصابات الاختطاف وسراق المال العام ويتجاهل بصورة كبيرة بعض الذين لم تكن جرائمهم جنائية أو تتعلق بالمال العام مثل المشاجرات والحوادث العرضية التي تلحق ضررا غير مقصود .
وهكذا تكون قضية التزاوج بين القانونين بحاجة إلى عملية قيصرية معقدة لا تكون نسبة النجاح فيها عالية ، وهو ما يعني إن البعض يعمل على إجهاضها قبل الولادة وهذا ما يظهر لحد ألان .
ثم لماذا هذا الاهتمام من قبل احد رؤساء الكتل الذي لم يحضر للبرلمان منذ عدة أشهر في حين وجدناه يحضر جلسة التصويت على قانون البنى التحتية لإفشال إقراره ، ولم يخرج حتى تأكد من عدم التصويت عليه ،ألا يدل ذلك على إن هنالك من يصر على الولاء للخارج والارتباط به ومحاربة أي تقدم يمكن أن يحصل لهذا البلد .
إن ما يؤسف له حقا أن نجد البعض ممن قدر للعملية السياسية أن يحسبوا عليها يصر على العمل بالأجندات الطائفية والمجهزة له من قبل بعض الدول التي أزعجها تولي الحكم من قبل طائفة معينة .
ولو تمعنا النظر بقانون البنى التحتية فسنجد انه قانون كان من المفترض أن يشرع قبل هذا الوقت بكثير لأنه أساس الارتكاز في عملية الأعمار التي يجب أن نكون قد انتهينا منها ألان وليس البدء فيها .
ثم إن المعارضين لهذا القانون لا يمكن فهم معارضتهم إلا على أساس واحد وهو إن هذا القانون لا يعطيهم أية فرصة للسرقة والفساد كونه سيكون عبر وسائط لا يستطيعون المساومة أو الاستفادة منها .
فليس هنالك أموالا ستدفع للشركات المساهمة بالأعمار بل سيكون الثمن هو منحهم كميات من النفط العراقي وهذا ليس رهنا للثروات كما يظن البعض بل على العكس هو منافذ متعددة لتصدير النفط العراقي .
فبدل أن نصدر النفط ونستحصل الأموال لنعطيها للشركات القائمة بالأعمار سنمنحهم النفط بدلا عن تلك الأموال ، وهنا نكون قد وفرنا الوقت في مسالة التحويل والبيع والشراء والروتين المعقد كون النفط سيكون مباشرة لأصحاب الشأن .
ثم إن النفط ستكون أسعاره وفق سعر السوق ليوم التجهيز ، وهو ما يفند أي ادعاء بان النفط ستكون أسعاره تفضيلية ، كما إن مسالة إعطاء النفط مقابل الأعمار لا يمكن مقارنتها بعملية النفط مقابل الغذاء ، لان الأولى جاءت بقرار عراقي يهدف إلى أعمار البلد والثاني جاء بقرار أممي نتيجة حماقات وحروب النظام البائد .
أما بخصوص ما يقوله البعض بان العملية ربوية ، فهذا هو المضحك المبكي لان من يدعون الربوية هم أول من يتعامل بالربا والفساد والابتزاز وسرقة المال العام والجميع يعرف ذلك ، وعليهم أن لا يتكلموا بهذا الأمر لكي لا تفوح رائحة فسادهم وربويتهم لو تم فتح هذا الملف .
أما الأكراد فاعتقد إنهم غير راغبين بهذا القانون جملة وتفصيلا لأنهم لا يطمحون أن يروا أي تقدم في العراق باستثناء إقليمهم لكي لا تتوجه الأنظار لغيره ويسعى العالم للاعتراف بتطور العراق فهم يعتبرون الإقليم هو العراق وما عداه مجرد قصبات تابعة لهم .
كما إن تطور الجنوب والوسط والشرق والغرب من العراق يسحب البساط من تحت الإقليم الذي استفاد كثيرا من عرقلة تقدم بقية محافظات العراق ليبنى على خرابها مجده وتطوره ، رغم إننا نتمنى للإقليم المزيد من التطور لأنه جزء من العراق شاء من شاء وأبى من أبى.
ولهذا فقد يسعى الأكراد ( واعني بالأكراد هنا الحكومة وليس الشعب ) إلى الاتفاق مع العراقية وعلاوي بالذات لربط قانون العفو العام الذي لا يعني الأكراد من قريب أو بعيد بقانون البنى التحتية ، لغرض تحقيق مأربهم في عرقلة إصداره تحت غطاء مناصرة الأبرياء، والتي يعرف الجميع إن الحكومة الكردية لا يعنيها أمرهم ماداموا ليس أكرادا ، ولكنها أفضل وسيلة لإفشال قرار البنى التحتية وهذه لعبة مكشوفة يجب الانتباه إليها .
أما إذا كان مبرر الأكراد هوان هذا القانون فيه رهن للثروة النفطية فهذا كذب ونفاق لان الأكراد يعلمون قبل غيرهم كيف يستولون هم ويبددون الثروات النفطية والأموال المتحققة منها وهذا هو السبب الرئيسي لخلافهم مع حكومة المركز.
أما الكتل الأخرى الرافضة أو المتحججة فعليها أن تنظر للأمر من زاوية واضحة ولا تحاول أن تسوّق التبريرات المضللة التي بات يفهمها القاصي والداني على ضوء مواقف وتصرفات أعضائها وقيادتها .
إن قانون البنى التحتية هو قانون الشعب ولا يمكن أن يتلاعب به ثلة من المستفيدين أو المتصيدين الذين بلغت ثرواتهم أرقاما خيالية ومحاولة تجييره لمأرب خاصة بهم وبكتلهم.
وعلى كل عراقي شريف أن يقف مع هذا القانون لأنه الفأس التي ستحطم أحلام الحاقدين والفاسدين من سياسي الداخل وأوليائهم في الخارج ، ولابد أن نقف بوجه هذا الزواج اللا شرعي ما بين القانونيين لأنه زواج شاذ وخارج نطاق المنطق بل هو زواج أراد به البعض مصاهرة الحق بالباطل.
إن قانون البنى التحتية قانون شرعي ولا يمكن ربطه بقانون محرف وغير شرعي ولا يمكن أن نضع القانونيين في خانة واحدة لان الشاعر يقول ( لا تربط الجرباء قرب الصحيحة خوفا على الصحيحة أن تجربا) .