صفحة الكاتب : شاكر فريد حسن

في ذكرى رحيل الاديب الفلسطيني نواف عبد حسن
شاكر فريد حسن

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

نواف عبد حسن شاعر وكاتب وناقد واديب ومثقف موسوعي فلسطيني ، وعلم من اعلام الكلمة الفلسطينية الحرة النظيفة .ولد سنة 1943في قرية مصمص بالمثلث الشمالي ، عاش يتيم الاب ، ونشأ وترعرع في كنف عائلته . تعلم في المدرسة الابتدائية وانهى الصف الثامن ، ثم تثقف على نفسه وراح يلتهم كتب الادب والشعر والتاريخ والتراث العربي والانساني، ويرتشف رحيق الفكر والثقافة من منابعها الاصيلة   ، واعتبر من اكثر الناس ادماناً واهتماماً وشغفاً بالقراءة والكتاب . وكان من اوائل زوار معارض الكتب في الداخل والدول العربية المجاورة كمصر والاردن وقطاع غزة .

اشتغل في بدايات شبابه بمعمل للطوب في تل ابيب ، ثم عمل موظفاً في مكتب العمل بباقة الغربية ، بعدها تعلم  مهنة البلاط وعمل فيها ردحاً من الزمن ، ثم عمل في جمعية احياء التراث العربي في الطيبة الى جانب المناضل الفلسطيني الراحل صالح برانسي ، واوكات اليه مهمة تحرير مجلة "كنعان" التي اصدرتها الجمعية ، وعندما اغلقت ابواب المركز عاد للعمل في مهنة البلاط حتى آخر ايام حياته.

كان صافي الفكر والممارسة ، عرف الوضوح والالتزام ، ولم يتخل يوماً عن ايمانه الراسخ بدور الثقافة وحاجة المجتمعات اليها ، فالثقافة عنده اداة تغيير وتنوير ، رسالة وقضية والتزاماً، ومرادفة للحرية والوعي والتضحية والوفاء والعطاء، ويشهد له القاصي والداني بالنظافة والنزاهة والالتزام الوطني والقومي.

كتب الشعر والمقالة  الادبية والنقدية ،وترجم الكثير من الاعمال الادبية العالمية الى العربية ، منها مسرحية "عرس الدم " للوركا ، ومسرحية "في انتظار غودو" لصموئيل بيكيت .

نشر اشعاره ومقالاته وكتاباته في الصحف والمجلات الادبية والملاحق الثقافية ، منها "الانباء" و"الشرق" و"البيادر الادبي" و"مشاوير" و"الكلمة الحرة" و"كل العرب" ، لكنه لم يجمع كتاباته ولم يصدر كتباً .

كان يكتب افتتاحيات مجلة كنعان ، بلغة السياسة والادب، وكتب مقدمات للعديد من الكتب الصادرة عن مركز احياء التراث العربي، وقام باعداد وتقديم كتاب "خليل السكاكيني بين الوفاء والذكرى" والاعمال الشعرية الكاملة للشاعر الفلسطيني الراحل راشد حسين ، وكتاب "رسالة في الرفض " للشاعر والمفكر احمد حسين.

قدم اسهامات جلى للثقافة الفلسطينية المعاصرة، وشارك في الكثير من الندوات والحلقات والمساجلات الادبية والثقافية ، وجمعته علاقات وصداقات مع الكثير من الادباء والكتاب من العالم العربي ،وكان عضواً في جمعية "الصوت" التي اقيمت في الناصرة لنشر الوعي الفلسطيني ، بمشاركة لفيف من الادباء والكتاب والمثقفين الوطنيين والديمقراطيين الفلسطينيين ، وعضواً في جمعية "احياء تراث راشد حسين " التي كان يرأسها المحامي علي رافع .

على الصعيد الوطني الفلسطيني حمل نواف على كتفيه هموم وآلام شعبه ، وانشغل بقضايا الفكر القومي الناصري ، متمسكاً بالهوية الكنعانية ، مؤمناً بالوحدة العربية ، متحرراً من التيارات والتنظيمات السياسية واتحادات وروابط الكتاب والادباء في الداخل ، ما جعله حاضراً بقوة لدى جميع الاوساط الثقافية والفكرية والسياسية .

كتب نواف الشعر في كثير من الموضوعات والاغراض الشعرية ، وامتاز شعره بلغة ثورية معمقة اكتسبها من ثقافات متنوعة ، وكانت المعاناة التي عاشها على المستوى الشخصي اثر كبير في تشكل شخصيته الشعرية وبلورة ابداعه . وقد تميزت قصائده  بالتوهج العاطفي، والشعور بالغربة والقلق والضياع ، واتسمت بجزالة المعنى ومتانة التركيب ، ورقة العبارة ، وسمو الفكر، والخيال مترامي النظر .

ومن قصائده   نقتطف هذا الابيات من قصيدة "بين خطوتين" :

يتلاقح فيّ الموت، وجرح الشوق، وغيم التذكارات

تنهل بقايا الوجد ، وعمر الوجع الآتي، وخاصرة الشرق

تموج بعقدة خصي الذات.

ساءلني المقهى:

عصر العهر على الابواب؟

تلقفني الصمت .. تلاشت في شفتي الكلمات اقفلت القلب

تكالبت اللقمة والدجال ووجوه مثلومة باللاءات

         *   *   *

رفعني الخوف على عتبات الشيخوخة

ينمو مع زغب العينيين ، مع الشيب الطفلي

ويتولاك الصمت مع الصوت تهتف باللتنة

يتحداك النفس الشائه من بين اصابع نشرة اخبار

وسحاق الارض مع الاموات على ارصفة الفقراء

ما زلت كما اعرف ، في الغرف الضيقة المأمونة

استلقي كحبال الكرمة

في شوق امراة تزني، تلد الاطفال لكل المهزومين لعصر آت.

 

وكتب نواف ايضاً في النقد الادبي ، وكان في نقده حاداً ولاذعاً ، لم يحابي ولم ينافق ، وكان يكتب ما يؤمن به ويحس فيه ازاء العمل الابداعي المنقود ، ومن كتاباته النقدية ما جاء في تقديمه لاعمال الشععر الفلسطيني الراحل راشد حسين ، حيث قال:" تبرز في قصائد الشاعر بوفرة ، مفردات تدل على هول السبي الفلسطيني، من قبل الغزو الصهيوني الاستيطاني على مجتمع مستقر ، فحوله الى شعب تكتظ به الصحراء مشرداً بين الخيام وبين المنافي. والتقت سكين الابادة الى الجسد الذي ظل من علامات الماضي، بحيث ادخلت تجربة الفقد الى كل بيت وصارت الارض مزرعة للعويل . هذا السبي الذي ولدته النكبة ، والتي ما زلنا نتنفس مناخها حتى اليوم ، وهي في الواقع والتجربة التي عاشها الشاعر وعبّر عنها في عديد من قصائد هذا الديوان ،"ازهار من جهنم ، و"الخيمة الصفراء"، و"الى ابن عمي في الاردن" ، و"انة لاجئ" وغيرها.

وعن التحدي في ديوان "زمن الخوف"  للشاعر الفلسطيني احمد حسين ، الذي تناوله بالتحليل العميق ، يقول نواف :" لعلها المصادفة ان تاتي النغمة الولى في صورة الحضور الواعي والادراك الواضح للمأساة ، ومن ثم الانطلاق في تحديد هذا الوعي صافياً من البله والغباء، معرياً وكاسراً لمرايا الكفاح المزيف ، والنضال المقنن... الذي جعل من القضية التي يستشهد الشجعان من اجلها مهرجاناً على لسان كل من جمجم ببعض الكلمات عن الوفاء والتضحية ، فهنا تكون المواجهة مع هذا الجو الموبوء امراً محتوماً ... وهل هناك ابشع من هذا في وقت يصل فيه الزنا الحضاري، والعهر السياسي الى حد تصفية شعب فلسطين وطنياً وجسدياً ؟!.. وفي كل بقاع الارض ؟ حتى صار الطفل الفلسطيني "يحلم بالا يقتل" ، والمراة الفلسطينية "حبلى بالدبابات" ، عندها تكون مهمة الشاعر الموهوب ، ان يتجسد رمزاً لهذا الشعب، يكشف بالرؤى النبوئية معسكرات الليل المرعبة ، وبالصوت الثائر والكافر بكل القيم والمثل الحضارية والسياسية ، و"بعواء الذئاب" في الكتب المقدسة ، وجميع الادعاءات البطولية ما عدا معانقة المعشوقة (الارض) في الزمان ، وفي المكان (تاريخياً وجغرافياً).

وفي معرض تقديمه لكتاب "رسالة في الرفض" للشاعر المفكر احمد حسين يكتب قائلاً:" موهبة كتابية وتحليلية تحدق في ورطتنا التاريخية بدون تحرج ، أو تمويه على النفس، وبدون مساومة على ما تعتقد أنه الحق. هذا الحق هو ، هويتنا الثقافية والوطنية والقومية . فنحن اليوم في مأزق حضاري يستدعي تشبثاً بالمعنى والهوية ، مقابل الآخر المتفوق بالقوة ، وهو عاجز عن تحقيق هويته ومعناه،  مع وجودنا ومعنانا. وهويتنا التي نعني ، هي الكنعانية العربية، الضاربة بجذورها آلافاً من السنين ، وعبر أزمنة غابرة ، وعملية وصلنا بهذه الجذور ، هو اعتزاز بالأصالة التي تحفظ لنا التماسك النفسي والوجداني، مع ضمان عدم التفريط بالذاكرة التاريخية . غير ان لب المأزق ، هو انفصام الشخصية العربية ، وعدم قدرتها تجاوز نموذجها ووجدانها الهجري أمام التحدي الحضاري ،"لأن المشروع الهجري دعم بالنص ، توراتية هذه البلد وعمل على تعميقها وجدانياً، وتبنّى كل دعاوى الأسطورة المناهضة للتاريخ العربي الكنعاني الخالص لها".

وفي يوم الثلاثاء الموافق 22 / 9/ 2003 توفي نواف اثر نزيف دماغي حاد ، وبعد غيبوبة عميقة لعشرة ايام في المستشفى، ووري جثمانه التراب في مسقط راسه ، بمشاركة اهل بلده والقرى المجاورة واصدقاءه من  الكتاب والشعراء ، وابّنه عدد منهم .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شاكر فريد حسن
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/09/25



كتابة تعليق لموضوع : في ذكرى رحيل الاديب الفلسطيني نواف عبد حسن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net