صفحة الكاتب : علي جابر الفتلاوي

قراءة في قصيدة ( سهم الهوى ) للشاعرة احسان السباعي
علي جابر الفتلاوي
 لم تخدمني الفرص لألتقي مع الشاعرة المبدعة احسان السباعي في شعرها ، هذا هو اللقاء الاول لي مع واحدة من قصائدها ( سهم الهوى ) ، قرأت القصيدة مرتين او ثلاث، واعجبت كثيرا بالقصيدة وبصورها الشعرية ، ظهر لي من خلال قصيدة ( سهم الهوى ) ان الشاعرة المبدعة احسان السباعي ، موهوبة وذات قدرة عالية في رسم الصور الشعرية ، هناك رمزية في القصيدة لكنها محدودة ، القصيدة ملأى بالمشاعر الحقيقة الصادقة التي تتدفق على لسان امرأة عاشقة ، لدرجة الوله ، كثيرا مانسمع عن قصص العشق الوجداني والحب الصوفي ، وأغلب العاشقين من الرجال ، فهم الاكثر جرأة في كشف اوارق الحب والعشق ، ولا اقول هذا من باب الانتصار للرجل على المرأة ، بل نذكر حكم التقاليد والعادات ، لكن عاشقة ( سهم الهوى ) هي الاكثر جرأة من معشوقها في التعبير عن مشاعرها .
( سهم الهوى ) قصيدة تكشف فيها العاشقة عن اوراق حبها ، وتتكلم عن مشاعرها بصدق ووفاء واخلاص ، هذه حالة نادرة الوقوع في المجتمع ، مفردات القصيدة مع بعضها ترسم لنا لوحات فنية معبرة وجميلة ، تشعر وكأنك تعيش مع مشاعر هذه المرأة العاشقة ، التي عبرت عن نفسها بجرأة وعفوية ، مقدرة الشاعرة تبرز في سبر اغوار نفسية هذه المرأة العاشقة ، والدخول في اعماقها ، السؤال الذي يتبادر الى الذهن  لو انّ رجلا شاعرا اراد الدخول الى نفسية هذه العاشقة ، فهل سينجح مثل ما نجحت الشاعرة احسان السباعي في كشف مكنون هذه العاشقة ؟
 لم نعتد انْ نرى امرأة عاشقة تتكلم بهذه الجرأة ، لكننا التقينا بكثير من الرجال العاشقين الذين يفصحون عن عشقهم ، حسب تقديري هذه حالة انفردت بها الشاعرة واظهرت قدرتها العالية في كشف هذا النموذج في المجتمع النسوي الذي يكون عادة منغلقا كاتما للاسرار في كثير من الاحوال ، استطاعت الشاعرة بموهبتها ان تنقل لنا احاسيس ومشاعر هذه المرأة العاشقة بدقة متناهية ، فأنت عندما تقرأ القصيدة تشعر ان الشاعرة تمتلك وسيلة من وسائل الكشف النفسي .
احاسيس هذه المرأة العاشقة تبدأ بطلب صريح من عشيقها ، بأن يرمي سهم الحب عليها،  الذي ( بالاريج عبقا ) اجد هنا عبارة ترمز بها عن عشقها الذي بات معروفا وقد فاحت رائحته الطيبة وعرف به الناس ، اذن لا داعي للتستر او الخوف او التردد ، تصف عشيقها بأنه ( همس ) والهمس هو الصوت الخفي ، كأن معشوقها متردد او خائف ، وهي التي تدفعه ليلقي بسهامه عليها ، هي اكثر جرأة منه ، انها في كل الاحوال لا تذم عشيقها ، بل تعتبر ذلك من الايجابيات ( ونعم الهمس ان وجلا ) ، الصوت الخافت المرتعش من الخوف تعتبره العاشقة من جماليات الحبيب ، فهي تنظر اليه بعين الرضا  (وعين الرضا عن كل عيب كليلة ) ،  ثم قدمت له طلبا اخر بأن ينزل بجوارحها ليحرك عواطفها ، لوجود علاقة جدلية بين الجوارح والعواطف :
ارمي سهم الهوى يامن بالاريج عبقا
فأنت همس ونعم الهمس ان وجلا
انزل بجوارحي عطفا انعم به
وافعل كما الماء بالعطشان فعلا
القصيدة تفصح عن الامكانية اللغوية العالية للشاعرة احسان ، وتكشف قدرة الشاعرة على رسم صور جميلة من خلال هذه الامكانية اللغوية المتميزة ، هناك علاقة بين العاشق والمعشوق اشبه بعلاقة العطشان بالماء ، فهل يستطيع العطشان ( العاشقة ) ان يتخلى عن الماء ( العاشق ) ، صورة شعرية رائعة ، تسر من يتخيلها ، رسمت الشاعرة لوحات فنية رائعة تجلب السرور الى النفس .
العاشقة تحب محبوبها في كل الاحوال ، تحبه وهي على قيد الحياة ، وتحبه وهي خارجها ، اكثر الاعراض التي تصيب العاشق عرض الشوق ، العاشق دائما هائم بشوقه يتوق النظر واللقاء  بمحبوبه :
انت الشوق لقلبي والعطرا
انفاسي ان توقفت او ازدادت اجلا
(انفاسي ان توقفت ) كناية عن الموت ، ( او ازدادت اجلا ) كناية عن الحياة ، هذه العاشقة تخاطب عشيقها وتقول له ( انت الشوق لقلبي ) ، حبه حلّ في نفسها ، اذن هو مع النفس ، حية او ميتة ، انها تفتخر بحبها لمعشوقها ، وهي معلنة لهذا العشق الى الملأ وتعتبر حبيبها كامل الاوصاف ، مكتمل الخلق ، والسؤال الاخلاق الكريمة او غير الكريمة هل مصدرها العقل ام القلب ( الجنان ) ؟ ارى في هذه الابيات مسحة من التصوف ، والقصيدة على العموم ، فيها نغمات صوفية تهز المشاعر :
فحبكم تاج على رأسي تألقا
وجنانكم بالخلق الكريم اكتملا
فأن ذهبتم فأنا راجعة
فللعاشق يعود المحب ان رحلا
الحب عندما يصل الى مرحلة العشق ، تزول الاتيكيتات الاجتماعية ، ويصبح العاشقان اشبه بجناحي طائر مغرد ، كلا الجناحين في خدمة الطائر ، لا يمكن الاستغناء عن جناح، فقدان احد الجناحين انتهاء الحياة لهذا الطائر ، كلا الجناحين احدهما يكمل الاخر، علاقة طبيعية لا يمكن ان تزول ، كذا العشق ، اقصد العشق الروحي ، جناحاه العاشق والمعشوق ، احدهما للاخر محب وانيس ونصير ، ان مات احدهما مات الاخر .
 احيانا العشق يذهب بالعقول ، ليس عشق الانسان للانسان فحسب ، بل عشق المخلوق للخالق ، عشق اهل العرفان ، واهل التصوف ، العاشق احيانا يتكلم بلسان المعشوق ، لذا يأتي كلامه خارج المألوف ، ويبدو للناظر الطبيعي غريبا ، وربما يعتبر كلام العاشق شاذا ، واحيانا يتكلم بلسان العشق ، وقد يبدو كلامه غريبا ايضا ، لا يفهم لغة العاشقين الا العاشقين ، لسان العشق تفيض منه العواطف والمفردات فيضا ، لتشكل لوحة العاشق الفنية ، فلكل عاشق لوحته ، وجماليتها تتحدد وفق درجة العشق ، في قصيدة ( سهم الهوى ) توجد عاشقة ، وصل عشقها لمراحل متقدمة ، لدرجة انها لا تشعر بأي خطأ من معشوقها ، فكل ما يفعله المعشوق هو جميل عند العاشقة ، حتى وهو في حالة الغضب ، اذ يخرج الانسان عن حالته الطبيعية المألوفة  ، فالسماحة عهده :
وان غضبت فأن السماحة عهدك
ففي طبعك يلين الوجع ان فعلا
في البيتين السابقين خطاب مباشر من العاشق للمعشوق ، انه لأمرعجيب ، حتى الألم   الذي يسببه المعشوق لا يشعر به العاشق ، ألألم حلاوة للعاشق، بل أي حركة من المعشوق او اشارة ، تتحول الى دواء شاف للعاشق :
وان تألمت وأسى الهوى لسعني
ففي بسمتك توارى وارتحلا  
اخيرا دعوة العاشقة للمعشوق ان يدخل اعماقها ، تعبير عن خوف العاشقة على معشوقها لن تأمن العاشقة على معشوقها الا بعد ان يسكن اعماقها ويتملك أي شئ منها ، لا ممنوع امامه ، لأن المعشوق هو السكن والبنيان وما حمل ، وهو النور اذا ما توارت الشمس أي اختفت ، وهذا مؤشر على ان العاشقة وصلت الى مرحلة متقدمة في سلم العشق ، وهي مرحلة ذوبان العاشق مع المعشوق ، والتماهي معه ، هذه هي الصوفية ، التماهي والذوبان ، درجة من درجات العرفان :
اسكن اعماقي وتملكه ارضا
فأنت السكن والبنيان وما حملا
وان توارت الشمس في العلياء
فأنت نور اذا ما النور افلا
ارى ان صورة الحب التي رسمتها الشاعرة المبدعة ، احسان السباعي ، هي درجة من درجات العشق والذوبان ، التي لا يرقى اليها أي محب ، القصيدة صورة من صور الحب الصوفي ، الذي يكون فيه العقل محنطاً ، ويتكلم القلب الذي تمتلكه العواطف ، لهذا السبب ارجعت الشاعرة الخلق الكريم عند المعشوق ، الذي جاء على لسان العاشقة  ارجعته الى الجنان وليس الى العقل ، لأن العقل في الحب الصوفي يكون اسير القلب ، العاشق لايحس بما يحيط به ، ولا يراعي الاعراف ، انما يتوحد العاشق مع المعشوق في اتجاه واحد ، بغض النظر عن الاعراف والتقاليد السائدة .
واخيرا اقول اني متلقي وهذه هي قراءتي  لقصيدة ( سهم الهوى ) ، وليس بالضرورة ان التقي في القراءة مع ما تعني وتريد الشاعرة ، او مع مايدور في خلدها ، النص الجيد مجرد خروجه من مبدعه يصبح ملكا للمتلقي ، عليه اقدم اعتذاري الى الشاعرة المبدعة ان خرجت في قراءتي عن الطريق الصحيح ، مع احترامي وتقديري للشاعرة ، احسان السباعي ، على امل ان التقي معها في نصوص اخرى . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي جابر الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/21



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في قصيدة ( سهم الهوى ) للشاعرة احسان السباعي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net