أطباءنا وصيادلتنا يعضون على فلسانهم بنواجذهم
د . عصام التميمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عصام التميمي

لا ادري لماذا تذكرت احداث ذلك الفلم الذي لم اعد اذكر اسمه الآن والذي شاهدته في اسبوع الفلم السوفياتي المقام في بغداد في السبعينيات من القرن الماضي. تدور احداث الفلم عن شيخ طاعن في السن وحفيده اللذين يبحثان عن شجيره نادره لجلبها من منطقه نائيه لزراعتها في قريتهم التي اوشكت على الانقراض فيها . وبعد رحلة عناء مريره لاسابيع يعودان بالشجيرات التي يمننون النفس بزراعتها ، على امل ان ياكلوا من ثمراتها بعد خمس عشر عام.
في طريق العوده من الرحله الشاقه ، وفي طريق جبلي شديد الانحدار ، هناك سيارة حمل كبيره توشك ان تهوي في الوادي لولا الحاح السائق المرير بالضغط على دواسه الوقود وجعل العجلات تدور وتدور في محلها مانعة السياره من ان تهوي وباقية تراوح في مكانها في بقعه انزلاقيه . وبعد المحاولات المتعدده لجعل العجله تخرج من مغرزها ، وفشل جميع المحاولات من رمي التراب تحت العجلات او الحجر او ما توفر من مواد ، لم يبق سوى استخدام تلك الشجيرات الغاليات والتي تم الحصول عليها بشق الانفس ، ورميها تحت عجلات السياره عسى ان تنقذ الموقف وتنقذ حياة السائق الذي سوف يهوي مع السياره حتما.
ان مشهد تكسر اعواد الشجيرات واصوات طقطقتها تحت العجلات المنزلقه في غرزها هو واحد من اكثر المشاهد اثارةً ، لقد كان الشيخ العجوز يضحي بالايام والليالي الشاقه التي كابدها في الحصول على الشجيرات ، وبحلم العوده الى القريه منتصراً حاملا تلك الشجيرات . لكن مشهد صعود العجله على الطريق الاسفلتي بعد رمي اخر حزمه من الشجيرات تحت العجلات وتكسرها وتحطم آمال زراعتها معها ، واندفاع السائق على عجل حتى دون ان يلقي بكلمة شكر الى من ساعدوه ، كان مشهد اكثر تأثيرا وذو دلاله.
وبغض النظر عن كافة الدلالات التي تضمنها الفلم ، الا ان الدلاله الاهم هي ان كل ما هو منقذ للحياه ، هو ليس ذا قيمه مقارنة مع حياة الانسان نفسها ، حياة اي انسان، حتى ذلك الجلف الذي لا يستطيع ان يعبر بكلمة شكر الى من ساعدوه وانقذوا حياته. لا ادري لماذا تذكرت احداث ذلك الفلم ، وانا استمع الى النداء العاجل الذي يكرره احد الراديوهات المحليه ، بأن هناك مريض في حاله حرجه ، ويطلب من اصحاب النخوه والمرؤه بالتبرع بالمبالغ النقديه لانقاذ حياة هذا المريض ، كي يتمكن من اجراء عمليه جراحيه عاجله. اهلنا اهل كرم واهل شجاعه ، لان الكرم من صفات الشجعان ، والبخل من صفات الجبناء. وقد لاحظت ان اكثر الشجعان من النساء. ربما لان المرأه اآثر احساسا بقيمة الحياة وقيمة الحفاظ عليها ، لانها هي من تحمل وهي من تضع وهي من ترضع وهي من تسهر وترعى وهي من تربي وتطعم ، هي من تحس بالجائع و هي من تشعر بالمحتاج الى كسوه........... اهلنا الشجعان قد هبوا رجالا ونساء في مساعدة وانقاذ حياة المريض بالتبرع بالمال ليتمكن من اجراء العمليه. وقد كان ذلك مدعاة لسرورنا كثيرا ، سرور من تبرع وشعر بانه ساهم في انقاذ حياة مريض ، سرور من تعاطف معه ولم يكن يملك سوى الدعاء له بالشفاء.
ولكن ... وآه من كلمة ... لكن..... قد شعرنا جميعا بأن اطباءنا .... كانوا جبناء....
وخاصة من كان يملك المساعده ولم يهب وان مدراء المستشفيات .... كانوا جبناء وان الصيادله كانوا جبناء ..... مع الاسف الاطباء والصيادله الذين سمعوا النداء لم يتمكن احد منهم رفع سماعة الهاتف على الاذاعة المحليه والتبرع بجهده في اجراء العمليه او التبرع بالادويه الضروريه. ان كل من كان يمكن ان يساعد في لحظه منقذه للحياة ومنعه بخله ، قد كان جبانا..او بالحقيقه اجبن الجبناء ..... لانه عض على فلسه بنواجذه ....وجبن حتى ان يتبرع بجهده ، حتى ولو لمره واحده كل حين وعندما تكون هناك ضروره قصوى لان الكرم شجاعه.
أن الكرم لشجاعه.
رحم الله شاعرنا الكبير حينما قال :
أفي الغنم أشجع من قسور وفي الغرم أجبن من صافري
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat