أسئلة محظورة في المسائل العلمية (1)
الشيخ د. احمد خضير كاظم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ د. احمد خضير كاظم

في عصرنا الحديث، حيث يشهد العلم تقدمًا مذهلاً واكتشافات مذهلة، لا يزال السؤال الأزلي يتردد بصدى قوي: هل يمكن للعلم أن يثبت وجود الله؟ هذا السؤال الذي يجمع بين الفلسفة والعلم يثير تساؤلات عميقة حول حدود المعرفة البشرية ودور الإيمان في تفسير الكون. فالعلم، كمنهج يعتمد على التجربة والملاحظة لفهم الظواهر الطبيعية، يتعامل مع المادة كأداة أساسية. لكن هل يمكن أن يكون هناك ما هو أبعد من المادة؟ وهل يمكن للعلم والإيمان أن يلتقيا عند نقطة مشتركة لفهم نشأة الكون؟
حدود العلم
على الرغم من النجاحات الهائلة التي حققها العلم في تفسير الكون، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة عند التعامل مع الأسئلة الكبرى مثل "من أين جاء الكون؟". النظرية الأكثر شيوعًا لتفسير نشأة الكون هي نظرية الانفجار الكبير (Big Bang)، التي تفترض أن الكون بدأ من نقطة متناهية الصغر تُعرف بـ"التفرد الكوني" (Singularity). هذه النقطة، التي تميزت بكثافة وحرارة لا نهائيتين، تشكل تحديًا كبيرًا للعلم، لأنها تتجاوز حدود الملاحظة والتجربة.
العلم، الذي يعتمد على أدوات مادية لقياس وتفسير الظواهر، يعترف بمحدوديته عند هذه النقطة. التفرد الكوني ليس شيئًا يمكن قياسه أو اختباره باستخدام الأساليب العلمية الحالية. وبالتالي، فإن العلم يقف عند حدود معينة، ويضطر إلى الاعتماد على افتراضات لا يمكن إثباتها تجريبيًا. هذه الافتراضات، رغم أنها جزء من المنهج العلمي، تفتح الباب أمام تساؤلات حول ما إذا كان هناك شيء أعمق وأكبر من المادة يتحكم في الكون.
على الجانب الآخر، يأتي الإيمان ليقدم تفسيرًا مختلفًا تمامًا. الإيمان لا يقتصر على الملاحظة المادية، بل يتجاوزها ليشمل ما هو غير مرئي وغير محسوس. في الأديان السماوية، الإيمان هو الوسيلة التي يتمكن بها الإنسان من التواصل مع القوة العليا التي تتجاوز القوانين الطبيعية. الله، أو القوة الخالقة، يُعتبر في الإيمان كمصدر أول لا يخضع للزمان أو المكان، وهو المسؤول عن خلق الكون وتنظيمه.
الإيمان يعتمد على الخبرة الروحية والعلاقة الشخصية مع الوجود الأعلى، وهي أمور لا يمكن اختبارها أو قياسها بالأساليب العلمية. ومع ذلك، فإن الإيمان يقدم إجابات لأسئلة غامضة مثل "ما الغاية من وجود الكون؟" و"ما هو المعنى الأسمى للحياة؟". هذه الأسئلة تتجاوز نطاق العلم، لكنها تظل جزءًا أساسيًا من تفكير الإنسان.
نقطة الالتقاء
رغم الاختلاف الواضح بين العلم والإيمان في المنهج والأدوات، إلا أن هناك نقاط تقاطع مهمة بينهما. العلم، في سعيه لتفسير الكون، يعتمد على افتراضات تتجاوز حدود الملاحظة المباشرة، مثل فكرة (نقطة) التفرد الكوني. وبالمثل، الإيمان يعتمد على افتراضات غير مادية، مثل وجود الله أو الروح. في كلا الحالتين، هناك اعتراف ضمني بأن هناك أبعادًا في الكون لا يمكن إدراكها أو فهمها بشكل كامل باستخدام الأدوات المادية فقط.
العلم والإيمان قد يبدو وكأنهما يسيران في مسارات متوازية، لكنهما في الواقع يكملان بعضهما البعض. العلم يقدم تفسيرات مادية دقيقة للظواهر الطبيعية، بينما يقدم الإيمان رؤية شاملة لما هو أبعد من المادة. كلاهما يسعى إلى الإجابة على الأسئلة الكبرى التي تشغل البشرية، مثل "من نحن؟" و"لماذا نحن هنا؟".
خاتمة: نحو تكامل بين العلم والإيمان
في النهاية، يمكن القول إن العلاقة بين العلم والإيمان ليست بالضرورة علاقة تعارض، بل يمكن أن تكون علاقة تكامل. العلم يساعدنا على فهم كيف يعمل الكون، بينما يوجهنا الإيمان نحو الغاية والمعنى. إذا كان العلم يقبل الافتراضات التي تتجاوز حدود المادة، فإن الإيمان يدعونا إلى الاعتراف بوجود قوة أعلى تتحكم في الكون. ومن خلال الجمع بين هذين المنهجين، يمكن للإنسان أن يحقق فهمًا أعمق للكون ولنفسه.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat