حوارية ( 138) لمن أستمع له في السوشل ميديا؟
زاهر حسين العبدالله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زاهر حسين العبدالله

قال تعالى { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّـهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨)}الزمر .
💡مقدمة :
إن الله سبحانه وتعالى وهب لنا نعم جمة وجعلنا تحت مسؤولية كبرى في تقدير هذه النعم واستثمارها بأفضل وجه ونذكر بعض هذه الهبات الربانية منها
العقل واللسان والسمع والبصر والقلب وغيرها من الهبات حتى قال تعالى في مسؤليتها
{ وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦)}الإسراء .
وعليه سنقف معكم أمام عدة قواعد نحافظ من خلالها على هذه المسؤولية :
(١) قاعدة عامة في الاستماع
حاسة السمع من الحواس التي تتلقى المعارف غثها وسمينها حلالها وحرامها فعلينا أن نشكر الله على هذه الحاسة الخاصة بأن نصرفها فيما يرضى الله سبحانه فلا نستمع إلى ما يلوثها من الذنوب مثل الغيبة والغناء والفحش من الكلام أو الاستماع للمنحرفين أخلاقياً وفكرياً وعقدياً وفقهياً وغير ذلك من المعارف. لذا تجد
قوله تعالى {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤)} عبس.
عَنْ زَیْدٍ الشَّحَّامِ عَنْ أَبِیجَعْفَرٍ (علیه السلام) فِی قَوْلِ اللَّـهِ عزّوجلّ: فَلْیَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلی طَعامِهِ قَالَ: قُلْتُ: مَا طَعَامُهُ؟ قَالَ: عِلْمُهُ الَّذِی یَأْخُذُهُ عَمَّنْ یَأْخُذُهُ. (١)
عن علي بن المسيب قال: قلت للرضا عليه السلام: شقتي بعيدة ، ولست أصل إليك في كل وقت، فممن آخذ معالم ديني؟
قال: من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا. (٢)
لو لاحظت أن الآية الكريمة والرواية الشريفة تحثان على أن لا نأخذ من كل ما نسمع إلا ما هو الصحيح والسليم في مختلف العلوم وهذا نوع من شكر المنعم الذي وهب هذه الحاسة المهمة التي لا غنى عنها في الوضع الطبيعي.
٢- قاعدة اختلاف الرأيين من نفس المذهب.
تعددت القنوات والمنصات التي تتكلم باسم المذهب والكل يدعي أنه يخدم محمدا وآل محمد.
سابقاً كان مصدر علوم أهل البيت عليهم السلام محراب المسجد والمنبر الحسيني وغالبا ما يكون في هذين المكانين رجال مأمونين معروفين بالخير والصلاح ولكن مع تقدم الأيام بدت تختل هذه القاعدة لكثرة المتحدثين باسم الدين والمذهب في جميع منصات التواصل الاجتماعي حتى بدأ المستمع يجد التعارض في الحديثين ولا يعرف كيف يميز بينهما بشكل دقيق ولم تقف هذه المشكلة في التعارض اليوم بل كان لها وجود في حياة الأئمة عليهم السلام ، وأهل البيت عليهم السلام وجدوا لها حلاً فمن ضمن الحلول ما روي عن
عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فذروه، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فأعرضوهما على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه.
وفي رواية أخرى
عن محمد بن عبد الله قال: قلت للرضا عليه السلام: كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟ فقال: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فانظروا ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا ما يوافق أخبارهم فدعوه. (٣)
ملخص هذه الآيات والروايات
أن ما تسمعه أذناك لابد أن يمر بمراحل تصفية من أهل الاختصاص المعروفين في الحواضر العلمية من منبع صاف ومن مصدر موثوق وأجلى مصاديقها اليوم هم مراجع التقليد حفظهم الله تعالى الذين عرفت مواقفهم وشهد القاصي والداني بفضلهم ومن جعلوه المراجع هؤلاء وكلاء لهم في مختلف البلدان ليقضوا بين الناس ويقضوا حوائجهم فيما يحتاجونه من أمر دينهم وصلاح آخرتهم .
٣- قاعدة أصناف تلقي العلم في المجتمع.
هناك في المجتمع فئات مختلفة تصدر منهم المعارف والعلوم في ميادين الحياة وسنبدأ بالأهم منها
(أ)من طبقة العلماء من طلاب العلم من السادة والمشايخ
هذه الفئة مهمة كما أشرنا في مقدمة المقال لأن الموضوع متعلق بسلامة دينها وصلاح آخرتها وتجري في حياتها مجرى الهدف الأسمى الذي خلق الإنسان من أجله وبعثت الأنبياء والأوصياء لهدايته ومن بعدهم العلماء الذين حملوا راية تبليغ هدي أهل البيت عليهم السلام
حيث رغّب أهل البيت عليهم السلام الجلوس إليهم والاستفادة منهم ووضعوا لذلك شروطاً لمعرفة الصالح منهم والفاسد لمزيد حرصهم عليهم السلام ولكن الصالح منهم جعلوا له خصوصية في الفضل من تلك الخصوصية ما روي عن
أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال: جلوس ساعة عند العلماء أحب إلى الله من عبادة ألف سنة، والنظر إلى العالم أحب إلى الله من اعتكاف سنة في البيت الحرام، وزيارة العلماء أحب إلى الله تعالى من سبعين طوافا حول البيت وأفضل من سبعين حجة وعمرة مبرورة مقبولة، ورفع الله له سبعين درجة، وأنزل الله عليه الرحمة، وشهدت له الملائكة أن الجنة وجبت له.
انظر لعظمة وفضل الجلوس للعالم الصالح التقي الزاهد الذي شهدت له الحواضر العلمية بالتقوى والورع والبعد عن الدنيا تتجلى هذه الصفات اليوم بمراجع الدين المؤتمنين على الدين والدنيا . ولكي لا يقع المكلف في التيه في معرفة الصالح من الطالح وضعوا معياراً لمعرفة ذلك وشروطاً ذكرها مولانا الكاظم عليه السلام
حيث قال عليه السلام: (لا تجلسوا عند كل عالم إلا عالم يدعوكم من الخمس إلى الخمس:
من الشك إلى اليقين، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن العداوة إلى النصيحة، ومن الرغبة إلى الزهد) (٤) وقد أفردت شرحاً لهذا الحديث وبياناً تحت عنوان :
نظرة مثقف.. هل المرجعية وجودها ضرورة عقلية؟ على قناة التلقرام .
كيف أميزه من العلماء ؟
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا رأيتم العالم محبا لدنياه فاتهموه على دينكم، فإن كل محب لشيء يحوط ما أحب». وقال (صلى الله عليه وآله): «أوحى الله إلى داوود (عليه السلام):
لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي، فإن أولئك قطاع طريق عبادي المريدين، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم)(٥)
٢- طبقة المثقفين
هذه الطبقة كبيرة جداً في منصات السوشل ميديا في مختلف التخصصات ولذا لتمييز الصالح من الفاسد ومفتاح معرفتها هو كلامها وصدق ما ينقلونه كما ورد في الرواية عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام (تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه)(٦)
لذا نحتاج معايير عامة منها
- أن يكون كلامه مستنداً لحقائق علمية بالمصادر المعتمدة من الدراسات التخصصية من المراكز البحثية المعتمدة.
- أن يتكلم بعلم ومعرفة وملم ومتمكن عما يتحدث عنه.
- لا تصدق كل شيء تراه العين في السوشل ميديا فقد كثر التزييف والخداع .
- أن تكون لك القدرة على تمييز الصح من الخطأ كي تعرف عن ماذا يتكلم الذي تستمع إليه.
٣- في الصداقة والأصدقاء
هذه الفئة التي توسعت بشكل هائل في السوشل ميديا حيث تجاوزت المدينة والدولة والأقاليم تحت مسمى تقبلني كصديق من مختلف الجنسيات ولم يترك أهل البيت عليهم السلام اختيار الأصدقاء دون معيار يُعرف من خلاله الصديق الحق من المزيف فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شئ منه، وإلا فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة، فأولها:
أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة،
والثانية:
أن يرى زينك زينه، وشينك شينه، والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال، والرابعة: لا يمنعك شيئا تناله مقدرته، والخامسة - وهي تجمع هذه الخصال -: أن لا يسلمك عند النكبات. (٧)
نكتفي بهذا القدر من الأمثلة وإلا هي كثيرة متنوعة ولكن توقفنا عند أكثر النقاط ابتلاءً في زماننا هذا حسب اطلاعنا القاصر والله الهادي إلى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين.
المصادر
(1) تفسير أهل البيت عليهم السلام ج١٧، ص٣٨٢ - الکافی، ج١.
(2) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٥١.
(3) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٥.
(4) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١ - الصفحة ٢٠٥.
(5) شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٦١.
(6) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٨ - الصفحة ٢٩١
(7) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - الصفحة ١٥٨٩.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat