إيقاف الغاز الإيراني.. اختبار صعب لمنظومة العراق الكهربائية
مع دخول قرار إنهاء الإعفاءات الأمريكية حيز التنفيذ، يواجه العراق تحديًا كبيرًا في تأمين بدائل للغاز الإيراني، الذي يغذي نحو 40% من منظومته الكهربائية.
وبالتزامن مع الشروط التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ودع الغاز الإيراني، اليوم السبت، العراق، وسط ترحيب من وزارة الخارجية الأمريكية وقلق محلي من قبل المختصين ووزارة الكهرباء العراقية.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس في تصريح صحفي إن “الولايات المتحدة تراجع جميع الإعفاءات القائمة من العقوبات التي توفر لإيران أي قدر من الدعم الاقتصادي”، حاثة الحكومة العراقية الى “إنهاء اعتمادها على مصادر الطاقة الإيرانية في أقرب وقت ممكن”.
وسئلت عما إذا كان سيتم تجديد الإعفاء من العقوبات الذي يسمح للعراق بدفع ثمن الكهرباء لإيران أم لا، فقالت “ليس لدينا ما نعلنه فيما يتعلق بالإعفاء الحالي من الكهرباء الذي ينتهي في الثامن من آذار (اليوم)، نراجع جميع الإعفاءات الحالية من العقوبات التي توفر لإيران أي قدر من الدعم الاقتصادي أو المالي”.
وأضافت في أول إفادة لها في عهد الرئيس دونالد ترامب “نحث الحكومة العراقية على إنهاء اعتمادها على مصادر الطاقة الإيرانية في أقرب وقت ممكن، ونرحب بالتزام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة”.
صلاحية الإعفاءات الأخيرة
ومن المقرر أن تنتهي صلاحية الإعفاءات الأخيرة من العقوبات الأميركية التي منحتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن في 7 آذار 2025، أي بعد مرور 120 يومًا على سريانها.
وكانت إدارة ترامب قد أشارت إلى عزمها على عدم توقيع الإعفاءات مرة أخرى وفق ما ورد في المذكرة الرئاسية للأمن القومي في 4 شباط 2025، والتي تستهدف إعادة فرض أقصى درجات الضغط.
إلى ذلك، اكد المتحدث باسم وزارة الكهرباء احمد موسى في تصريح، إن “الولايات المتحدة كانت تمنح العراق اعفاءات لانها كانت تستعلم مدى جدية العراق بتأهيل حقول الغاز الوطنية واعتماد الغاز الوطني والشروع بانشاء محطات الطاقات المتجددة والشمسية ومحطات تدوير النفايات”،
مبينا ان “واشنطن كانت تراقب مشروعات العراق في تقليل الاعتماد على الغاز والوقود الاحفوري وعلى هذا الاساس كانت تمنح الإعفاءات”.
حقول الغاز الوطنية
وذكر ان “الاعفاء الممنوح لمدة اربعة اشهر وينتهي اليوم”، مشيرا الى ان “هناك جهود حكومية للحصول على اعفاء اخر ريثما تكتمل حقول الغاز الوطنية”.
واكد ان “الحكومة العراقية ووزارتي الكهرباء والنفط كانت تعمل بمعزل عن الحصول على اعفاء او غيرها منذ اليوم الاول على استغلال الغاز الوطني لتاهيل حقول الغاز الوطنية وايقاف حرق الغاز المصاحب”،
لافتا الى ان “وزارة الكهرباء كانت تعمل على تنويع مصادر الغاز وهذا ما حققته من اتفاقية وقعت فعليا مع تركمانستان لاستيراد 20 مليون متر مكعب من الغاز يوميا”.
واعرب موسى عن امله “اكمال الاجراءات المتعلقة بهذه الاتفاقية لكي تدخل حيز التنفيذ”، موضحا ان “الوزارة ماضية بتنويع مصادر الطاقة بواسطة مشاريع الدورة المركبة التي تنتج الطاقة بواقع 4000 ميغاواط لا تعتمد على الوقود والغاز وايضا مشروعات الطاقات الشمسية التي لا تعتمد على الوقود والغاز ومشاريع تدوير النفايات التي لا تحتاج الى الوقود والغاز ومشروعات الربط الكهربائي التي تحتاج الى الوقود والغاز”.
الفرص الاستثمارية
وبين ان “الفرص الاستثمارية التي تحاول الوزارة ان تنشئ بموجبها المحطات البخارية بواقع 15000 ميغاواط تعمل على الوقود المحلي اي ان الوزارة منذ وقت ليس بالقصير وهي تعمل على تقليل الاعتماد على الوقود المستورد وتعمل على تنويع مصادر الغاز ومصادر الطاقة”، لافتا الى انه “في حال توقف الغاز المستورد، هناك جزء من المحطات سيتاثر هذا التاثر مع ذروة الاحمال الصيفية وسيكون واضحا”.
واكد ان “الحكومة العراقية عملت على تنسيق عالي تمثل بقرارات لوزارة النفط باستيراد 600 مقمق من الغاز بواسطة نصب منصات الغاز المسال العائمة في مواني العراق، وهذا جاري العمل عليه ومن المفترض انها تكون مؤقتة وان تنتهي اعمالها قبل الصيف المقبل وهذا سوف يسد جزءا كبيرا اذا توقف الاستيراد”،
مبينا “اننا نعتمد على الغاز المستورد الان بتوليد من 8000 الى 9000 ميغاواط وفي حال توقفها سوف نتأثر لكن هناك أبدال”.
وبين انه “لغاية الآن لم تتلق الوزارة أي اشعار رسمي بوقف التعامل مع استيراد الغاز”، موضحا ان “الوزارة تأمل اكمال الاجراءات المتعلقة بتدقيق الشركة التي تقوم بدور الوساطة بنقل الغاز من تركمانستان الى العراق”.
نصب منصات الغاز المسال
وبين ان “وزارة النفط هي المعنية باستيراد الغاز وحصلت على موافقة حكومية باستيراد 600 مقمق من الغاز من طريق نصب منصات الغاز المسال في مواني العراق“.
موضحا ان “الكهرباء تعمل على تفعيل مبادرة البنك المركزي بواسطة تحويل المباني الحكومية الى منظومات الطاقة الشمسية واطلاق قروض صغيرة جدا للمواطنين من اجل شراء منظومات الطاقة الشمسية”.
وذكر ان “543 مبنى حكومي سيتم تحويله الى منظومات للطاقة الشمسية”.
يذكر ان الحكومات المتعاقبة في العراق صرفت على المنظومة الكهربائية منذ 2006 ولغاية 31 من كانون الأول ديسمبر 2024، نحو 98 مليار دولار والعراق بلا كهرباء.
من جهة أخرى، أكد مستشار رئيس الوزراء لشؤون الكهرباء، عادل عبد الكريم، اليوم السبت، أن العراق بلا حياة من دون الغاز الإيراني، إذ أنه ينتج نحو 8 آلاف ميغاواط من الكهرباء من استيراده الغاز.
تأثير سلبي على إنتاج الكهرباء
وقال عبد الكريم في تصريح متلفز إن “انتهاء رخصة استيراد الغاز الإيراني إلى العراق “سيكون له تأثير سلبي على إنتاج الكهرباء، لكننا نأمل بتجديد الرخصة”.
وأضاف: “من الضروري تمديد الترخيص لمدة عام آخر في الأقل، واعتباراً من عام 2027 سيكون العراق قادراً على استيراد كميات أقل من الغاز ويصبح أكثر اعتماداً على نفسه”.
وتابع عبد الكريم، أن “الغاز الإيراني رخيص بالنسبة للعراق وهو يشتري الغاز من دول كثيرة، لكن حل مشكلة الكهرباء سيستغرق وقتاً”.
ويعتمد العراق على الغاز الإيراني لتشغيل نحو 40% من منظومته الكهربائية، ما يعني أن أي تقليص أو قطع لهذه الإمدادات قد يؤدي إلى تفاقم انقطاعات الكهرباء خلال الصيف.
وخلال الأشهر الماضية، فقد العراق أكثر من 5500 ميغاواط نتيجة توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل، فيما لم تتمكن الحكومة من تعويض هذا النقص، ما أدّى إلى انخفاض ساعات التغذية في معظم مدن البلاد.
مواصلة اعفاء العراق
ودعا رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، مؤخرا، ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بمواصلة اعفاء العراق في استيراد الغاز الإيراني بعد قرار إلغائه، مبينا أن الإدارة (الأمريكية) السابقة كانت تعطينا استثناءً من هذه العقوبات.
وأضاف أن “العراق لديه رؤية واضحة في سنة 2028 سينتهي استيراد الغاز، وسيكون هناك استقلال للطاقة بشكل واضح”، مؤكدا أنه “بالمحصلة نحتاج إلى استمرار هذا الاستثناء طيلة هذه الفترة”.
وأعلن ترامب، في 5 شباط فبراير الماضي، خلال توقيعه مذكرة رئاسية لإعادة فرض سياسة العقوبات الصارمة ضد طهران، على غرار ما حدث خلال ولايته الأولى، أنه يعتزم استئناف سياسة “الضغوط القصوى” على إيران بسبب مزاعمها تطوير أسلحة نووية.
وتضمنت المذكرة، إلغاء ترامب، الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، كما شددت على “اتخاذ خطوات فورية بالتنسيق مع وزير الخزانة والوكالات المعنية لضمان عدم استخدام النظام المالي العراقي من قبل إيران للتحايل على العقوبات”.
وأكدت على “منع استخدام دول الخليج كنقاط شحن لتجاوز العقوبات”.
وأشارت المذكرة إلى “ضرورة مراجعة أي تراخيص أو إرشادات تمنح إيران أو وكلائها أي تخفيف اقتصادي أو مالي، بهدف تعديلها أو إلغائها، بما في ذلك الإعفاءات المتعلقة بمشروع ميناء تشابهار الإيراني”.
فجوة تصل من 7- 8 آلاف ميغاواط
وأكد خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، أن “انقطاع الغاز من إيران إذا ما تم بشكل كامل سيخلق فجوة تصل من 7- 8 آلاف ميغاواط، وهذا بالتأكيد سيجعل صيف العراق المقبل ثقيلا وصعبا، لذا على العراق أن يبحث عن أبدال أو أن ينشط مشاريع استثمار الغاز الطبيعي المستمرة في حقول الجنوب”.
مشيرا إلى أن “العقد العراقي مع تركمانستان لشراء الغاز مرورا بإيران يشبه المقايضة، فالعراق يشتري من تركمانستان، ويأخذ من إيران لكن التعامل المالي يكون مع الأولى، بالتالي هو نوع من التعامل غير المباشر ونتمنى ألا يحسب تجاوزا للعقوبات الأمريكية لأن تركمانستان هي من تكون بموقع المتجاوز لأنها تتعامل بشكل مباشر مع إيران”.
ووقعت وزارة الكهرباء، في 19 تشرين الأول أكتوبر 2024، اتفاقية مع تركمانستان لتوريد الغاز إلى العراق بكميات تصل إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، لافتة إلى أن شركة لوكستون إنرجي السويسرية ستورد الغاز من تركمانستان للعراق عبر شبكة خطوط الأنابيب الإيرانية باستخدام آلية المبادلة لتيسير النقل.
الجدير بالذكر أن عقد استيراد الغاز من تركمانستان عبر الأنابيب الإيرانية، لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن بالرغم من مرور أكثر نحو 5 أشهر على توقيعه، لأسباب تتعلق بإجراءات المصرف العراقي للتجارة TBI.
قطاع الكهرباء في العراق
ويعاني قطاع الكهرباء في العراق من مشكلات عدة على الرغم من الأموال الطائلة التي أنفقتها وزارة الكهرباء، وبحسب المستشار الحكومي والخبير الاقتصادي مظهر محمد صالح، فان الطاقة الكهربائية استنزفت بعد عام 2003 أكثر من 120 مليار دولار، ولكن عملية تأمين الطاقة لا تزال متعثرة بسبب سوء الإدارة والهدر والفساد”.
ودأبت الولايات المتحدة منذ 2023 على إصدار إعفاءات تسمح للعراق بدفع أموال لإيران مقابل إمدادات من الكهرباء، على أنه لا تستخدم طهران هذه الأموال إلا في “معاملات غير خاضعة للعقوبات” مثل شراء السلع الإنسانية ومنها المنتجات الغذائية والزراعية.
وأدى العجز في توفير الطاقة الكهربائية في العراق الى بقاء سوق المولدات الأهلية نشطاً، رغم أن غالبيتها قديمة وتصدر محركاتها المتهالكة دخاناً أسوداً (دقائق الكربون) إضافة إلى الضوضاء العالية، بسبب عدم التزام الكثير من أصحابها باستخدام ما يعرف بكاتم صوت المحرك.
ومنذ العام 2003 ولغاية اليوم، لم تشهد الطاقة الكهربائية في العراق أي تحسن ملحوظ، وفي كل صيف تتجدد التظاهرات في مدن الوسط والجنوب، احتجاجا على تردي تجهيز الطاقة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat