صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

اشارات قرآنية من كتاب العباس بن علي للشيخ البغدادي (ح 2)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 جاء في کتاب العباس بن علي عليه السلام للشيخ محمد البغدادي: أما مواقف الإمام الحسين عليه السلام فلا يسعنا هنا الحديث عن مكارم أخلاقه وسمو مقاصده.فهو ابن من خاطبه الله سبحانه: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم 4). وهو الذي قال النبي في حقه: (حسين مني وأنا من حسين). ويكفيك ــ لتستشف من عظمته ــ أن أعداءه ومبغضيه من الأمويين وغيرهم لم يجرؤوا ولم يتمكنوا من الخدش بساحة قدسه مع شدة عداوتهم له حتى سفكوا دمه وقطعوا رأسه وداروا به في البلدان وحرثوا فيما بعد قبره وقتلوا كل من يزور مرقده بل بطشوا بكل من يهواه. الحسين خليفة الله ورسوله في الأرض، فهو منبع الفضائل بل هو القرآن في سلوكه وسيرته.

عن اخوة الحسين والعباس عليهما السلام يقول الشيخ البغدادي في كتابه: في الذكر الحكيم: أن النبي موسى سأل الله سبحانه أن يعضده بأخيه كي يتم له أمره في هداية قومه فقال عليه السلام: "وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى" (طه 29-36). وورد في الروايات المعتبرة أن نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما ذكر في مناجاته للمولى سبحانه ما تقدم من أمر موسى عليه السلام وسؤاله الوزارة لأخيه واستعضاده به سأل الله سبحانه أن يعضده بأخيه علي عليه الصلاة والسلام فأجابه. وكان العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام وزير أخيه الحسين عليه السلام وعضده. كان العباس عليه السلام لأخيه الحسين عليه السلام كما كان أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كان عماد حركته ونظام جيشه، كلما اشتدت بالحسين عليه السلام الخطوب، واحتاج لمن يسدّ ثغراً، أو يردّ كريهة، أو يفلّ مستعصياً، وجّه أبا الفضل لنجح حاجته فلا يرجع إلاّ بنجحها، أو لا يرجع، كما هو الحال في حركته الأخيرة التي لم يعد منها إلى مضارب الحسين. لقد هدّ مصرعه الحسين عليه السلام، وهدّ كل من يتمسك بحبل الإسلام وعروته. العباس ألم ممضّ في قلوب الأئمة المعصومين وجميع الهاشميين بل في قلب كل مؤمن ومؤمنة.

وعن بنوة الامام عليه السلام يقول الشيخ محمد البغدادي: ولا عجب فهم أبناء علي، والذي ضرب أروع الأمثلة في نصرة أخيه سيد المرسلين، وفداه في كل المواقف التي تتطلب التضحية حتى عجب من فدائيته وهمته جبرئيل وقال إنها لهي المواساة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وما يمنعه وهو مني وأنا منه). فقال جبرائيل: (وأنا منكما). ثم نادى من السماء: (لا فتى إلاّ علي، لا سيف إلاّ ذو الفقار). وقد نام في مكانه ليلة الهجرة وبينه وبين الموت شعرة حتى مدحه المولى سبحانه: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ" (البقرة 207). وهذه الفدائية العلوية جعل الله سبحانه جزاءها حياة أبدية خالدة، فعلي حي في حياته، وحي بعد مماته على رغم أنف كل أعدائه، وحي إلى الأبد، وهو قسيم الجنة والنار، وكفى والله بهذا معلماً ودلالة على مقام وعظمة علي، وهو حامل لواء الحمد وكل البشر تحت هذا اللواء: آدم فمن دونه. أولاد في الطف شابهوا أباهم وجروا على هديه. وإن أمثلهم في هذا: أبو الفضل. هو الأعظم فداء، وهو الأطوع، وهو المحفّز للفداء. رغّب أخوته للموت حيث قال لهم: (تقدموا حتى أحتسبكم) ولو لم يكن لأبي الفضل من مصيبة يوم الطف إلا هذه لكفت وهدّت طول العمر، فانظر إلى قوله: حتى احتسبكم. أي يقدمهم قرابين في سبيل الله سبحانه، ولينال الأجر على مصيبته بفقدهم. أترى أخاً يُقتل أخوته أمامه بيد أرذل الخلق بل يُقطّعون تقطيعاً بمرأى منه ومسمع، وهم في غضارة الشباب كيف تكون مصيبته؟ لو كان واحداً فمصيبته عظيمة بفقده وبهذه الصورة المفجعة.

وعن لعب بنو أمية بالامة يقول مؤلف الكتاب محمد البغدادي: أصبحت الدنيا كلها كرة يتلاعب بها صبيان بني أمية كما نطق بهذا أبو سفيان قبل ثلاثين عاماً من الطف حين ركل قبر حمزة رضي الله عنه. فإذا انتهى كل شيء، فلم التضحية؟ ولم الموت في سبيل قضيّة خاسرة وصلت إلى حد فنائها وإلى ساحة دفنها؟ ونحن أيضاً معذورون لأننا لا ننفع هذه القضية بشيء بفدائيتنا هذه، فالثبات هنا، في ساحة الطف، إلقاء للنفس في التهلكة. وهكذا تتداعى الخواطر والأفكار وكلها صحيحة بحسب الظاهر. لكن الإيمان العميق وحده هو الذي يوقف زحف هذه الأفكار على الذهن والروح، ومعه التأييد الربوبي في تلك الساعة المصيرية. المولى سبحانه يسدّد ويلفت النظر إلى سبب الهداية والنجاة في أرضه. والرئيس منها اثنان: القرآن، والإمام. أما القرآن: فيهدي ويقول: "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ" (الصافات 171-173). فالقرآن يصرّح أن المنازلة لم تنته وأن حاصل المنازلة ونتيجتها لله سبحانه، متمثلاً بانتصار عباده المرسلين ومن يؤازرهم من الجند الربانيين. الخاتمة لنا. الأرض كلها ستكون لنا. "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا" (النور 55). والانتصار لقضيتنا ومسيرتنا. وأما الإمام: فهو حاضر بشخصه في ساحة المعركة، وحضوره وثباته واستماتته وكلامه وكل موقفه عَلمٌ للهداية يسترشد به ويقتدى ويعلم أن هذا طريق الصواب والانتصار. قضية الإمام قضية الله، وقضية الله غير خاسرة أبداً. لكن هداية القرآن والإمام تحتاجان إلى إيمان صلب عظيم عند المرء وارتباط بالمولى سبحانه ليفقه وجه الهداية وليعزم على مفادها. من خلال أحداث كربلاء يتبيّن لنا أن أصحاب الحسين ممن لا نظير لهم في الدنيا. لقد تحدّث القرآن عن صحابة رسول الله، وتحدثت السنن عن صحابة النبي والأئمة، وكان الأقلّ منهم هو النبراس، وهو رمز التضحية والثبات. وأيضاً: تحدّث القرآن عن الذين بلغت قلوبهم الحناجر: "وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا" (الأحزاب 10). تحدث عن الذين قالوا: "مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا" (الأحزاب 12). تحدث عن الذين قالوا: "إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا" (الأحزاب 13). مع أنهم: "عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ... وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا" (الأحزاب 15). تحدث عن الذين قالوا لنبيّهم: "فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ" (المائدة 24). تحدث عن الذين منعهم نبيهم من شرب ماء نهر: "فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ" (البقرة 249). وتحدث الوصي عن جيشه فذمّهم وعيّرهم وتمنى أن يصرّفهم صرف الدينار بالدرهم. ولطالما اشتكى منهم. وأبو محمد الحسن المجتبى سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلّم الدولة الإسلامية إلى معاوية بعد ما خُذِلَ من جيشه الذي استكان إلى الراحة والدعة. وأبو عبد الله الحسين عليه السلام قال لصحبه الكرام: (إني لا أعلم أصحاباً خيراً منكم). وأبو الفضل العباس موقعه من أصحاب الحسين موقع القطب من الرحى فهو المتقدم في كل كريهة يردّها عن ابن رسول الله. عُرِضَ الأمان عليه، فردّه. ولما فتح الحسين عليه السلام لأصحابه باب الرجوع كان أبو الفضل أوّل من أجابه بالتزام البقاء بل حثّ أخوته على التقدم قبله للقتال كي يعيش مصيبة استشهادهم ويحتسبهم عند الله ولعلّه ليطمئن إلى إقدامهم وعدم تزلزلهم في الموقف الهائل الذي يزلزل الجبال والصناديد ويطمئن إلى أن أولاد علي بطل الأبطال، والذي شرى نفسه وكل ما يملك لله، قد ساروا مسيرة أبيهم والتحقوا به بنفس طريقه وفدوا أخاهم الحق، وهكذا كان.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/02/03



كتابة تعليق لموضوع : اشارات قرآنية من كتاب العباس بن علي للشيخ البغدادي (ح 2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net