صفحة الكاتب : د . مرتضى الشاوي

وفرة الأقنعة والترميز العددي واللوني ( القسم الثالث )
د . مرتضى الشاوي
 جاذبية الألوان  :
        لكلّ لون دلالة ممزوجة بمشاعر وأحاسيس الشاعر المرهفة ، فهي تعلو وتنخفض كموج البحر المتلاطم ، ويبدو ذلك من عتبة الإهداء التي مزج فيها باقة من ثلاثة الألوان مغمورة  ، ينصّ الإهداء عليها بقوله : 
" إلى اليواقيت التي لا تنزف حمرتها 
 إلى كل زمردة تتباها بخضرتها 
إلى رائحة التراب العبق بأكوان الغسق البنفسجي 
 أهدي سطور قصائدي " ( ص 4 )
       هذا التمازج بين ثلاثة ألوان بين الأحمر الحيوي الذي يشع نشاطاً وانبساطية بحيوية الشباب والأخضر الذي يرمز إلى لون النضارة ، فضلاً عن النمو والقوة والتفاؤل يشاطرهما اللون البنفسجي المثالي بحساسية نفسية عالية ، إذ يصل اللون البنفسجي المقتول إلى عدمية يطرحها العالم بظلامية الغسق العتيد المعاند ، كما في قصيدة ( سطو الفراش ) :
" وننادي
يا أيها العالم المخمور بالغسق العتيد 
وامتلأنا نصب الورد 
أكفاً على البنفسج القتيل " ( ص 72- 73 ) 
      ويمضي الشاعر في طرح ألوانه بطريقة الأشكال النباتية ؛ مستفيداً من عطرها ولونها في الوصف  بفيض من صفات الإنسانية  كما في قصيدة ( خيولنا تموت واقفة ):
" فان الجنود استباحوا
مدينتك الباصرة   
استباحوا عنفوانها 
شهق الأقحوان حين قشره الخجل " ( ص34 )
في حين يعمم اللون ؛ ليتمازج بين ندرة الأحجار مع ندرة الورود في تعاملها ؛ للدلالة على الصلابة والثبات ، فطبيعة الأحجار لا تنزف مهما بلغت من التكسر والذوبان ، فالآخر صوت أنثوي أراد منه الثبات والاستمرار على حالة واحدة في استقرارها كما في قصيدة ( لا زيف لليواقيت ): 
" وأنت ياقوتة لا تنزف حمرتها 
وأنت أقحوانة لا تبدي خجلتها " ( ص 58 )
وهو يبرز هذا التمازج المكثف بروعة الفنان التشكيلي ليأنسنها في نفسه في مجازية معمقة ، كما في قصيدة ( الانسكاب في حضرة الياسمين )   :
" فيا زمارد اتقدي 
ويواقيت انثري 
ورد الفرائد 
فقد بدا الخافقان 
على انسكاب الوسائد 
وانّي الفت الصحو في قافلة الأقاحي " ( ص 70 )
بل راح أكثر من ذلك  الحد في جدلية ليصوغ لوحة فنية قوامها الأحجار الكريمة بدقة ألوانها وجاذبية وبراعة السماء اللازوردية في جودها بالمطر الأزرق  في عمقه وصفائه وهدوءه العاطفي كما في قصيدة ( القراءة الأولى )  :
" فيا عقيق الأرض 
زماردنا تعشق لونك 
لكن يواقيتك هي الأروع 
 وتناجينا عند الأمس
نسمع صوت المطر الأزرق "( ص 74 – 75 ) 
    لكنّ اللون الاسود يسجل صفات عامة في بلد عرف بأرض السواد  لكثرة أشجاره  ونخيله بدلالته المأساوية من الخوف من المجهول والاستسلام النهائي ولا استسلام في تجليات الحنين العابر كما قوله مرتين :
" تركوا بساطيلهم على أرض السواد  " ( ص 34 )
" وعاودنا الحنين لأرض السواد  " ( ص 56 ) 
على الرغم من عدمية اللون الأبيض في شعره إلا أنّه قد وظفه ضمناً لدلالته على زمن مضى وندرة صفائه في الوقت الحاضر كما في قصيدة ( الاختباء ) : 
" العجائب 
حين كنا ، فلتلك كهوفنا من الجليد " ( ص 56 ) 
      وربما يحذر من اللون الأصفر بحقده وحسده وعجبه بالنفس إذا ما استعمل للريح مرة معرفاً ، لأنّ فيها غدراً من شيء معلوم ، ومرة أخرى يأتي من دون تعريف بياناً لصورة إبلاغية عن حالة القادم المشؤوم ؛ لما يحمل من رمز للعدمية والفناء على الرغم من طابعه الإشعاع والانشراح كما في قصيدة ( خيولنا تموت واقفة ) :
" الريح قادمة 
............
الريح الصفراء 
وأبوابنا تصفعها الليالي 
الغادرة 
.........
الريح صفراء
ونوافذها من ورق 
وحدائقنا لا شيء غير القطيات منتظرة " ( ص 35 )
     وفي نهاية المطاف من خلال هذه الخيوط المتشابكة من التقنيات السيميائية تسجل لنا الدراسة منجزاً بفاعلية التحليل الفني وتبحث عن العوامل النفسية وراء استعمال هذه المتغيرات الثلاثة التي تعدّ من التقنيات التي يلجاً إليها الشعراء المعاصرون في الغوص والتحري في دلالتها في خطاباتهم الشعرية الحداثوية .
 والشاعر ناصر الأسدي شاعر معاصر استثمر هذه التقنيات ورؤيته السردية من وفرة الأقنعة والترميز ومجازية الأعداد وفاعلية الألوان في منجزه الشعري  بشكل متميز وفي هذا الجانب الحيوي جاد بجوانب الحركة القائمة بين عالمي الواقع والإمكان النصي، لما يحمل الشاعر من تصورات وصور في ذهنه تبعاً لتجاذبات عميقة الدلالات  . 
_______________
* الشاعر ناصر الأسدي تدريسي وباحث أكاديمي  في جامعة البصرة وهو ناقد وشاعر وقاص في الوقت نفسه ،  صدر ديوانه البكر ( لا نزيف لليواقيت ) عن مؤسسة السياب ( لندن ) ، ط1 ، سنة 2011 م ، وأيضاً مجموعته القصصية ( لا ظل فوق الجدار القصير )عن دار أزمنة ، ط1 ، مطبعة السفير ، الأردن ، 2012 م .
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مرتضى الشاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/26



كتابة تعليق لموضوع : وفرة الأقنعة والترميز العددي واللوني ( القسم الثالث )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net