(قراءة انطباعية في خطبة الجمعة لسماحة السيد احمد الصافي) 5 / صفر 1441 هـ الموافق 4/10/2019 م
علي حسين الخباز
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي حسين الخباز

ركز سماحة السيد أحمد الصافي على عدد من المحاور التي نصت على اهتمام الروايات الشريفة بالحث على زيارة الحسين عليه السلام وعلاقتها الوثيقة بإحياء الدين، وتنكشف عظمة هذه الزيارة من خلال الإرث المعصوم الذي كان يعبر بالجفاء لمن أعرض عن زيارة الحسين عليه السلام، ولا بد أن ندرك مقدار الألم في قلب مولاي الإمام الصادق عليه السلام وهو يقول جملته المؤلمة (ما أجفاكم للحسين عليه السلام).
نتأمل في الخطاب ودلالاته المعنوية لندرك أن الجفاء عدم الاعتناء بمقام ندرك معناه، والمقامات ترتبط عند الأئمة المعصومين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الدلالة الأهم أن الزيارة لها معنى المشاركة في نصرة الحسين عليه السلام، الزيارة مشاركة في حركة الحسين، يقول الإمام الصادق سلام الله عليه (من زار الحسين في عاشوراء كمن تشحط بدمه بين يديه)، الزيارة مساهمة في امتداد كربلاء من جيل إلى جيل.
وجاء في الخطاب أن قضية سيد الشهداء ليست حدثا طارئا، إنما له مركزية عند الأئمة عليهم السلام، ورد عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم (إن لقتل ولدي الحسين عليه السلام حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا).
قضية كربلاء قسمت العالم إلى جبهتين، الجبهة الأولى هي جبهة الأئمة عليهم السلام، وهي تبين فضل الإمام الحسين سلام الله عليه، وحث الناس على الزيارة وإقامة مراسيم إحياء ذكرى عاشوراء، وحث الشعراء والخطباء على أن يندبوا سيد الشهداء عليه السلام، بالمقابل الجبهة الأخرى تستنكر الاقتفاء بالحسين عليه السلام، وإلى اليوم هناك من يتحامل على الطقوس العاشورائية.
من إحدى دلالات الخطاب التأكيد على المعاني التربوية في الزيارة (اللهم اجعل محياي محيى محمد وآل محمد ومماتي ممات محمد وال محمد).
المحيا والممات فعل من الحياة والموت، واجعل حياتي مثل حياتهم في التعرض للخيرات والأعمال الصالحة، وموتي مثل موتهم في استحقاق الرضوان، والغفران، والدرجات، والشفاعة.
يرى سماحة السيد أحمد الصافي أن الصفات النفسانية للنبي لا تدرك، والمقام الحقيقي لسيد الرسل لا يدرك، وما تبقى من السيرة وما بينه القران الكريم من شخصيته وضع لنا منهجا، وأراد منا أن نحذو حذوه، والزهد في الدنيا معناه خذ من الدنيا ما يعينك على آخرتك، وفي معنى التجلي الإلهي الذي جعل كربلاء الأرض المباركة، وجعل يوم عاشوراء اليوم الشريف، وجعل أنفاس الحسين الأنفاس التي تغرس البركة في كل زمان ومكان، فمن زار الحسين زيارة حقيقية حصل على درجة من درجات هذا التجلي الإلهي.
الزيارات الواردة عن الأئمة المعصومين عرفتنا بأهداف ثورة الحسين عليه السلام، ورد في زيارة الأربعين (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة) وجاء في زيارة العيدين (أشهد أنك طهر طاهر مطهر، من طهر طاهر مطهر، طهرت وطهرت أرض أنت بها)
الخطاب يرشدنا لحكمة زاهرة، إذا وفق الله الإنسان للدعاء في مكان مميز وزمان مميز، مثلا: عرفة مكان مميز، مسجد الحرام، تحت قبة الحسين عليه السلام، أو مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومسجد أمير المؤمنين سلام الله عليه، وفي أزمنة مباركة مثل ليلة القدر، صبيحة العيد، ليلة النصف من شعبان، وأمثال ذلك، اجتماع المكان المبارك مع الزمن المبارك.
وهناك قضية ثانية مهمة، زيارة الحسين عليه السلام لا تؤدى بأي لفظ يريد، ورد في الروايات زيارة الحسين عليه السلام بالموروث أن تقرأ الألفاظ الواردة عن المعصومين في الزيارة.
في أغلب الحالات لا يعرف الزائر بما يدعو، لديه مجموعة طلبات قد تتناقض، هذا الموقف يحتاج إلى بصيرة لا بد أن يكون متبصرا بمادة الدعاء
وفي الزيارة مقامات معنوية لكل رمز من رموز أهل البيت عليهم سلام الله، خصيصة ربانية ويسلمون أمرهم لله سبحانه، حتى أن الزهراء عليها السلام طلبت من أبيها أن يوفر لها خادمة تعينها، لكن النبي علمها شيئا وقال لها هذا خير لك من الدنيا وما فيها.
الجوانب المعنوية العالية في هذه الحياة المباركة، يعلم الزهراء عليها سلام الله تسبيحا لا زلنا نعيش في بركة هذا التسبيح (تسبيح الزهراء عليها السلام).
النبي القوي الشجاع تحمل الكثير من الأذى النفسي فيما يفعل بذريته من بعده، تحمل الأذى وهو الذي كان يجلس أمامه جبرائيل مجلس العبد، فلندرك قيمة أن نقف في زيارة عاشوراء وندعوه (اللهم اجعل محياي محيى محمد وآل محمد)، حياة واضحة معالم والهدف هو رضا الله سبحانه.
يعلمنا الإمام الحسين عليه السلام في موقفه كيف يحيى، ويريدنا أيضا أن نتعلم كيف نختار عاقبة أمرنا، علمتنا كربلاء اختيار الموت نحو من التوفيق.
هناك شخصيات عاشت هذا الموقف، منها من سقطت في هفوات رغباتها كعبيد الله بن الحر الجعفي، وشتان بين موته وموت الحر بن يزيد الرياحي وموت زهير بن القين سلام الله عليهما.
عندما يكون الخطاب مكتنز الرؤى لا يترك للقراءة سوى العرض والتكثيف.
الأمر الذي يؤكده سماحة السيد أحمد الصافي هو لا بد لمن يتأمل في الواقع أن يمتلك البصيرة، قضية جوهرية، المساحة الزمنية قريبة بين واقعة بدر وواقعة أحد، هؤلاء حديثو عهد بالإسلام، تصوروا ما دام النبي مسددا من الله تعالى فنحن لا بد أن ننتصر كيفما اتفق، النبي ينتصر لكن القضية التي تحتاج إلى بصيرة هي أن يعرفوا أن نصر السماء غير النصر الظاهري، سيد الشهداء عليه السلام انتصر، وزينب عليها سلام الله انتصرت، فالسكينة التي وهبها الله للحسين وأنصاره جعلتهم يعيشون الحرب بهدوء سلام، حتى أن هذه السكينة أرعبت جيش ابن سعد بعدده وعدته، وهذا نصر وتثبيت الأقدام بهذا الإيمان نصر، وأهم ما أفرزته الواقعة أنها عرفت العالم أن الغلبة العسكرية وحدها لا تكفي في تحقيق الانتصار، وإنما من معاني النصر انتصار الغاية وتحقيق الهدف.
ومن يحمل مثل هذه البصيرة يستطيع أن يسأل الله سبحانه وتعالى الإعانة (اللهم أعنا على أنفسنا كما أعنت الصالحين على أنفسهم) نسأل الله أن يجعلنا في مقامنا هذا ممن ينالون من الله صلوات ورحمة ومغفرة (اللهم اجعل محياي محيى محمد وآل محمد ومماتي ممات محمد وآل محمد) صلى الله على محمد وآل محمد
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat