صفحة الكاتب : علي السبتي

طفل ذكرني بحاتم الطائي
علي السبتي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 كانت الساعة تشير إلى السادسة مساءاً حسب التوقيت المحلي  لمدينة كربلاء المقدسة، وقتها  كنت واقفاً في بداية الزقاق الذي نسكن فيه, فإذا بي أشاهد طفلاً قد خصّه الله ببعض صفات الجمال فنظرت إليه من بعيد ولم أعرفه "وهنا قد يتساءل البعض هل تعرف كل أطفال زقاقكم أو من هم حوله، فأجيب نعم لأن أغلبهم قد تشاركوا الزاد منذ عقود خلت".

 وفعلاً لم أعرفه لأنه كان ضيفاً على أحد الجيران مع أهله, كان يسير بخطى متسارعة ويحمل بيده لعبتين جديدتين، فثار الفضول في نفسي إلى أن أتمازح معه فهو يدخل القلب بدون استئذان.

وعندما مرّ قربي قلت: له بكم اشتريت هاتين اللعبتين؟ فتوقف وأجابني بلسان طليق كأنه رجل بالغ وهو لم يتجاوز الأربع سنين، وعليكم السلام الأولى بـ6000آلاف والأخرى بـ5000آلاف فالأولى لي والثانية لأخي (وكان يقصد بالدينار العراقي).

هنا شعرت بالهزيمة والضعف لأني بدأت معه الكلام من غير سلام ولم أتوقع أن هذا الطفل قد يلتفت لهذا الأمر فقلت: أعطني هذه, وأشرت إلى الصغيرة .

فقال: لا هذه لأخي الصغير، خذ هذه الكبيرة فإنها لي.

فأعطاني اللعبة وانصرف. فقلت في نفسي لعله خجل مني, ولكنه الآن سيلتفت لي ويوحي بتقاسيم وجهه الذي تعتليه البراءة أنه يريدها, مثلما يفعل أغلب الأطفال.

وعندها جاءت المفاجأة, لم يلتفت ذلك الفتى ولم يعرني أي اهتمام وكأنه لم يعطني شيئاً!! فأخذ يبتعد وكاد أن يغيب عن ناظري.

وأيضاً لم يلتفت, إلى أن كاد يدخل إلى البيت الذي يقصده. فناديته: يا فتى.. فجاءني مسرعاً. خيراً يا عمّ ماذا تريد لقد ناديتني؟ قلت: ألا تريد لعبتك.

فقال: لا فأنت أردتها, ومن المؤكد أن لك حاجة فيها. فقلت: لا كنت أتمازح معك.

 فقال: لا أبداً فأنا أعطيتها لك ومن غير اللائق أن أستردها خذها يا عمّ فهنيئاً لك ومن قلب صادق.

فتجادلنا بالحديث وكان ندّاً لي في الحوار فكلما ازددت إصراراً على أن يأخذها زاد هو بالرفض، فَارتفعت أصواتنا وأتعبني الكلام معه حتى أقنعته أني كنت أتمازح معه فعندها وافق على أن يأخذها .

وقتها لم أتمالك نفسي فحملته من الأرض وأنا أقبّله وقلت له أحسنت أيها الرجل هكذا هي أخلاقنا وهذا هو كرمنا العربي الذي أصبح في غياهب النسيان .

وهنا لنقلّب صفحات الماضي وذكريات الطفولة فالسنين تمر كأنها لحظات, كل ما فيها لعب ولهو وضحك, وقلوب صافية, نتشاجر من أجل لعبة ومن ثم نعود لنصبح أحباباً, هكذا كانت هي باختصار عالم تسكنه ملائكة الرحمن.

فلنتأمل قليلاً  فإن كان هذا الصغير قد جاد بأغلى أشيائه "وهي لعبته", وأعطاها لشخص غريب.. فهل نستطيع نحن الكبار أن نجود؟ ولا نريد أن نقول بأغلى شيء نملكه بل بشيء يسير وإلى شخص قريب منا؟ أم أن هذه الصفات رحلت مع الريح الغضوب


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي السبتي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/25



كتابة تعليق لموضوع : طفل ذكرني بحاتم الطائي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net