اشارات قرآنية في كتاب الانجيل والمسيح للشيخ كاشف الغطاء (ح 3)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في کتاب التوضيح في بيان حال الإنجيل والمسيح المؤلف للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء:عن القول (مسيح الأناجيل قاطع الرحم عاق لامه واخوته مفرّق بين الأقارب): أليس احتقار الأم وانتهارها عقوق لها؟ أليس يوحنا يقول في الاصحاح الثاني: لما فرغت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر (4) قال لها يسوع مالي ولك يا امرأة لم تأت بعد، فهل يصلح مثل هذا الانتهار والخطاب بالوالدة التي تقضي النواميس كلها بوجوب كرامتها واحترامها؟ وما اكتفى بذلك حتى كان احياناً يعرض عنها وينكرها ويبخل عليها حتى بالكلام فضلا عن البر والاحترام، ففي آخر الثاني من (متى) فيما هو يكلم الجموع إذا أمه واخوته وقفوا خارجاً طالبين أن يكلّموه فقال له: هوذا امك واخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك، فاجاب: من هي أمي ومن هم أخوتي؟ والافظع من ذلك انه مد يده نحو تلاميذه، وقال: ها امي واخوتي، بل كان يأمر ببغض الأب والأم والأولاد والأُخوة والأخوات كما في (14) (لوقا)، فهل تجد من قطع وامتهان أسوأ من هذا، فديتك يا فرقان محمد صلى الله عليه وآله بكل ما انزل من السماء أو صنع على الأرض ـ إذ تقول: "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيّاً * وَ جَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَ أَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَ الزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَ بَرَّاً بِوَ الِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً" (مريم 30-32). نعم ما اكتفى اليسوع بكل ذلك حتى صار يأمر ويحث غيره على التقاطع والتفرقة حيث قال في عاشر (متى): اني جئت لافرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، واعداء الإنسان أهل بيته، وما كفاه هذا القدر من تفريق الكلمة، وتشويش نظام العائلة، حتى قال: ما جئت لالقي سلاماً على الأرض بل سيفاً. ثم زاد فقال كما في ثاني عشر (لوقا): جئت لالقي ناراً على الأرض ثم قال: اتظنون اني جئت لاعطي سلاماً على الأرض كلا بل أقول لكم انقساماً... أفهذا يصلح أن يكون مخلصاً؟ أم الذي يقول الحق فيه: "وَ مَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء 107)، فالحق ان هذا مخبط ومخبص، لا منقذ ومخلص.
وعن القول الصحيح في دحض الوهية المسيح يقول الشيخ كاشف الغطاء في كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم "أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِى ظُـلُمَاتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالاَْرْضِ أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" (النمل 63-64). عجباً لك أيها الإنسان ولا يكاد ينقضي فيك العجب، ما اجهلك في علمك، بل ما اجهلك بجهلك ما سعدت إلاّ وشقيت، وما ارتقيت إلاّ وهويت، بينا تجد الإنسان قد اتسعت معارفه، واعتدلت مداركه واستقامت قرايحه، وقلتَ قد أخذ من العرفان بحظ، ومن الاستنارة بقسط، ومن الصواب بنصاب، وجمع بين طرفي الامانة والمتانة، والحصافة والحصانة، ورسخت في المزالق اقدامه، واعتادت على نسخ الحقائق اقلامه، فلا تلتبس عليه الغامضة، ولا تلتاث دونه العويصة، ولا تضيع في أوهامه الحقيقة، بينا انت منه على ذلك أو مثله، إذ بك تراه يتخبط في ظلمات الأوهام، ويتورط في لجج اللجاج، يمشي في ضاحية وكأنما يمشي في حنادس الظلم لا يزيده كثرة السير إلاّ بعداً، يتقدم القهقرى، ويسير معكوساً سير السرطان إلى ورا، رفعت بالأمس إلي مجلة (المشرق) في عددها الثاني من سنتها الحادية عشرة فوجدت في فاتحتها هذا العنوان (البرهان الصريح، في اثبات الوهية المسيح) رداً من منشئها (لويس شيخو اليسوعي) على مجلة (المنار) الشهيرة. وإذا صحت مزعمة الغلو في عيسى أمكن على الجواز ان تصبح في غيره ففي الحكمة الأولى (ان حكم الامثال فيما يجوز وما لا يجوز سواء) وإذا ثبت أصل الامكان وارتفع الامتناع هان أمر الوقوع، والغلاة في علي عليه السلام أو في (الحاكم بالله) لعلها تدعي لهما من المعجزات ما هو فوق معجزات عيسى بكثير، أما الولادة بغير لقاح فما أكثر ما يقع في سلائل الأحياء مثله من التولد الذاتي والسكون الفجائي من كاينات الطين أو الماء أو النبات أو غيرها، وهذا هو المثل الذي ضربه تعالى شأنه في فرقانه الحميد بقوله تعالى: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَاب" (آل عمران 59). أما العلاقة الروحية، والنفحة الإلهية، وكلمة المشية، فانها بنسخها وأصل جوهرها سارية في كل ذوات الأرواح، اعني ان الجميع سواء في الانتساب إلى ذلك الفيض الأقدس، والحضرة المنيعة، وبالأخص الأرواح الطاهرة، والنفوس الزكية، على اختلاف مراتبها في القرب والبعد، والصفاء والتجرّد.
جاء في کتاب التوضيح في بيان حال الإنجيل والمسيح المؤلف للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: ان دعاة السوء ومبشرين الشوم المنتشرين في الآفاق، والمتهاجمين في هذه الأيام على عواصم العراق يحملون بضاعة الصلف والقحة وعدم الحياء داعين إلى دين الخمر والخنزير وترويج سلعة المكر والتزوير، ربما يطرحون بعض الكلمات على بعض عوام المسلمين وبسطائهم تشويشاً لاذهانهم، وتوهيناً لعقدة ايمانهم، وتلك الكلمات وان كانت احقر من ان تذكر، وأقل من ان تنقل، وفي الغالب ان جواب تلك الشبهات الواهية لا يخفى حتى على العوام بفضل ما منحهم الله من سلامة الفطرة وصفاء القريحة وحسن الذوق وعناية الحق جل شأنه. يقولون للمسلم مثلا ان محمداً صلى الله عليه وآله عند المسلمين هو حبيب الله وعيسى باعترافهم هو روح الله والروح اعز وأشرف من الحبيب. ولا شك ان المسلم مهما كان لا تخفى عليه هذه المغالطة، فان الحبيب قد يكون اعز من الروح، وطالما بذلت الأرواح في سبيل الأحبة كما تبذل دون الاعراض وفي سبيل الصون والشرف، (وثانياً) ان المراد من قولنا عيسى روح الله ليس ان الله بدن كسائر الأبدان وان عيسى روح ذلك البدن الذي به يشعر ويحس ويقوى ويقدر، بل المراد بالضرورة ان عيسى روح من الله نفثها في رحم مريم، فصارت بدناً حساساً وهيكلا شاعراً، وهذه الصفة عامة غير خاصة، فان كل انسان هو من روح الله ومن مشيئته، كما قال عز شأنه "وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي" (الحجر 29) (ص 72)، ولكن الحبيب صفة خاصة لصفيه (محمد) لا يشاركه فيها أحد. يقولون ان محمداً قد مات وعيسى حي باعتراف المسلمين والحي أفضل من الميت، وهذه مغلطة الأطفال ومضحكة الصبيان، فان (محمداً صلى الله عليه وآله) أولا حي عند الله يسمع ويرى، ونحن نقول في زيارة الأئمة من اوصيائه وذريته: أشهد أنك تسمع الكلام وترد الجواب والله سبحانه يقول "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَ تَاً بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" (آل عمران 169)، فكيف بسادة الشهداء وقادتهم؟ و(ثانياً) ليس الحي أفضل من الميت مطلقاً فكم ميت أفضل من حي وكم حي أذل من ميت (رب عيش اخف منه الحمام). وعلى هذين السؤالين فقس ما سواهما مما لا يخفى جوابه، ولا يحتجب وجه المغالطة فيه على أدنى طبقات البشر فضلا عن أعاليها والله الموفق للصواب وهو ولي التوفيق وبه المستعان.
ويستطرد الشيخ كاشف الغطاء قائلا: إذا استدل عليك المبشر خاصة أو المسيحي عامة بآية من القرآن الكريم فقل له: أما ان تؤمن بجميع هذا الكتاب وبكل ما اُنزل فيه أو تكفر به اجمع، فان كنت تؤمن به اجمع فما بالك تقول بالتثليث؟ وهو ينادي بأعلى صوته صايحاً: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَآ إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَ احِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِى السَّمَـوَ تِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا" (النساء 71)، وما بالك لا تؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وآله الذي أوحي القرآن إليه، ونص بالنبوة عليه. وان كنت تكفر به أجمع فلا يصح لك الاستدلال بشيء منه، وإلاّ كنت ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، وأما الالزام فهو جدل وخصام، ليس من الحكمة ولا المنطق ولا الكلام. وعلى هذه الغاية فليكن الختام، فقد اسفر الصبح وارتفع الظلام؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat