صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

(وجود الله هو المدخل)// كتاب لعلهم يتفكرون تأملات كونية في فضاءات مطلقة للأستاذ شاكر اليوسف
علي حسين الخباز

 كتب الكثير عن معرفة الخالق سبحانه وتعالى، فمنهم من ركز على المعرفة الفطرية التي هي عبارة عما غرسه الله سبحانه وتعالى في قلب كل إنسان وفي وجدانه من الشعور بقوة خارقة، والتعلق بها في وقت الخوف والحرج والاضطرار، وقسم آخر من الكتاب أشار إلى المعرفة العقلية، شرارة الحياة لا يمكن إن يصنعها الإنسان، وهناك من يرى أن المعرفة الفلسفية التي تحتاج إلى ربط بين المنظومات الفكرية المختلفة، المعرفة التأملية والبحث عن القدرة المسيطرة على أرجاء هذا الكون، والتي من أجلى مصاديقها الحياة والموت.

المدخل لكتاب "لعلهم يتفكرون"، سهَّل عملية الولوج إلى موضوع الأدلة على وجود الخالق سبحانه، مسالة وجود الله عز وجل وما يتعلق بها من تصورات من المسائل التي تعرض لكل إنسان، بغض النظر عن مستواه العلمي والثقافي، وإن كانت تحظى باهتمام أكثر لدى المختصين من الدارسين لعلم الكلام، تنوعت أدلتهم وبراهينهم، فقدم لنا أول ستة أدلة على وجود الخالق جل علاه، اعتبر ثلاثة منها تقليدية وثلاثة حديثة.
قدم الموضوع بإيجاز وتكثيف كي لا يثقل على المتلقي كون مسالة الأدلة مسالة عقلية تحتاج إلى الكثير من الإدراك
&&&
 أولا... الأدلة التقليدية
(دليل الحدوث) ويعتبر دليل الحدوث من أشهر الأدلة العقلية التي أقامها علماء الكلام في إثبات وجود الله عند الأشعري والباقلاني، ويعرف أيضا باسم قانون السببية.
يقول أن شيء من الممكنات لا يحدث بنفسه من غير شيء، لأنه لا يحمل في طبيعته السبب الكافي لوجوده، ولا يستقل بإحداث شيء لأنه لا يستطيع أن يمنح غيره شيئا لا يملكه، أشار القران الكريم إلى هذا المضمون في قوله تعالى ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ وبهذا الدليل كان علماء الإسلام ولا يزالون يواجهون الجاحدين، وهذا الدليل يسمى في الثقافة الغربية اليوم بالحجة الكونية، ويقوم على فكرة أن الكون حادث، أي مخلوق ليس بأزلي، وأنه وجد بعد أن كان عدما، فلا بد له من خالق وقد أشار القران الكريم إلى هذا الدليل والبرهان في أكثر من موضع، منه قوله تعالى ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ ولإثبات أن الكون مخلوق اتبع علماء الكلام الطريقة الآتية في عرض الدليل من خلال ترتيب هذه المقدمات.
أ‌) إن الكون يتكون من أجسام وصفات لهذه الأجسام، والأجسام تسمى جواهر والصفات تسمى أعراض
ب) إن الصفات أو الأعراض متغيرة غير ثابتة وهناك من يظهرها ثم يخفيها، وهذه دلالة على إن هناك من ينظم أمرها وهو خالقها.
ج) إن الأجسام لا يمكن أبدا أن تنفصل عن الصفات، فلن تجد صفة تسير لوحدها، من دون جسم تلتصق به، فإذا كان الجسم يلتصق بالصفات المخلوقة، فهذا يعني أن الجسم أيضا مخلوق مثلها، لأنه يتغير بتغيير صفاته، (النتيجة) إن الكون (بأجسامه الجواهر) وصفاته (الأعراض) مخلوق حادث وكل مخلوق لا بد له من خالق أو(محدث) وهو الله سبحانه وتعالى، نتيجة هذا الدليل أثبات وجود الله تعالى عن طريق استخدام دليل الحدوث
&&&
ثانيا... دليل الإتقان
ويسمى بدليل الأحكام والنظم وقد أشار إليه القران في مواضع كثيرة منها قوله تعالى ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ، فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾، ومن القائلين به الإمام الأشعري والغزالي والرازي ومن العلماء الغربيين العالم البريطاني (انطوني فلو) وهذا الدليل يعني أن الانضباط بالالتزام والدقة التي في الكون وفي المخلوقات أن تكون من دون مدبر أو خالق فالكون تم ضبطه بشكل كبير ليصبح مناسبا لنا، ولو كان على هيئة أخرى لما كان صالحا للحياة، ومظاهر هذا الإتقان تجدها في الإنسان والحيوان وفي الكواكب وفي الغذاء وتجده في الجاذبية الأرضية وفي الغلاف الجوي، فهي معدة بإتقان بما يناسب معيشة الإنسان على هذه الأرض، وإتقان الكون بهذا الشكل دليل أكيد على وجود خالق قد أوجده بهذا التناسب والانسجام ما بين الإنسان والكون وما بين عناصر الكون فيما بينها.
برهان النظم، برهان المستقل ولا يرتبط ببرهان (حدوث المادة) ودلالته على محدث وراءها ، فبرهان النظم يتمشى مع القول بحدوث المادة ومع القول بقدمها أيضا، وبعبارة أخرى إن برهان النظام الذي نحن بصدده الآن يهدف إلى بيان أن النظام السائد في الكون ليس إلا وليد عقل جبار محيط بالقوانين والسنن الطبيعية، وأن من المستحيل صدوره عن المادة نفسها، سواء كانت المادة قديمة أم حادثة، فإن هذا البرهان يجري على كلا الفرضين ولا يختص بفرض حدوث المادة، ودليل الإتقان هذا يسمى في الثقافة الغربية اليوم بحجة التصميم، وهذان الدليلان (الحدوث والإتقان) رغم قدمهما وبساطة مقدماتهما إلا إنهما من أقوى الأدلة العقلية على وجود الله سبحانه وتعالى، ومنذ القرن الماضي جاءت الفيزياء الحديثة لتعزز معطيات هذين الدليلين تعزيزا لم يسبق له مثيل، فالدليل الأول دعمه القانون الثاني للديناميكيا الحرارية ونظرية الانفجار العظيم الإنجليزية، والثاني دعمته فكرة الضبط الكوني الدقيق.
&&&
ثالثا... دليل الفطرة والعهد
ويقصد به أن كل إنسان يولد بصفة يلزم منها إقراره بأن له خالقا مدبرا وهي صفة مغروزة في جبلته منذ الولادة ولو ترك الإنسان في مكان خالي لا يوجد فيه أحد، بعيدا عن كل المؤثرات الخارجية وعن كل الشوائب العقدية لاستطاع بفطرته أن يعرف أن لهذا الكون خالقا مدبرا ومتصرفا، ثم بفطرته يتوجه لمحبة خالقه وقد أشار القران الى ذلك في قوله تعالى ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وكذلك في قوله تعالى ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾.
يقول الرازي يقول الرازي: فكأنه بأصل خلقته ومقتضى جبلّته يتضرع إلى من يخلّصه منها ويخرجه عن علائقها وحبائلها، وما ذاك إلا شهادة الفطرة بالافتقار إلى الصانع المدبر، فالإنسان في الشدائد يتوجه إلى القوة الغيبية التي أوجدته فيناديها، ويلجا إليها لتخرجه من الضيق إلى الفرج حتى إننا نجد أن بعض الملحدين ولأدريين أو المشككين، إذا أصابه الشيء المهلك بغتة صدر على فلتات لسانه نداء إلى الله بأي لغة كانت من غير أن يشعر لأن فطرة الإنسان تدله على وجود الرب المخلص متمثلا في قوه غيبية ما ورائية، وهذه القوة الغيبية هي الله تعالى، حيث دلته فطرته للجوء إليه باعتباره خالق للإنسان والكون.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/12/28



كتابة تعليق لموضوع : (وجود الله هو المدخل)// كتاب لعلهم يتفكرون تأملات كونية في فضاءات مطلقة للأستاذ شاكر اليوسف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net