ضرر الفساد في أمثلة (أم نجعل الذين أمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض) (ح 26)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

وزير كهرباء اتفق مع ثلاثة كبار الموظفين في وزارته للتفاوض مع شركة وهمية لتنفيذ مشروع على اساس العطاء 1 مليار دولار ربعه يعطى قبل تنفيذ المشروع حيث سيستلمه الوزير الفاسد وموظفيه الثلاثة على أن يحصل نصف المبلغ الوهمي وبقية المبلغ توزع بالتساوي لكل موظف. كم يحصل الوزير وكل موظف من المبلغ المختلس؟
المبلغ الوهمي = ربع مبلغ المشروع = 1/4 × 1 = 1/4 مليار = 250 مليون دولار. الوزير سيستلم = 250/2 = 125 مليون دولار. كل وزير سيحصل = 125/3 = 41.66 مليون. هرب الوزير والموظفين الى الخارج كل في دولة بعد أن حولوا المبالغ الى اسماء أهلهم وأقاربهم.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى عن الفساد "أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ" (ص 28) قال سبحانه على وجه التوبيخ للكفار على وجه الاستفهام "أم نجعل الذين آمنوا" معناه بل أ نجعل الذين صدقوا الله ورسله "وعملوا الصالحات" والطاعات "كالمفسدين في الأرض" العاملين بالمعاصي "أم نجعل المتقين كالفجار" أي بل أ نجعل المتقين الذين اتقوا المعاصي لله خوفا من عقابه كالفجار الذين عملوا بالمعاصي وتركوا الطاعات أي أن هذا لا يكون أبدا.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى عن الفساد "أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ" (ص 28) كما أنّ عدم وجود هدف من خلق العالم يعدّ أمراً مستحيلا، فمن المستحيل أيضاً المساواة بين الصالحين والطالحين، لأنّ المجموعة الاُولى كانت تخطو خطواتها وفق أهداف خلق العالم للوصول إلى الغاية النهائية، بينما كانت المجموعة الثانية تسير بإتّجاه مخالف لمسير المجموعة الاُولى. الواقع أنّ بحث المعاد بكافّة أبعاده قد تمّ تناوله في هذه الآية والآية التي سبقتها بشكل مستدلّ. فمن جهة تقول: إنّ حكمة الخالق تقتضي أن يكون لخلق العالم هدف، وهذا الهدف لا يتحقّق بعدم وجود عالم آخر، لأنّ الأيّام القلائل التي يعيشها الإنسان في هذه الدنيا لا قيمة لها بالنسبة للهدف الرئيسي الكامن وراء خلق هذا العالم الواسع. ومن جهة اُخرى، فإنّ حكمة وعدالة الباري عزّ وجلّ تفرض أن لا يتساوى المحسن والمسيء والعادل والظالم، ولهذا كان البعث والثواب والعقاب والجنّة والنار. وبغضّ النظر عن هذا، فعندما ننظر إلى ساحة المجتمع الإنساني في هذه الدنيا نشاهد الفاجر في مرتبة المؤمن، والمسيء إلى جانب المحسن، ولربّما في أكثر الأحيان نرى المفسدين المذنبين يعيشون في حالة من الرفاه والتنعّم أكثر من غيرهم، فإذا لم يكن هناك عالم آخر بعد عالمنا هذا لتطبيق العدالة هناك، فإن وضع العالم هذا مخالف (للحكمة) و(للعدالة)، وهذا هو دليل آخر على مسألة المعاد. وبعبارة اُخرى، فلإثبات مسألة المعاد ـ أحياناً ـ يمكن الإستدلال عليها عن طريق برهان (الحكمة) وأحياناً اُخرى عن طريق برهان (العدالة)، فالآية السابقة إستدلال بالحكمة، والآية التي بعدها إستدلال بالعدالة.
جاء في كتاب عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية لمؤلفه الشيخ جلال الدين الصغير: وهنا نلحظ في البداية التمييز بين البنية المعنوية للمتقين وهم الذين غلّبوا عنصر التقوى، وبين بنية الفجار"أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ" (ص 28) والسؤال التلقائي الذي يفرض نفسه هو: ما هي حقيقة هذا الجعل؟ وما هي ملازماته؟ وهل هو بوتيرة واحدة؟ أم له سلم موضوعي يتفاضل به متق على آخر، ويتسافل به فاجر عن ثان؟ ولعل الآية الكريمة: "أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" (الجاثية 21) تجيبنا على بعض ما نريده هنا، حيث جعلت اجتراح السيئات وما يعاكسه مجالاً للتفريق بين البنيتين، وهذا التفريق لا تفرد لعالم الآخرة به دون عالم الدنيا كما يتوهم الكثير من الناس، بل هو تفريق موضوعي في الحياة الدنيا قبل عالم الآخرة كما يتضح من ذيل الآية الشريف، ولكن كيف؟ ومحصل هذا التفريق نلحظه في مصاديق هذا الجعل.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat