(حوار مع كاتب وكتاب)1 الكتاب... الإمام الجعفر الصادق عليه السلام زعيم مدرسة أهل البيت عليهم السلام الكاتب.. الدكتور محمد حسين الصغير
علي حسين الخباز
علي حسين الخباز
أحد زعماء مدرسة الإنترنت اليوم ينكر على مدرسة الإمام الصادق عليه السلام نبوغها العلمي، لكونها ارتكزت على تنوع في التخصصات التجريبية في الطب والفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك والنجوم والكون، وسوى ذلك في الفلسفة والجغرافية والتاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع، نريد أن نعرف مرتكزات الحقيقة لنواجه أمثال هذا الادعاء.
الدكتور محمد حسين الصغير:
ـ الحقيقة الأولى.. إن هذا الزخم الهائل من التلامذة والطلاب الذين سعوا لاستثمار حياة الإمام العلمية، فمثلوا بين يديه مستفيدين، بعض المؤرخين يقول إن عددهم تجاوز الآلاف، بينما اختصر بعضهم على حصر العدد بـ 4000، ومن هذا العدد نعرف أن العدد الضخم تجاوز حدود الإحصاء، الحافظ أبو العباس بن عقدة توفى سنه 230 هـ الف كتابا في ترجمة تلامذة الإمام عليه السلام، فكانت عدتهم عنده 4000 تلميذا، شيخ الطائفة الطوسي أبو جعفر محمد بن الحزن توفى 460 هـ أكثر من ثلاثة الألف راوي من تلامذته في الرجال ذكر جملة منهم الذهبي في سير أعلام النبلاء تذكرة الحفاظ وأكد على أبرزهم من المشهورين أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء وكذلك ترجمة سيدنا الإمام الخوئي قدس سره لأكثر من ثلاثة الأف راوٍ في موسوعته الخالدة معجم رجال الحديث في 23 مجلدا، مع ذكر رواياتهم وطرق إسنادها وأعدادها ومواضيعها من كتب الحديث مع التوثيق الدقيق وكشف حال الراوي.
وترجم الأستاذ باقر شريف القرشي (62 30) تلميذا في المجلد السادس من موسوعته (حياه الإمام الصادق) والجميع أشار إلى الأعداد الهائلة من تلامذة الإمام الصادق وأصحابه في كل الفنون.
وأما لماذا أخفى التاريخ هؤلاء التلاميذ؟
ربما خوفا ورهفا وبغضا وكراهية، وهكذا سارت الأمور لكن علماء الإمامية لا أحد فيهم تخطى هذه الظاهرة، هناك مصادر لدينا مطولة مثل رجال الكشي، رجال النجاشي، رجال الشيخ الطوسي، رجال القهبائي، ورجال بحر العلوم، رجال الإمام أغاني، معجم رجال الحديث، خلاصة العلامة حليه الأولياء، فهرست ابن النديم، تذكره الحفاظ النجوم الزاهرة، وهناك الكثير.
قلنا هذه الحقيقة الأولى.
أما الحقيقة الثانية.. حرية الراي والتفكير في مدرسه الإمام الصادق عليه السلام، فقد كان التنظيم الثقافي الذي أبدعه الإمام الصادق عليه السلام يمثل أكاديمية حرة للبحث العلمي، لاسيما في قضايا الفكر المجرد، ما لم يتوفر في أي مدرسة علمية في عصره، وكأنه يعايش العصور المتحضرة التي أتاحت للطلاب حرية البحث والاختيار والتفكير
الإمام الصادق عليه السلام أرسى أساسا رصينا للثقافة العامة، وهيئ لها أسباب الشيوع والانتشار بحيث أصبحت نموذج راق بحرية الرأي وهذا الذي حدث قبل نهاية القرن الثاني الهجري واستفادت الفرق العقلانية المتنورة من هذا المنهج.
فالذي أريد أن أوضح في هذا اللقاء أن المدرسة الجعفرية الجريئة كل الجرأة حينما أعلنت ممارسة المسائل الدينية صفت جنبا إلى جنب المسائل الإنسانية الدنيوية، وكان أثر ذلك أن أصبح علماء الجغرافيا في مختلف القرون يناقشون المسائل في شؤون الدنيا والدين ويثبتونها بقوانين العلم ومبادئه.
انتقلت هذه الطريقة فيما بعد من المذهب الجعفري إلى المذاهب الإسلامية الأخرى التي اجتهدت في إثبات قضاياها على ضوء الدلائل العلمية، أو هكذا حاول أصحابها تبعا لمنهجية الإمام الصادق (عليه السلام) فكان مجلس الإمام الصادق ومدرسته يمثلان منبرا حرا جريئا لتلامذة الإمام (عليه السلام)، لديهم الحرية أن يسألوا عن كل شيء، ولهم أن يعترضوا، ولهم أن يعبروا عن آرائهم وأحاسيسهم بحرية تامة، ولهم أيضا حق المناقشة وطلب الإيضاح بالقدر المعلوم.
علينا أن ننتبه إلى بعض المسائل العلمية التي تأسست على يد هذه المدرسة، لم يكن الإمام عليه السلام ليفرض على تلامذته رأيا معينا ولا كان يطلب منهم الإذعان الرئيسي، ومع ذلك كان الأمر دائما ينتهي بإذعانهم بالنظر إلى الأسلوب العلمي الذي كان الإمام يتوسل به للتدليل على رأيه بالحجة الناصعة والمنطق السليم والبيان الرائق.
صدى الروضتين:
ـ كونك أستاذ أكاديمي وتمتلك رؤية علمية، الذي نريد أن نركز عليه أن لكل مدرسة أسس منهجية تعتمد عليها للنجاح، فالسؤال الذي نريد أن نطرحه اليوم هو ما أسرار نجاح مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) بروح المنهج الاكاديمي
الدكتور محمد حسين الصغير:
ـ حرية البحث أولا، الحرية موجودة في جميع الموضوعات، نالت الثقافة الشيعية من هذه الحرية التي هيأت لها الشيوع والانتشار، أقبل عليه الراغبون في حرية البحث والاستدلال، علينا أن نعرف أن تلامذة الإمام ليسوا على وتيرة واحدة في الأمانة والاستقامة، واضبط النقل فيهم العذول والثقات، وفيهم الضعفاء والمجهولون وفيهم من طلب العلم للأخرة، ومنهم من طلبه للدنيا، هذا أمر طبيعي، فرض إفرازات المجتمع الإنساني في طبقات مختلفة وما هو يكون من أمر أبقى تلامذة تراث الإمام العلمي الحي النابض أن يجري في ميادين الأصالة، بين تلامذة الإمام جمهرة كبيرة من الإعلام والأساتيذ الذين طبق شعاراتهم الدنيا، فكانوا سراجها وضياءها وبهاءها وفي طليعتهم الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام وأبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس، أمام المذهب المالكي والسفيان الثوري وسفيان بن عينيه والكثير من العلماء
أحد أهم أسس النجاح لهذه المدرسة أنه الإمام الصادق عليه السلام منهجيا في وضع تلامذته في الموقع المناسب، كان ينتقي، يختار
لكل فن رجاله وأبطاله، يراعي في ذلك القابلية والولع الخاص، والتخصص الدقيق، فأصحاب القران لعلوم القران، وأصحاب الحديث للحديث الشريف، والمتكلمون لعلم الكلام، وطلاب الفلسفة لميادين الفلسفة، ورجال الفقه للفقه، وهكذا بقيه الفنون، هذا التخطيط في توزيع الواجبات العلمية على أربابها من ذوي التخصص إجراء علمي عظيم، يشيد جبهة فكرية متطورة لا تؤمن بالفرض والحتمية، فحافظ على التوازن العلمي، هذا من أهم أسرار نجاح مدرسة الإمام الصادق عليه السلام في رعاية المناخ النفسي لتربية تلامذته، وإعداد جيل متقدم ينسجم تخصصا مع رغبات الذات، وفي ضوء هذا التوجه المحدد ينطلق كل دارس وباحث ومتعلم، يبدا التلميذ من حيث التسارع على موضوع واحد يحيط بأبعاده كافة كان هذا المنحى من أهم الظواهر الميدانية التي اتسعت لانتشار مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat