صفحة الكاتب : عبد الرضا حمد جاسم

رحلة دون تدخل في كتاب محمد الماغوط/ سأخون بلدي (15) يا شارع الضباب
عبد الرضا حمد جاسم

كلما حلت بالأمة العربية كارثة او مرت عليها ذكرى كارثة و قرأت او سمعت او شاهدت بهذه المناسبة مظاهرة او مسيرة محروسة من جميع الجهات لأنها عفوية يتقدمها صف من وجهاء و اعيان القضية يسيرون معبرين بوجوههم المقطبة المتجهمة عن ذكرى العار القومي او يوم الحداد العالمي دون ان تنزل من عين أي منهم دمعة واحدة سرعان ما اتلمس ما تبقى من شعري و انا أتسائل عما اذا كانت هناك علاقة بالفعل بين الرعب و الاهوال و المفاجئات و بين نمو الشعر؟ لأنه اذا كانت مثل هذه العلاقة موجودة فعلاً فمعنى ذلك انه لن ينقضي العام الأول من الثمانينات الا و أكون مثل "بول بريمر" تماماً وفيما كنت اشير تحت المطر لأي سيارة تاكسي لكي تنقلني الى أي مكان في هذا الليل البهيم و اذا بشاعر تقدمي يبرز لي من الضباب و يبادرني بلهفة... أين انت يا رجل؟ عندي حفلة تعارف صغيرة في البيت و حبذا لو تقبل دعوتي.

قلت مستغرباً ...من الحضور؟

قال: وفد صداقة من الدول الاشتراكية و يسعدني ان تتعرف اليهم.

قلت : آسف.

قال: و لكن هناك الكثير من الفودكا و العشاء "فيليه" من فخذ الغزال جئت به خصيصاً من أعماق السهول الروسية.

قلت: تقصد انه غزال تقدمي؟

قال ضاحكاً، تقريباً.

قلتُ: حسناً لن اذهب ولو كان العشاء فيليه من فخذ بريجنيف.

قال: اهو موقف؟

قلتُ: ابداً كل ما هنالك اني لبيت دعوة من هذا النوع من قبل و اقسمت ان لا اعيدها اذ شربنا نخب كل الأحزاب و القوى و التجمعات التقدمية في اوروبا و أمريكا.

حتى جاء الخبز و الملاعق و نخب كل الثورات في اسيا و افريقيا و حتى جاءت السلطة و هذا كان منذ سنتين فما بالك الان و العالم يبيض ثورات؟

قال: لا...لا انت غاضب لسبب اخر، رفع العلم الإسرائيلي في سماء مصر، لا تحزن يا صديقي و لا تتشاءم، اتفاقيات كامب ديفيد و نظام السادات و الحلف الامبريالي كله سيسقط.

قلت بلهفة: كيف؟

قال بإرادة الشعوب و قواها التقدمية و سوف تعود فلسطين الى أهلها

قلت: اليس هو الشعار المطروح منذ عام 1948 قبل الميلاد؟

قال: نعم

قلتُ: في هذه الحالة ارجو ان تبلغ صديقي الشاعر يوسف الخطيب ان لا يوجه لي الدعوة لتناول الغداء في يافا او حيفا كما فعل صبيحة حرب حزيران

قال: بل ستحضر و تكون في طليعة المدعوين

قلتُ: لا احب الظهور و اذا كان لا بد فسأجلس على طرف المائدة

قال منشرحاُ: و الان ما علينا الا دعم و تأييد التدخل السوفييتي في شؤون أفغانستان بناء على طلب حكومتها لان القضية العربية مربوطة جدلا بما يجري في أفغانستان و هذا تعليق لكاتب تقدمي إنكليزي مصداقا لما تقول و بعد ان القيت التعليق دون ان انظر اليه، تقدم و من خلال الضباب أيضا طليعي اخر و بادرني معاتبا" رأيتك تتحدث مع واحد من جماعة موسكو و هم مشبوهون ومرتهنون لاي نظام و الماركسية اللينينية منهم براء فللوقوف في وجه الامبريالية أعدموا ملايين الفلاحين في بداية الثورة لياكلوا خبزهم في نهايتها من حقول الامبريالية و بالرجاء و التوسل و هذا كتاب لريجيس دوبريه يؤيد هذه المقولة من اول سطر، و ما ان اتبعت الكتاب بالتعليق الذي سبقه حتى برز لي من الضباب أيضا ناقد متطرف و قال: لقد رايتك تتحدث مع واحد من جماعة "ماو" انهم منحرفون مزيفون للعقيدة الماركسية اللينينية. لقد ابادوا العصافير في بلادهم ليتحولوا هم الى عصافير على اغصان الامبريالية و كل ما يفعلونه الان هو الزقزقة عن الاشتراكية و هذه مقابلة مع رودنسون تفضح اكاذيبهم و عمالتهم.

و ما كاد ينصرف حتى كنت وجها لوجه مع من اقصى أقصى اليسار و قد بادرني مزبدا مرغيا: لقد رايتك تتحدث مع واحد من جماعة تروتسكي و هي جماعة منقرضة و مشكوك بأمرها منذ زمن بعيد و عليك ان تنتظر نهايتهم جميعا

قلت: لم يعد عندي جلد حتى لانتظار باص

قال: ان ما يحتاجه العالم الان هو يسار يكتسح الأخضر و اليابس و هو في طور التكوين فكل الشارع العربي يساري

قلت: نعم الشارع يساري و الازمة يمينية

قال: انت مضلل و مسكين و بحاجة الى من يرشدك و يحميك . هل تنظم الينا؟

قلت: ابعدني عن السياسة ارجوك

قال: حسنا هناك لجنة أدبية و ليست سياسية للدفاع عن حرية الكاتب العربي و هي يسارية. ما رأيك؟

قلت: لجنة يسارية تنبت هكذا فجأة للدفاع عن الكاتب العربي، عن الفلاح العربي، عن الكندرجي العربي لن انتسب اليها قبل ان اعرف بالضبط كم عدد أعضائها و كم دولارا رأسمالها

فصرخ مزمجرا. أمريكا. أمريكا..اللعنة على أمريكا انها وهم. انظر ما جرى و يجري لها في ايران و أفغانستان و السلفادور و بوغوتا على ايدي شعوبها و نحن جزء من هذا العالم المتفجر و عليك " شئت ام ابيت" ان تنتظر الثورة العربية الشاملة.

قلت مذعوراً: تقصد ان الثورات التي مرت علينا كانت " أكل هواء" مقدمات و ان الضربة الكبرى لم تأتي بعد؟

قال : طبعاً ان الماركسية اللينينية ستنتصر و سوف تحقق الرفاه المبرمج و التوازن بين الدخل و الانفاق والانفاق الإنتاج لان راس المال...

قاطعته متوسلاً... و انا اهم بالانصراف.." اخي امنوا لي خبزاتي و دخاناتي كل يوم و صندلين لولدي كل سنتين و انا ممنون شوارب ماركس و لينين و انغلز و اسبارتاكوس".

...................................

التالية (16) شجار عائلي

من كتاب سأخون وطني لمحمد الماغوط


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الرضا حمد جاسم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/12/01



كتابة تعليق لموضوع : رحلة دون تدخل في كتاب محمد الماغوط/ سأخون بلدي (15) يا شارع الضباب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net