عندما يفرض مشروع المقاومة منطقه على الغرب
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

المقاومة الإسلامية التي تتابع تأسيسها من سنة 1982 إلى 1992، وما تمخّضت جهود متعهّديها بعد ذلك، هي مشروع الإمام الخميني، منذ بداية تسلّمه قيادة إيران الإسلامية، بعد انتصار ثورتها، فبادر إلى طرد السفارة الصهيونية بطهران، وإعطاء مقرّها إلى منظمة التحرير الفلسطينية، لتصبح سفارة فلسطين إلى اليوم، وبعملية جراحية بليغة قام أبناؤها بأمر منه باحتلال مقر السفار الأمريكية الذي أطلق عليه الإيرانيون وكر الجاسوسية قبل أن يكتشف الثوار الإيرانيون عشرات آلاف الوثائق التي أكّدت على دور الجوسسة الذي كانت تمارسه السفارة بكامل طاقمها، في عملية استباقية قطعا ليده القذرة من إيران أخذ فيه الطلبة الثوريون طاقمها رهائن استمر أسرهم 444 يوما أُرْغِم فيه أنف أمريكا المستكبرة، ومن كان يجرؤ على ذلك غير الخميني وأبناؤه.
منذ ذلك الحين فهِمَ المتابعون والمراقبون، أن الزمان الذي بدأ بانتصار الثورة الإسلامية، هو مقدّمة لأفول أمريكا، وإذلالها عن طريق هذا القائد العظيم، لم يحدث من قبلُ، فهزيمة الأمريكيين في فيتنام تعتبر مقبولة سياسيا وشعبيا، بالمقارنة إلى هذا الإذلال الغير متوقّع، الذي حصل في طهران يوم 4/11/1979 (1)، وعلى أيدي رجال ليس لديهم القوّة المادّية التي تمتلكها أمريكا، ولكن كان لديهم قوّة الإيمان بأنهم أصحاب حق، تحدوهم عزيمة راسخة بأنّهم يسيرون في ركب الله، ويعملون في سبيله من أجل إعلاء كلمته، ومن كان على منهاج ولايته، مثل هؤلاء الذين بدأوا بصناعة تاريخ جديد مُشرّف لإيران تحت ظلّ الإسلام، فقطعا سينتصرون، ويفرضون كلمة الله مهما كان حجم العدوّ.
واستعراضا لتاريخ هذا المحور المبارك، نلاحظ تطوّرا ملموسا له، فعلى الميدان رأينا جميعا- رغم تشكيك المشككين- كيف انتقلت حركات المقاومة تدريجيا بعد تأسيسها، من طور إلى آخر مُبَرْهِنة على جدوائيتها وضرورتها، كحلّ لا بديل عنه من أجل تحرير فلسطين، والمواجهات التي خاضتها حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، برهنت على أنّ طريق المقاومة الذي دعا إليه روح الله، هو الأسلوب الأنجع والأنجح، المؤدّي حتما إلى تحرير فلسطين، وليس هناك سبيل آخر لبلوغ غاية وهدف الشعب الفلسطيني والقوى المناصرة له بغير المقاومة.
وقد عرفنا تاريخيا عجز الآلهة العسكرية الإسرائيلية، المدججة بالطائرات والدبابات، وأحدث الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، عن اختراق قطاع غزة فضلا عن اجتياحه، وآخره طوفان الأقصى الذي أثبت بالدليل، أن العدوّ الإسرائيلي لا يفهم بغير منطق القوّة، وأنّ القوّة العسكرية هي لغة تخاطب هذا العصر، ومن لم يمتلك قوّة عسكرية داسته قوى الغرب الكبرى المتبجحة بتعاظم قواتها، والمستعرضة على العالم ببجاحة قُدُراتها، في سياسة استكبار وإرهاب للدول والشعوب الضعيفة لا يشعر بها سوى العارفون بحقائق ما يجري على الساحة العالمية، برّا في شكل قواعد عسكرية وبحرا، في شكل بوارج وقطع حربية متنوعة تمخض أعالي البحار.
يمكن القول أخيرا أن أهداف إسرائيل من القضاء على حماس بقطاع غزّة قد سقطت وبقيت حقيقة واحدة تقول هناك أن إرادة الشعب الفلسطيني تبقى فوق إرادة قوات الاحتلال وقيادته الحمقاء، المقاومة باقية بقاء استحقاق عدالة قضيتهم، وبقاء المستوطنين بعيدين عن مستوطناتهم في غلاف غزّة بحدّ ذاته انجاز كبير فضلا من مواصلة فصائل المقاومة عملها الجهادي هناك، وبقاء تهديدها قائما وإن تناقصت وتيرته بفعل الحصار الظالم المضروب على القطاع منذ 17 سنة (2).
دخول حزب الله في المواجهة مؤازرة لإخوانه في غزّة، ومعهم أنصار الله في اليمن، أعطى مجالا آخر لفك معاناة إخوانهم المقاومين هناك، وأربك حسابات إسرائيل في الاستفراد بالحركات واحدة بعد الأخرى، وفضل طوفان الأقصى هنا أنّه وحّد ساحات المقاومة، واقصى ما فعلته إسرائيل بعنجهيتها انها قتلت عشرات آلاف المدنيين ودمّرت مدنهم دون أن تحقق شيئا مما كانت تأمله في عودة المستوطنين إلى مستوطناتهم في الشمال، وأدهى من ذلك أن وسط فلسطين المحتلة وتلّ الربيع لم تعد آمنة، فبالأمس الأول بات ملايين الإسرائيليين في الملاجئ في ليلة حمي فيها وطيس قوات حزب الله الصاروخية، فأمطرت مناطق منتخبة بأكثر من 400 صاروخ، تسفيها لمزاعم الناطق العسكري للقوات الإسرائيلية بأنه تم القضاء على 90 % من قدرات حزب الله العسكرية، وإذا بمنطقة الخيام المتاخمة للحدود الفلسطينية الشمالية تضرب موعدا مع البطولة والشجاعة والفداء، وتكبّد العدوّ خسائر فادحة في العدد والعتاد، فينقلب على أعقابه مندحرا خائبا منكسرا، تتهافت عناصره مرعوبة مما ليقيته من قوة صدّ نارية لم يتوقعوها.
لقد كان الهدف من الهجوم الإسرائيلي إعادة المستوطنين إلى مستوطناتهم في الشمال، لكنه بعد مرور شهر على اعلان الهجوم البري، لم يتحقّق شيء من ذلك، بل إنّ وضع الإسرائيلي في عاصمة احتلاله أصبح غير آمن، وفيه يحتاج ملايين الصهاينة إلى الذهاب الى الملاجئ كل ليلة، بعد دويّ صفارات الإنذار، وهو وضع لا يمكن لهؤلاء العنصريين تحمّله أكثر مما تحمّلوه، وهو ما استدعى تدخلا أمريكا فرنسيا غربيا، من أجل انقاذ إسرائيل مما أوصلها إليه ناتنياهو وحكومته المجرمة.
إذا نحن أمام مشروع تضييق دائرة الحرب، بعد أن كنّا نأمل مواصلتها، حتى ننتهي من إسرائيل التي وعدنا الله القضاء عليها، بأيدي المؤمنين من عباده الصالحين، مشروع وقف إطلاق النار بالشروط التي أرادها حزب الله وبقية قوى المقاومة، بما فيه فك الحصار وإنهاء العدوان على غزّة، هو في حدّ ذاته انتصار كبير، ستَبني عليه المقاومة غدا مستقبلا مأمولا، تستكمل فيه أهدافها، من التحرير الكامل لفلسطين، بحيث لا يبقى شبر واحد تحت سيطرة صهيوني مهما كانت التضحيات.
موافقة ناتنياهو على وقف إطلاق النار مبدئيا مع حزب الله في الساعات الأخيرة – لعلّها بعد قصف حزب الله فلسطين المحتلة ب400 صاروخ ليلة أمس الأول- لم يأتي من باب تلطّفه بلبنان أو الحزب، بل جاء رضوخا لواقع أبْلَغه إليه قادته العسكريون، بأنّ خسار جيشهم في العدّة والعدد، بلغت حدّا لا يمكن تحمّله، وأنّ استمرارهم في الهجوم على جنوب لبنان، سيزيد من حجم خسائرهم البشرية والعتاديّة، خصوصا وأن فصل الشتاء قد دخل حيث تتكثف السحب ويتعطل الطيران الحربي الصهيوني، وتبقى المبادرة لحزب الله في نصب الكمائن واطلاق الصواريخ والمسيّرات الإنقضاضية، مما سيزيد من كلفة الخسائر الإسرائيلية على الحدود اللبنانية، دون أن تنجح في تحقيق شيء من الأهداف المرسومة، ومنها بلوغ ضفة نهر الليطاني، وعودة المستوطنين إلى مستوطناتهم بشمال فلسطين المحتلة.
يبدو أنّ عملية انقاذ إسرائيل باتفاق قد يكون متنفّسا لها، لكن ماذا لو نفّذت إيران وعدها الصادق 3؟ كل شيء أصبح اليوم مفتوحا على جميع الإحتمالات، وفي نظري فإن الاتفاق هو استراحة محارب لتتواصل الحرب مجددا، فهي حرب وجود بالأساس.
المراجع
1 – أزمة رهائن إيران
https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – حصار غزّة
https://ar.wikipedia.org/wiki/
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat