صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

أنصار العراق لايوائهم أهل لبنان (ح 25) (مستهم البأساء والضراء)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" ﴿البقرة 214﴾ الصعاب والمشاقّ سنّة إلهية: يبدو من الآية الكريمة أنّ جماعة من المسلمين كانت ترى أنّ إظهار الإيمان بالله وحده كاف لدخولهم الجنّة، ولذلك لم يوطنوا أنفسهم على تحمّل الصعاب والمشاقّ ظانّين أنه سبحانه هو الكفيل بإصلاح أُمورهم ودفع شرّ الأعداء عنهم. الآية تردّ على هذا الفهم الخاطىء وتشير إلى سنّة إلهية دائمة في الحياة، هي أنّ المؤمنين ينبغي أن يعدّوا أنفسهم لمواجهة المشاقّ والتحدّيات على طريق الإيمان ليكون ذلك اختباراً لصدق إيمانهم، ومثل هذا الإختبار قانون عامّ سرى على كلّ الاُمم السابقة. ويتحدّث القرآن الكريم عن بني إسرائيل ـ مثلاً ـ وما واجهوه من مصاعب بعد خروجهم من مصر ونجاتهم من التسلّط الفرعوني، خاصّة حين حوصِروا بين البحر وجيش فرعون، فقد مرّوا بلحظات عصيبة فقدَ فيها بعضهم نفسه، لكن لطف الله شملهم في تلك اللحظات ونصرهم على أعدائهم. وهذا الذي عرضه القرآن عن بني إِسرائيل عامّ لكلّ "الذين خلوا من قبلكم" وهو سنّة إلهيّة تستهدف تكامل الجماعة المؤمنة وتربيتها. فكلّ الاُمم ينبغي أن تمرّ في أفران الأحداث القاسية لتخلص من الشوائب كما يخلص الحديد في الفرن ليتحوّل إلى فولاذ أكثر مقاومةً وأصلب عوداً. ثمّ ليتبيّن من خلال هذا الإختبار من هو اللائق، وليسقط غير اللائق ويخرج من الساحة الإجتماعية. المسألة الأُخرى التي ينبغي التأكيد عليها في تفسير هذه الآية: أنّ الجماعة المؤمنة وعلى رأسها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ترفع صوتها حين تهجم عليها الشدائد بالقول "متى نصر الله"؟، وواضح أنّ هذا التعبير ليس اعتراضاً على المشيئة الإلهية، بل هو نوع من الطلب والدعاء. فتقول الآية "أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضرّاء". وبما أنّهم كانوا في غاية الإستقامة والصبر مقابل تلك الحوادث والمصائب، وكانوا في غاية التوكّل وتفويض الأمر إلى اللّطف الإلهي، فلذلك تعقّب الآية "ألا أنّ نصر الله قريب". (بأساء) من مادّة (بأس) وكما يقول صاحب معجم مقاييس اللّغة أنّها في الأصل تعني الشّدة وأمثالها، وتُطلق على كلّ نوع من العذاب والمشّقة، ويُطلق على الأشخاص الشّجعان الّذين يخوضون الحرب بضراوة وشدّة (بأيس) أو(ذو البأس). وكلمة (ضرّاء) كما يقول الرّاغب في مفرداته هي النقطة المقابلة للسرّاء، وهي ما يُسرّ الإنسان ويجلب له النفع، فعلى هذا الأساس تعني كلمة ضرّاء كلّ ضرر يُصيب الإنسان، سواءً في المال أو العرض أو النفس وأمثال ذلك. جملة (متى نصر الله) قيلت من قبل النبي والمؤمنين حينما كانوا في منتهى الشّدة والمحنة، وواضح أنّ هذا التعبير ليس اعتراضاً على المشيئة الإلهيّة، بل هو نوع من الطلّب والدعاء، ولذلك تبعته البشارة بالإمداد الإلهي. وما ذكره بعض المفسرين من احتمال أن تكون جملة "متى نصر الله" قيلت من طرف جماعة من المؤمنين، وجملة "ألا إنّ نصر الله قريب" قيلت من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعيد جدّاً. وعلى ايّة حال، فإنّ الآية أعلاه تحكي أحد السنن الالهيّة في الأقوام البشريّة جميعاً، وتنذر المؤمنين في جميع الأزمنة والأعصار أنّهم ينبغي عليهم لنيل النّصر والتوفيق والمواهب الاُخرويّة أن يتقبّلوا الصّعوبات والمشاكل ويبذلوا التضحيّات في هذا السبيل، وفي الحقيقة إنّ هذه المشاكل والصّعوبات ما هي إلاّ إمتحان وتربية للمؤمنين ولتمييز المؤمن الحقيقي عن المتظاهر بالإيمان. وعبارة "الّذين خلوا من قبلكم" تقول للمسلمين: أنّكم لستم الوحيدين في هذا الطريق الّذين ابتليتم بالمصائب من قِبَل الأعداء، بل أنّ الأقوام السّالفة ابتُلوا أيضاً بهذه الشدائد والمصائب إلى درجة أنّهم مسّتهم البأساء والضرّاء حتّى استغاثوا منها. وأساساً فإنّ رمز التكامل للبشريّة أن يُحاط الأفراد والمجتمعات في دائرة البلاء والشّدائد حتّى يكونوا كالفولاذ الخالص وتتفتّح قابليّاتهم الداخليّة وملكاتهم النفسانيّة ويشتد إيمانهم بالله تعالى، ويتميّز كذلك المؤمنون والصّابرون عن الأشخاص الإنتهازيّين، ونختتم هذا الكلام بالحديث النبوي الشريف: يقول (الخبّاب ابن الأرت) الّذي كان من المجاهدين في صدر الإسلام: قال قلنا يا رسول الله ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه. ثمّ قال: والله ليتمن هذا الأمر حتّى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلاّ الله والذئب على غنمه وكلّكم يستعجلون).

جاء في كتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم: إلا أن لكم أسوة بنبيكم العظيم، وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأوليائهم المخلصين، حيث استهدفتهم الدنيا بمحنها وبلائها ومصائبها وأرزائها. مشردون نفوا عن عقر دارهم كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر. وتلك سنة الله تعالى في الدني، حيث اختص أولياءه فيها بالبلاء والعناء، حتى صارت الدنيا لهم سجن، كما ورد في أحاديث كثيرة. وقد قال عز من قائل: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ" (البقرة 214). كما تظافرت الأحاديث الشريفة بمحنة المؤمنين، وتعرضهم للبلاء، خصوصاً في عصر غيبة قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه. ففي حديث الكتاب الذي أنزله الله تعالى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسماء الأئمة عليهم السلام قال في آخره عند التعرض لحال المؤمنين في عصر الغيبة: "فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشوا الويل والرنين في نسائهم، أولئك أوليائي حق، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأدفع الآصار والأغلال. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون". وليس ذلك من الله سبحانه وتعالى استهواناً بهم، وامتهاناً لهم، واستصغاراً لشأنهم، بل استهواناً بالدنيا واحتقاراً له، حتى ورد عن المعصومين صلوات الله عليهم: "لو عدلت الدنيا عند الله عزوجل جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء". ولأن عباده المؤمنين أهل لتحمل المسؤولية، والثبات على المبد، والصبر على المكاره. وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إنا صبر وشيعتنا أصبر من، قلت: جعلت فداك، كيف صار شيعتكم أصبر منكم؟ قال: لأنا نصبر على ما نعلم وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون". وخصوصاً المؤمنين في عصر الغيبة، فقد تظافرت الأحاديث في الثناء عليهم وفي بعضها أن الله لو لم يعلم أن في المؤمنين من أهل البصائر من يثبت على القول بإمامة الحجة صلوات الله عليه في غيبته لما غيبه عنهم. وفي حديث أبي خالد الكابلي عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: "يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره عليه السلام أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة، ما صارت به الغيبة عنهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حق، وشيعتنا صدق، والدعاة إلى دين الله سراً وجهراً". إلى غير ذلك من الأحاديث في هذا المجال.

معرفة حقوق الله جل جلاله"أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة 214) فالنصر والجنة لا يأتيان بدون جهد وعطاء، والزكاة نوع من العطاء. فان الربح والخسارة في الدنيا ليس بالمفهوم المادي الذي يتصوره البعض وانما الربح هو الاصرار والصبر على الوقوف بجانب المبدأ الحق حتى وان ادى ذلك الى الموت، والانتصار هو خلود الذكر في الدنيا ولدار الاخرة هي الحياة السعيدة الابدية. قال الله تبارك وتعالى "وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت 64).

عن وكالة الأنباء العراقية وزير الاقتصاد اللبناني يحصي بالأرقام مساعدات العراق إلى لبنان بتأريخ 16 أكتوبر 2024: أكد وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، اليوم الأربعاء، أن مساعدات العراق تكفي لسبعة أشهر، مشيرا إلى أن العراق قدم 200 ألف طن من الحنطة لتأمين حاجة لبنان. وقال سلام للعراقية الإخبارية- تابعته وكالة الأنباء العراقية (واع): إن "الحرب تسببت بنزوح أكثر من مليون و200 ألف مواطن"، مبينا، أن "هناك خسائر كبيرة في عدد من القطاعات جراء العدوان". وأضاف، أن "العراق ساعد لبنان على الصمود"، مشددا على، "ضرورة العمل لوقف العدوان". وذكر، أن "العراق قدم 200 ألف طن من الحنطة لتأمين حاجة لبنان"، لافتا إلى، أن "العراق دائما يقف لمساعدة لبنان". وبين، أن "مساعدات العراق تكفي لسبعة أشهر"، مشيرا إلى، أن "العراق مستمر بإغاثة لبنان".


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/11/23



كتابة تعليق لموضوع : أنصار العراق لايوائهم أهل لبنان (ح 25) (مستهم البأساء والضراء)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net