صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

قانون العفو العراقي: المثل بالمثل في القرآن الكريم (ح 15)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

اذا كان البيع ليس مثل الربا أي لا تزيد عن القيمة باتفاق مخالف لشرع الله، فالمقايضة بين الكتل النيابية بأن كتلة توافق على العفو على قاتل أو سارق أموال الدولة الخاصة بالناس أو تاجر مخدرات على أن توافق كتلة أخرى على شيئ آخر، مع ان أصحاب المقتول أو الذين سرقت أموال دولتهم أو مبتلي مدمني المخدرات لم يعفو عن المجرمين. جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تعالى عن مِثْلَ "ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ" ﴿البقرة 275﴾ بيان لزعمهم الباطل الذي سوغ لهم التعامل بالربا، ورد عليه بما يهدمه. واسم الإشارة (ذلك) يعود إلى الأكل أو إلى العقاب الذي نزل بهم. والمعنى: ذلك الأكل الذي استحلوه عن طريق الربا، أو ذلك العذاب الذي حل بهم والذي من مظاهره قيامهم المتخبط، سببه قولهم إن البيع الذي أحله الله يشابه الريا الذي نتعامل به في أن كلا منهما معاوضة. قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا قيل إنما الربا مثل البيع لأن الكلام في الربا لا في البيع، فوجب أن يقال إنهم شبهوا الربا بالبيع فاستحلوه وكانت شبهتهم أنهم قالوا: لو اشترى الرجل الشيء الذي لا يساوى إلا درهما بدرهمين جاز، فكذلك إذا باع درهما بدرهمين؟ قلت: جيء به على طريق المبالغة. وهو أنه قد بلغ من اعتقادهم في حل الربا أنهم جعلوه أصلا وقانونا في الحل حتى شبهوا به البيع). وقوله: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا" جملة مستأنفة، وهي رد من الله- تعالى- عليهم، وإنكار لتسويتهم الربا بالبيع. قال الآلوسى: وحاصل هذا الرد من الله- تعالى- عليهم: أن ما ذكرتم- من أن الربا مثل البيع- قياس فاسد الوضع لأنه معارض للنص فهو من عمل الشيطان، على أن بين البابين فرقا، وهو أن من باع ثوبا يساوى درهما بدرهمين فقد جعل الثوب مقابلا لدرهمين فلا شيء منهما إلا وهو في مقابلة شيء من الثواب. وأما إذا باع درهما بدرهمين فقد أخذ الدرهم الزائد بدون عوض، ولا يمكن جعل الإمهال عوضا إذ الإمهال ليس بمال في مقابلة المال).

جاء في معاني القرآن الكريم: مثل أصل المثول: الانتصاب، والممثل: المصور على مثال غيره، يقال: مثل الشيء. أي: انتصب وتصور، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يمثل له الرجال فليتبؤأ مقعده من النار) (عن ابن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يمثل له عباد الله قياما فليتبوأ مقعده من النار) أخرجه أحمد 4/91، وأبو داود برقم (5229)، والترمذي، وقال: حديث حسن (انظر: عارضة الأحوذي 10/213) ). والتمثال: الشيء المصور، وتمثل كذا: تصور. قال تعالى: "فتمثل لها بشرا سويا" (مريم 17) والمثل عبارة عن قول في شيء يشبه قولا في شيء آخر بينهما مشابهة، ليبين أحدهما الآخر ويصوره. نحو قولهم: الصيف ضيعت اللبن (المثل يضرب لمن يطلب شيئا قد فوته على نفسه).

على نواب البرلمان العراقي أن لا يسمعوا قول الذين يساندون اخراج القتلة والفاسدين وتجار المخدرات وكبار السراق على أن الدولة الفلانية أو العراق في الزمن الفلاني اصدر قانون عفو وعفا عن مثل هؤلاء المجرمين، ثم يطلبوا مقايضة قانون العفو بقانون آخر، فعليكم برفض اخراج هؤلاء المجرين استنادا الى المثل بالمثل على الحق لأرجاعه الى المظلومين وليس الباطل الذين يساندون اخراج القتلة وكبار السراق وتجار المخدرات، فان الله تعالى بيده الفضل. جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن مِثْلَ "وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ ۗ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" ﴿آل عمران 73﴾ قوله تعالى: "ولا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ" "الخ"، الذي يعطيه السياق هو أن تكون هذه الجملة من قول أهل الكتاب تتمة لقولهم: "آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا"، وكذا قوله تعالى: "أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ"، ويكون قوله: "قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ" جملة معترضة هو جواب الله سبحانه عن مجموع ما تقدم من كلامهم أعني قولهم: "آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ" إلى قوله "دِينَكُمْ"، على ما يفيده تغيير السياق، وكذا قوله تعالى قل إن الفضل بيد الله جوابه تعالى عن قولهم: "أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ" إلى آخره، هذا هو الذي يقتضيه ارتباط أجزاء الكلام واتساق المعاني في الآيتين أولا، وما تناظر الآيتين من الآيات الحاكية لأقوال اليهود في الجدال والكيد ثانيا. والمعنى والله أعلم أن طائفة من أهل الكتاب - وهم اليهود - قالت أي قال بعضهم لبعض: صدقوا النبي والمؤمنين في صلاتهم وجه النهار إلى بيت المقدس ولا تصدقوهم في صلاتهم إلى الكعبة آخر النهار، ولا تثقوا في الحديث بغيركم فيخبروا المؤمنين أن من شواهد نبوة النبي الموعود تحويل القبلة إلى الكعبة فإن في تصديقكم أمر الكعبة وإفشائكم ما تعلمونه من كونها من أمارات صدق الدعوة محذور أن يؤتى المؤمنون مثل ما أوتيتم من القبلة فيذهب به سوددكم ويبطل تقدمكم في أمر القبلة، ومحذور أن يقيموا عليكم الحجة عند ربكم أنكم كنتم عالمين بأمر القلبة الجديدة شاهدين على حقيته ثم لم تؤمنوا. فأجاب الله تعالى عن قولهم في الإيمان بما في وجه النهار والكفر في آخره وأمرهم بكتمان أمر القبلة لئلا يهتدي المؤمنون إلى الحق بأن الهدى الذي يحتاج إليه المؤمنون الذي هو حق الهدى إنما هو هدى الله دون هداكم، فالمؤمنون في غنى عن ذلك فإن شئتم فاتبعوا وإن شئتم فاكفروا وإن شئتم فأفشوا وإن شئتم فاكتموا. وأجاب تعالى عما ذكروه من مخافة أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا أو يحاجوهم عند ربهم بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء لا بيدكم حتى تحبسوه لأنفسكم وتمنعوا منه غيركم، وأما حديث الكتمان مخافة المحاجة فقد أعرض عن جوابه لظهور بطلانه كما فعل كذلك في قوله تعالى في هذا المعنى بعينه: "وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ" (البقرة 76-77)، فقوله: "أَوَلَا يَعْلَمُونَ"، إيذان بأن هذا القول بعد ما علموا أن الله لا يتفاوت فيه السر والعلانية كلام منهم لا يستوي على تعقل صحيح، وليس جوابا لمكان الواو في قوله: أولا يعلمون. وعلى ما مر من المعنى فقوله تعالى: "ولا تُؤْمِنُوا" معناه، لا تثقوا ولا تصدقوا لهم الوثاقة وحفظ السر على حد قوله تعالى: "وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ" (التوبة 61)، والمراد بقوله لمن تبع، اليهود. والمراد بالجملة النهي عن إفشاء ما كان عندهم من حقية تحويل القبلة إلى الكعبة كما مر في قوله تعالى: "فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" - إلى أن قال: "وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ" إلى أن قال: "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (البقرة 144-146). وفي معنى الآية أقوال شتى دائرة بين المفسرين كقول بعضهم: إن قوله تعالى: "ولا تُؤْمِنُوا" إلى آخر الآية كلام لله تعالى لا لليهود، وخطاب الجمع في قوله: "ولا تُؤْمِنُوا"وقوله: "ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ" جميعا للمؤمنين، وخطاب الإفراد في قوله: قل، في الموضعين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقول آخرين بمثله إلا أن خطاب الجمع في قوله: "أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ"، لليهود في الكلام عتاب وتقريع. و قول آخرين إن قوله: "ولا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ" من كلام اليهود، وقوله: "قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ" "الخ" كلام لله تعالى جوابا عما قالته اليهود، وكذا الخلاف في معنى الفضل أن المراد به الدين أو النعمة الدنيوية أو الغلبة أو غير ذلك. وهذه الأقوال على كثرتها بعيدة عما يعطيه السياق كما قدمنا الإشارة إليه ولذا لم نشتغل بها فضل اشتغال. وعلى هذا فقوله: "إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ"، من قبيل الإيجاز بالقناعة بكبرى البيان القياسي، والتقدير: قل إن هذا الإنزال والإيتاء الإلهي الذي تحتالون في تخصيصه بأنفسكم بالتظاهر على الإيمان والكفر، والإيصاء بالكتمان أمر لا نستوجبه معاشر الناس على الله تعالى بل هو من الفضل، والفضل بيد الله الذي له الملك وله الحكم فله أن يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. ففي الكلام نفي ما يدل عليه قولهم وفعلهم من تخصيص النعمة الإلهية بأنفسهم بجميع جهاته المحتملة فإن تنعم بعض الناس بفضل الله تعالى دون البعض كتنعم اليهود بنعمة الدين والقبلة، وحرمان غيرهم إما أن يكون لأن الفضل منه تعالى يمكن أن يقع تحت تأثير الغير فيزاحم المشية الإلهية، ويحبس فضله عن جانب، ويصرفه إلى آخر، وليس كذلك فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. وإما أن يكون لأن الفضل قليل غير واف والمفضل عليهم كثيرون فيكون إيتاؤه على البعض دون البعض يحتاج إلى انضمام مرجح فيحتال إلى إقامة مرجح لتخصيص البعض الذي ينعم عليه، وليس كذلك فإن الله سبحانه واسع الفضل والمقدرة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/11/21



كتابة تعليق لموضوع : قانون العفو العراقي: المثل بالمثل في القرآن الكريم (ح 15)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net