صفحة الكاتب : د . رعد هادي جبارة

فهم القرآن يتطلب التدبر فيه
د . رعد هادي جبارة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 خصوصية المفردة القرآنية 18     
    📍قد يظن البعض أن من يكتب عن الألفاظ و دقتها ويبحث في خصوصية المفردة القرآنية ربما يقوم بعمل عديم الأهمية أو يمارس ترفاً فكرياً.هذا الظن بعيد عن الحق والصواب بُعد المشرقين.
📍فالله عز وجل هو أول من فتح باب [قل و لا تقل]وليس العلامة الراحل الدكتور مصطفى جواد رحمه الله تعالى. 
📍قال عز وجل؛
*{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَ لِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة/104)* فنهى المسلمين عن استخدام كلمة [راعنا] وطلب منهم استبدالها بـ[انظرنا].
📍وعلى سبيل المثال: عندما ننظرالى قوله عز وجل [وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ] (الشعراء 224) يظن البعض أنه قد فهمها وأنها ليست بحاجة إلى تفسير.بينما نجد الرواية الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام في [تفسير البرهان: ج5] تقول: (عن حماد بن عثمان عن الإمام الباقر عليه السلام في قول الله عزّ وجل {والشعراء يتّبعُهم الغاوون} قال: هل رأيت شاعراً يتّبعهُ أحد ؟ إنّما هم قوم تفقّهوا لغير الدين فضلّوا وأضلّوا) إنّما عنى هؤلاء الفقهاء الذين يُشعرون قلوب الناس بالباطل، فهم (الشعراء) الذين يُتّبَعون  ، والشعراء اتضح مصداقهم في تفسير علي بن إبراهيم قال: (نزلت في الذين غيّروا دين الله بآرائهم، وخالفوا أمر الله، هل رأيت شاعراً قط يتّبعه أحد؟ إنّما عنى بذلك الذين وضعوا دينهم بآرائهم فتبعهم على ذلك الناس ويُؤكّد ذلك، قوله {ألم ترَ أنّهم في كلّ وادٍ يهيمون}.يعني يُناظِرون بالأباطيل، ويُجادلون بالحُجج المُضلّة وفي كلّ مذهب يذهبون. {وأنّهم يقولون ما لا يفعلون} قال: يعظون الناس ولا يتّعظون، وينهون عن المنكر ولا ينتهون، و يأمرون بالمعروف ولا يعملون...). 
📍ولو نظرنا إلى الآية الكريمة[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ] (النساء43)وتساءلنا:
ماهو معنى "سكارى" في الآية الكريمة ؟؟هنا نجد رواية معتبرة عند فقهائنا ومفسرينا تقول : (... قلت لأبي عبد الله [عليه السلام): مامعنى قول الله عز وجل: { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ }. فقال: " سُكر النوم "].و في هذا المعنى روايات عديدة وقيل أيضاً أنها جاءت قبل التحريم.                                 
📍ومن الأمور المهمة و تعكس دقة التعبير و المفردة القرآنية هو ما ينبغي أن نلتفت إليه في حياتنا اليومية.فعندما نسمع أو نقرأ رسالة من شخص بأنه مريض نسارع إلى القول:الله (يشافيك)وسمعت كثيراً من الخطباء في المجالس و المحاضرات يختمون كلامهم بجملة دعاء [اللهم "شافي" كل مريض].بينما الأمر فيه خطأ فاحش !!فبدلا من التضرع لله بشفاء شخص مريض او جميع المرضى قد يرتكب قائل الفعل [شافي] إثماً!.
📍فقولنا [شافي]هو  من باب المفاعلة [شافى-مشافاة] وهي صيغة تبيّن وتجسد [المشاركة] بين شخصين أو أكثر في إنجاز عمل معين.من قبيل (المشاورة والمسائلة و المعاونة والمشاركة و المساهمة والمراوغة والمساقاة والمتاجرة) يكون فعل الأمر منها على [فاعِل] فتقول للشخص (سائِل، وعاوِن، وشارِك، وساهِم، وراوِغ،وساقِ ،وتاجر).
📍فعندما تقول :
اللهم "شافي" كل مريض (وبالمناسبة فان الياء هنا زائدة لأن الفعل المعتل الآخر عندما يجزم تحذف منه الياء والواو والألف؛حروف العلة فتقول: شافِ، وليس شافي×) وكأنك تطلب من الله جلت عظمته ان يشارك شخصاً أو أكثر في عملية الشفاء بينما الله العظيم لا يصح أن يقال ذلك له ويدعى ب[شافِ] بل الصحيح هو [اشفِ]،كما ورد في دعاء الإفتتاح (إشفِ به صدورنا،وأذهِب به غيض قلوبنا).
📍ولهذا نقرأ الفعل المضارع من (الشفاء) في قوله تعالى:
[وإذا مرضتُ فهو "يشفين"].الشعراء/80
📍و نفس الفعل جاء في آية أخرى مضارعاً مجزوما:
[قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ] ﴿١٤ التوبة﴾
📍وهكذا كلمة (يصدون) في الآية المباركة ( إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ )كان ابن عباس رض يفسرها ويقول: يضجّون.وقال غيره (أي يضحكون). وهكذا كلمة "الضحك" في الآية الكريمة(وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ)[هود71] ليس المقصود منه الضحك المتعارف !وانما تعني (حاضت)كما ذكره الطبري عن مجاهد والكوفيين و البصريين عن أهل الحجاز.  
📍النتيجة النهائية:
ينبغي الدقة في التعبير وكذلك التمعن في الكلمات وعدم الإكتفاء باللفظ، فالمفردة القرآنية لايفهمها بسهولة العوام-وحتى بعض المثقفين-حسب ظاهرها بل ينبغي التعمق فيها ومراجعة المصادر المعتبرة والتدقيق في التفاسير؛قديمها و حديثها،كي يتمكن القارئ من تشخيص المعنى المراد بها وهذا مقتضى التدبر.              

📍قال سبحانه: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].
■□■مصادرللمراجعة:                     
# كتاب (فهم القرآن ومعانيه) للحارث بن أسد المحاسبي المحقق: حسين القوتلي.                   
#معجم (مفردات ألفاظ القرآن)للراغب الأصفهاني، تحقيق إبراهيم شمس الدين.                    
#كتاب [المعجم  الألكتروني لمفردات القرآن الكريم] د.محمد دودح.          


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رعد هادي جبارة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/11/09



كتابة تعليق لموضوع : فهم القرآن يتطلب التدبر فيه
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net