لا يخفى على أحد ما للإعلام الثقافي اليوم من تأثير جذري على إبداع الصورة، وتكثيف الوعي، وتوجيه الرأي العام، ففي عصر الفضائيات وتدفق المعلومات عبر الشبكات العنكبوتية لم يعد الإعلام كما كان حاملاً محايداً لمضمون ثقافي بل هو محور الصناعات الثقافية وأساس الاستراتيجيات المعرفية ومرتكز مهم من مرتكزات العلم والمعرفة، ومنذ أن اتحدت الكلمة والصورة والنص والصوت في الشبكة المعلوماتية عبر التقنيات التكنولوجية الحديثة، لم يعد التمييز بين وسائل الإعلام ووسائطه قائماً كما كان سابقاً. ولكي تنشط وتنمو وتتطور، وتقدّم ما عليها من أدوار ومسؤوليات، تحتاج إلى إعلام يقف معها، يساندها، ويدعمها، ويجعل منها في متناول الجميع أولاً، ويُسهم بصورة فاعلة ومتواصلة بإثرائها، ومناقشة مزاياها، أو مواطن الخلل فيها، فالثقافة الرصينة تحتاج الإعلام الثقافي الرصين، ومن دونه، لا يمكن للفعل الثقافي أن يحقق جدواه وأهدافه، وكأن المتابع موجود في موقع الحدث، لذا يكون الإنسان، تحت تأثير الجانب الآخر، أو الثقافات الأخرى.
من هنا تحتاج ثقافتنا إلى إعلام محايد، يتّسم بالجدية والحضور، ويبتعد عن المعالجات القاصرة أو المتعجلة، وعندما نتساءل هل يقوم الإعلام الثقافي بدوره الصحيح؟ ستكون الإجابة التي يعكسها واقع الحال في غير صالح الإعلام، إننا بصريح العبارة نفتقر لمرتكز أساسي، ينبغي أن يتقدم كل المرتكزات الأخرى الداعمة للثقافة، ونعني به مرتكز الإعلام الذي يعاضد الأنشطة الثقافية المتنوعة، ويسلط الضوء عليها، وينقلها إلى الملأ الأكبر والأكثر من الشعب على مدار الساعة، لاسيما أننا كمجتمع نعاني من فقر ثقافي شديد، والأدلة كبيرة في هذا المجال.
لقد أشارت دراسات متخصصة، تتعلق بالثقافة، ومستوى الوعي الثقافي والفكري للفئات المختلفة التي يتكون منها الشعب، معظمها تؤكد خللاً في هذا المجال، نتيجة الحرب الظالمة والجائرة والطويلة بحق شعبنا العربي السوري، وهذا الخلل التعليمي، يؤكد المستوى الثقافي المتدني لفئات عديدة يتكون منها المجتمع، لذا تتضح لنا الحاجة إلى وصول المفردة الصحيحة، والجملة ذات المعنى الواضح، والفكرة الجيدة، للمجتمع كله، ولا يمكن أن يتم هذا من دون التخطيط المسبق لنشر الثقافة بين الجميع، عبر حزم وجرعات متتابعة، يتبنى توصيلها إعلام ملاصق للثقافة ومتفاعل معها.
وفي واقع متأخر كواقعنا، تصبح الحاجة إلى الإعلام الثقافي الفاعل مضاعفة، بل حتمية، لكن ما نلاحظه - وهو أمر واقع وموجود فعلاً- ضمور في هذا الحضور الإعلامي، ومن ثم فشل في متابعة الفعل الثقافي، وعجز عن نشره وإيصاله إلى الوسط المستهدَف، في حين نلاحظ حضوراً للإعلام التجاري الفوضوي، الورقي والإلكتروني، وهو إعلام الفقاعة والإشاعة كذلك، لذا كنا في السابق نلمس حضورا ً للإعلام الثقافي ودوراً واضحاً له، أما الآن فقد بات ضحية للشبكات الكثيرة، ومواقع التواصل الاجتماعي وغير ذلك، مما لا يمثل الفعل والدور الحقيقي للإعلام الثقافي.
إن غياب منهج إعلامي ثقافي واضح، يساعد بلا شك، على إضعاف دور الإعلام في مؤازرة الأنشطة الثقافية وإيصالها إلى أكبر مساحة من المستفيدين، علماً أن الحضور المفتعل للإعلام التجاري، يقابله ضمور متصاعد للإعلام الثقافي، بمعنى كلما تصاعدت وتيرة الإعلام التجاري حضوراً وقوة، تراجع الحضور الفعلي للإعلام الثقافي، وهي ظاهرة، تعود إلى النزعة المادية التي باتت تسيطر على صناع القرار، فضلاً عن الإهمال الغريب لكل ما يتعلق ويمت للثقافة بصلة.
الأمر الذي يستدعي من الجهات الرسمية والمنظمات المعنية، خطوات إجرائية تعيد الأمور إلى نصابها، وتنتشل الإعلام الثقافي من الضمور الذي يعاني منه، وهذا الهدف يحتاج إلى جملة من القرارات الصائبة، يتم تأشيرها ودراستها من خبراء في الإعلام الثقافي، ومن ثم المبادرة إلى إقرارها من قبل الجهات المعنية، ثم الشروع بتطبيقها، بما يضمن النتائج الجيدة التي تعيد للإعلام الثقافي دوره الحقيقي في مؤازرة الثقافة وتوابعها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat