يعد الخطاب الفكري في العملية الوعظية من أهم أنواع الخطاب، لما يمتلك من تأثير وجداني على متلقيه، سعيا لإرساء المبادئ والقيم الاسلامية، وهذا السعي بدوره يحتاج إلى بناء القناعات التي دونها لا يمكن من إرساء تلك المبادئ.
العملية لا تخلو من التغيير في الفكر أو تصحيح في المعتقد أو العبادات، لهذا نجد أن سماحة السيد أحمد الصافي يستثمر معطيات الصحيفة السجادية، التي وفرت له الكثير من المساعي الجوهرية للخطاب في كتاب المصابيح
******
أولا... ضمان المنهل المحمدي الصحيح
ثانيا... ما تحمل الصحيفة من بنى ثقافية فكرية مؤسسة لإصلاح الإنسان والمجتمع
ثالثا... تحليل الخطاب ضمن مستويات الفكر المعاصر والثقافة المعاصرة
رابعا... الارتكاز على البنى التحليلية لبناء العلاقة بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والقيم الدينية القادرة على عمران السبل التواصلية بين الإنسان وربه
خامسا... تبنى الشواهد الدلالية المستمدة من القرآن الكريم والمنهج الرسالي
سادسا... السعي لتقريب وجهات النظر بين الرؤية القصدية والناس لوجود أجيال من الناس بمختلف اللغات والفكر والبنى المجتمعية التي تعاقبت على زمن الصحيفة السجادية
سابعا... استطاع كتاب المصابيح أن يتميز ببعض الاستنتاجات المعرفية ومقدرته الفائقة على استحضار البنى الفكرية التي نحتاجها اليوم للإفادة منها، مع دقة التتبع والقراءة اليقظة والاستقصاء،
ثامنا... تقديم بعض الآراء التفسيرية والمعرفية والأبعاد الاجتماعية،
يرى سماحة السيد الصافي أن الحرام لا يلون بلون آخر غير الحرام، تحتوي هذه الجملة المكثفة على الكثير من الدلالات العصرية.
فيها الكثير من معطيات التحليل النفسي التي تجعل الإنسان يكيف لذاته الحرام فهو يلونه بالقبول ليرضي ذاته المريضة، فهو مثلا يرى الرشوة هدية ويراها بتفاعلاتها الاجتماعية المعتادة في هذا الزمان كونه ليس أول من يأخذ الرشوة ولا آخرهم، ويجد الوانا أخرى من التبريرات يزين بها الحرام، وفي الجملة مغزى سلوكي يعمم من رسالة الصحيفة السجادية المباركة.
الدلالة الأهم.. بث روح الوعي لتمييز عمل إبليس فإبليس ليس له عمل سوى الحرام، وظيفته بث روح الحرام بين الناس فهو لا ينصح أحدا ولا يحب النبي صلى الله عليه واله وسلم، ولا يحب أمير المؤمنين عليه السلام، ولا يستسيغ المؤمن، علينا أن نعرف السبل التي يختارها إبليس لغزوه الإنسان، هناك عدة تصورات ذهنية يضعها سماحة السيد الصافي
***
التصور الذهني الأول...
إن لإبليس سبل شتى يستحكمها لغزو الإنسان، ويأتيه من أبواب مختلفة متنوعة، على الإنسان أن يغلق كل الأبواب بوجهه
التصور الذهني الثاني...
إن الله سبحانه تعالى ليس بينه وبين أحد قرابة، إذا تبع الإنسان إبليس فإلى جهنم، وإذا أغلق الإنسان الأبواب كلها بوجه إبليس وجنب نفسه المهالك سينجو ويكون مسعاه رضا الله سبحانه.
التصور الذهني الثالث...
إن الصلة لا تنفع مهما كانت قريبة، فابن نوح لم يؤمن بوالده، مع جهد نوح لهدايته، وهذا الأبن حاول أن يعتصم بجبل فلم يفلح، ولم تنفعه صلته بنوح عليه السلام
التصور الذهني الرابع...
الاستغفار هو السبيل الصحيح للتخلص من نزغ الشيطان، والاستغفار من التقوى ومن الطاعة ومن الوعي الإيماني المترسخ، لا ينفع الاستغفار لمن يكون هو من جنده ومن اتباعه.
والإمام عليه السلام يحذر أن يقع الإنسان في مثل هذا المطب
التصور الذهني الخامس...
إن الإصغاء لفتنة إبليس لا يمكن أن تكون فريدة أو أن تكون الإطاعة لعمل واحد أو مرة واحدة، الإنسان إذا أصغى لإبليس مرة سيصغي مرة ثانية، وسيصغي له ثالثة خصوصا إذا انفتحت بعض الأمور أمامه،
التصور الذهني السادس...
هنا حكمة إلهية ركز عليها الإمام السجاد عليه السلام بأن الله يمهل ولا يهمل، أي بمعنى ألا تتعجل على العاصي العقوبة، أو نتمرد إذا وجدناه ينعم براحة، لأن الزمن عند الله معدوم.
التصور الذهني السابع...
إن عمل الإحسان من فعل حرام يستوجب الحذر منه، سلط كتاب المصابيح الأضواء على الاهتمام بالصحيفة السجادية من قبل الساسة والمفكرين والتربويين وعلماء النفس والاجتماع في ظل الانفلات الأخلاقي العام، وتمكن الماكنة الإعلامية العلمانية بالولوج القسري إلى عوالم التأثير على الشباب ورسم معالم الغواية.
الغرب يمثل صورة الشيطان يخاف من الخطاب الإسلامي المعزز باليقين والعدل والإنسانية، الغرب ينوع لنا سبل الغواية فهو الذي يشجع على تنامي التطرف عند المسلمين ويدعي محاربته بنفس الوقت الذي يبذل له الكثير من الامكانيات، إبليس يجد في النوال يتوغل في قلب الفرد المسلم، يتوغل فيه التبرير اللا إنساني لجعله سائغا في المفهوم العام, العجز في وعن الصلاة، خلق الملل في حياة الصائم ليوزع ذاته بانشغالات الحياة ولذتها فيبطل مشروع الصوم ويصبح الصيام شكليا ثم يخلق اللا أهمية في ذاته، هذه هي مهمة الشيطان، وظيفته، يكره المعروف، ومن يقرأ القرآن يعد معقدا في نظر المجتمع الممسوس بالشيطنة، يعتبر متخلفا عن عصر الانترنت والفضائيات وهناك الكثير ممن يروج لهذه الأفكار وتسويلات ابليس.
الإمام عليه السلام ينبهنا، هناك قواعد ثابتة لا تبدد باختلاف الأزمنة، مثل الواجب والحق والحلال والحرام والمكروه والمستحب، أمور لا علاقة لها بمسارات التغيير أو التطور
خلل في التفكير كمن يربط أحدى هذه الأمور مع المتغير الحياتي، هذه التسويلات التي لا بد للإنسان أن يكون على هبة الاستعداد، أغلب المحاور التي ركز عليها البحث في كتاب المصابيح هي القضايا النفسية التي يكون محورها الداخلي منعكسا على التعامل الخارجي
مثلا منافذ إبليس وعمليات التلقي التي هي المرتكز الأساسي للعبادة، الذي يدعو الله فيه أن يطرد الشيطان، هو ليس من الأمور المشخصة كونها هواجس نفسية، أغلب مشاكل الإنسان ــ المجتمع هي نفسية، الذي نحتاجه في ثقافتنا اليوم هو نشر الوعي عبر الخطاب والمعنى والمغزى والقيمة الانسانية والحكمة التي نتعايش بها مع الأزمنة المفتوحة، ويرى علماء اللغة أن الخطاب الوعي الذي يتناغم مع نفسية الإنسان، هو الخطاب الذي تتوفر فيه الميزة البلاغية، وهذا الخطاب يؤدي إلى عمق الحكمة والتفرس داخل هذا العمق، مثلا التركيز على معنى الحمد لله، الإمام عليه السلام يرى أن الحمد مرجعه إلى الله تعالى هو مالك الحمد، في كل حسنة تستوجب منا الحمد، لا بد أن نعتمد على وضع الحمد في أرواحنا، في تعاملنا اليومي مع انفسنا والناس هذا الانفتاح بالحمد سيغلق الباب على وساوس الشيطان، نحمد الله ونستعين به وهذا الحمد والاستعانة نصر الإنسان على عدوه، من يحب الله سيبغض كل شيء لا يحبه الله ولا يمت إلى الله بصلة، هذه المعاني هي من أهم الأسباب التي بها الأثر الفاعل في نشر قيم أدعية الصحيفة السجادية المباركة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat