صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة في السيرة الغيرية
علي حسين الخباز

  وأنا أقرأ كتاب راهب بني هاشم وسجون الطغاة للكاتب والباحث صباح محسن كاظم استحضرني سؤال كيف يتعاشق المخيال مع السرد في السير الغيرية والتي تعتمد على معلومات السيرة الحياتية، وهذه المعلومات مرتبطة بشخصياتها وأزمنتها وأمكنتها، سيكون الجهد الإبداعي في إعادة الصياغة كسرد خبري معاد ومكرور ومنشور في آلاف الكتب والمنشورات الدورية 
 الكاتب صباح محسن كاظم يجيب هذا السؤال: 
 ـ هناك توصيف عام يعرف من خلاله معنى السجن والعزلة وانقطاع التفاعل الاجتماعي، ويذكر التوصيف الخاص لتجربة سجن الإمام الكاظم عليه السلام، إمكانية المخيال في رسم الطامورة، البعض يراها عبارة عن أربعة جدران، وفنان رسمها على شكل دائري لترسيخ صورتها في ذهنية المتلقي، التخييل الإبداعي لا يعني إضافة أحداث أو تغيير وقائع أو المبالغة فيها، بل هي عملية تحويل السرد الخبري إلى مشهد ذهني، وهذا الفعل الإبداعي يدلنا على التفاصيل ممكن أن تنقل معها وجهة نظر الكاتب 
يرى أستاذ صباح محسن كاظم أن الاستعدادات الذاتية لترويض النفس البشرية لها مساحة واسعة في شخصية الإمام موسى بن جعفر عليه السلام،  ومنها يكون التسامي والعلو والرفعة والرقي، ولم يقف الباحث عند حدود السرد بل استثمر الفلسفة لإظهار قيم الأمور اليقينية، كونه يدرس حياة إمام معصوم لا تقف حياته عند حيطان السجن، وتراه يستشهد بقول الإمام علي عليه السلام (ما رأيت شيئا إلا وجدت الله قبله وفيه وبعده) ليصل إلى مفهوم قدر الإمامة وجلالها لنتأمل في هذا المفهوم (قدر الإمامة) تمنحنا الكثير من الدلالات التي تحملها ومنها، (الصلابة في الحق / المبدئية / الورع / الصبر /  الاخلاص / العمل التضحوي / عدم مهادنة الطواغيت / نصرة الفقراء، أداء الحقوق / الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، هذه السمات كلها تعبر عن جوهر الصراع بين الثائر والسلطة وليحول تلك السمات من توصيف قول إلى تطبيق عملي يشخص منه السلوك الكامل 
 هناك مسألتان مهمتان لا بد أن نتأمل منها دلالات عمق الشخصية، وهذا العمق يبين لنا إيمان الكاتب برمزه التاريخي، واعتبار هذا الرمز المعصوم جزءا أساسيا من المعتقد 
والإيمان والهوية التي بها نتأثر ونؤثر، وتلك هي المسألة الثانية كيف نؤثر في المتلقي ولا يمكن أن ننجح إلا في حالة أن نكون مقنعين 
السعي لعملية الاقتناع لا تقف عند حدود الهوية وإنما السعي للرأي الآخر ومنه إلى العالم باختلاف هوياته، ولكن يمد روح التواصل إلى الآخر عبر جسر الاقتناع 
نجده يستشهد ببعض الرموز التاريخية، مثلا استشهد بقول أبي علي الخلال شيخ الحنابلة وعميدهم الروحي (ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر إلا سهل الله تعالى لي ما أحب) وقول الإمام الشافعي (قبر موسى بن جعفر الترياق المجرب) ورواية الخطيب البغدادي، وشهادة الخصم اللدود هارون العباسي كان يعترف بإمامة موسى بن جعفر عليه السلام 
من إحدى سمات الكتابة الغيرية هي رغبة في الانتصار للإمام عليه السلام لتحقيق المقاومة الاجتماعية، وتعرية الأنظمة المستترة بالنفاق الاجتماعي، وإسقاط أقنعة السلطة، لنقرأ ذهنية هارون العباسي والرجل كشف أوراقه بجرأة، (هذا إمام الناس وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده، وهو بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله لكن الملك عقيم)  
كتاب راهب بني هاشم جاء عبر نتاج وعي الكاتب بعيدا عن الجاهز من الأفكار، وإنما تضمنت إشارات واعية تطالبنا بالتأمل داخل السيرة أن نستلهم منها المقاومة السلمية والعلمية والعبادية ورفض الظلم وعدم مهادنة الطغاة، والإخلاص لله تعالى والصبر، الاهتمام بالعلم والفكر وتربية النفس وتهذيبها ليكون مدرسة الأجيال ومنها تتخرج النخبة والقاعدة المؤمنة، وتوجيه الأمة عقائديا 
ينطلق بنا من الجوهر الزينبي، ما رأيت إلا جميلا 
سؤالي: هل كان موسى بن جعفر يرى السجن مجرد حيطان؟ 
 استأجرت سلطة هارون جارية لتغريه، تقول التفت داخل السجن وإذا بروضة مزهرة لا أبلغ أولها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالديباج، وعليها وصفاء ووصائف لم أر مثل وجوهم حسنا، ولا مثل لباسهم لباسا، عليهم الحرير الأخضر والأكاليل والدر والياقوت، وفي أيديهم الأباريق والمناديل، ومن كل الطعام، فسجدت حتى أفاقني الخادم رأيت نفسي حيث كنت، فطلب هارون القبض عليها حتى لا يسمع الحكاية منها أحد حتى ماتت 
 والمصادر التي ذكرت هذه الحكاية كتاب بحار الأنوار ج48 ص231 وكتاب المناقب ج3 
  وهذه المقاربات هي ناتج سعة تأمل في الدلالة والتحليل والعلامات التي تمنح التصور الأسمى للألم والسجن والمحن لنصل إلى الجوهر المضموني إلى دقة الشعور وحيوية الفكر والوجود خارج الكتابة، وفاعلية الانتماء لموضوع الشخصية التي تمثل جوهر الرمز، لهذا نجد آلية التوثيق ليست نمطية وإنما تحمل صياغات
السؤال، سؤال المعنى، سؤال الدين، سؤال المعرفة، جوهر المعصوم عليه السلام، قضية تثار دائما بأن الكاظم عليه السلام هو سجين، هم يعتبرون السجن انكسارا وموته مسموما انتصارا للسلطة بينما
التأريخ اليوم يتوج لنا المنتصر الحقيقي فهو سجل النصر وأثر في المجتمعات عبر الأجيال وهز أركان الطاغوت في كل زمان، يشير العقل النقدي إلى أن السيرة الغيرية تعريف بشخصية المعصوم سعيا إلى الانتماء والنصرة الدائمة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/10/21



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في السيرة الغيرية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net