هل حان الوقت لإقامة دولة العدل الإلهي حسب الوعود السماوية في (الشريعة اليهودية و الشريعة المسيحية والديانة الإسلامية )
د . حسن كاظم الزاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

((وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً *فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً))

الاسراء 4-7

أولاً : الوعود في الشريعة اليهودية  .

ثانياً : الوعود في الشريعة المسيحية .

                 ثالثاً : الوعود في الديانة الإسلامية .

الوعود في الشريعة اليهودية        

   لقد تحدثت الكتب السماوية جميعا وبمستويات مختلفة عن وعود لابد من أن تتحقق قبل انتهاء الدورة التاريخية الحالية ومنها قيام دولة يتجسد فيها العدل الإلهي  الذي ناشد به الأنبياء (عليهم السلام)  طول فترات وجودهم ، ولابد للإشارة بأن مصطلح (دولة العدل الإلهي) ومصطلح ( المنقذ أو المصلح العالمي أو المخلص) تكاد أن تتطابق في المعنى على وفق النصوص السماوية أو الروايات المنقولة والتي تخص هذا الغرض ، فقد جاء في سفر التكوين بعد أن تكلم عن نبي الله إسحاق (عليه  لسلام)  وإقامة العهد معه ( وأما إسماعيل فقد سمعت لك , وها أنا أباركه وأنميه وأكثره جدا ويلد اثني عشر رئيسا وأجعل نسله امة عظيمة )[1] وحسب هذا النص أن نبي الله إسماعيل (عليه  لسلام)   سيصبح  امة كبيرة وصفها الله بالعظيمة ولا عبرة بالقول (أن الوعد المقصود هنا هو أن يجعل الله عهد إبراهيم (عليه  لسلام)  مع إسحاق (عليه  لسلام)  )[2] ، ذلك أن ما جاء بسفر التكوين 18 18-19 , يدل بوضوح أن المعني بهذا الوعد نبي الله إسماعيل (عليه  لسلام) حيث يقول : ( وإبراهيم سيكون امة كبيرة قوية ويتبارك به جميع أمم الأرض)[3] وهنا يؤشر أن ذرية نبي الله إبراهيم (عليهم السلام) هما نبيا الله إسحاق وإسماعيل (عليهم السلام) ( فنحن نجد أن إبراهيم سيكون أمة عظيمة بواسطة إسماعيل ابنه (عليه  لسلام) وأما ما ورد حول إسحاق (عليه  لسلام)  فكل ما فيه هو أن العهد سيبقى معه ، وهذا لا ينكره احد، فلم يقل أحد إن الله تعالى قد أخذ العهد منه لأنه نبي مرسل انتقلت النبوة إلى أبنائه (عليهم السلام) حتى وصلت إلى عيسى (عليه  لسلام)  ، ولا يوجد في أي مكان من الكتاب المقدس ما يحكي عن أن ذرية إسحاق (عليه  لسلام) ستكون أمة عظيمة ، أو أن نسله سيكون كثيرا جدا)[4],وبما أن المسلمين هم الامتداد الطبيعي لذرية نبي الله إسماعيل(عليه  لسلام), فإنهم هم المقصودون بالأمة العظيمة والتي ستسود جميع على الأمم .

    وهناك وعد جاء تحت عنوان مصير أهل السوء جاء فيه : ( فالأشرار يقطعهم الرب ,والذين يرجونه يرثون الأرض . ما أسرع ما يزول الشرير تتبين مكانه فلا يكون .أما الودعاء فيرثون الأرض , وينعمون بسلام عميم )[5] فالصالحون والراجون لقاء الله والودعاء هم من سيرث الارض ,  وجاء أيضاً فيه ( سواعد الأشرار تنكسر , والصديقون يسندهم الرب . الرب يصون حياة الأبرار وميراثهم يبقى إلى الأبد)[6] , ونلحظ هنا أن تحقيق النصرة واستخلاف الأرض والتركيز على إستيراثها , واضح من خلال تكراره في أكثر من مكان سواء في العهد القديم أو المزامير أو العهد الجديد كما سنوضح في مسار البحث إن شاء الله .

    فلقد ورد في كتاب زكريا النبي (عليه  لسلام)  ما نصه : ( سأقضي على مركبات الحرب في أفرا يم *  والخيل وأقواس القتال في أورشليم، فيتكلم ملكك بالسلام للأمم ويكون سلطانه من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض )[7] ، لقد فسر اليهود هذا النص لصالحهم وتطرفوا باعتقادهم أن الشعب اليهودي هو المفضل لدى الرب (وقرروا أن لليهود وحدهم الحياة الأبدية وان أرواحهم من روح الله من دون سائر الشعوب)[8] ويذهبوا إلى ابعد من ذلك  فيقول الباحث :آرثر هار زبرج : (  في سيناء عندما تجلى الله لموسى ولبني إسرائيل تم زواج بين الله وبين إسرائيل ، وسجل عقد الزواج بينهما ، وكانت السماوات والأرض شهودا لهذا العقد ... ويرى اليهود أن الامتياز الذي حصل عليه الشعب اليهودي هو في الوقت نفسه مسؤولية عليهم ، وعدم رعايتهم هذه المسؤولة بأمانة وصدق جعلهم هدفا للانتقام ، ولذلك فإنهم يفسرون ما نزل بهم من ضرر بأنه عقاب لهم على عدم حملهم الأمانة وعدم سيرهم بمقتضى ما منحوا من امتياز وتفوق ، ويضيف مفكروهم - دفاعا عمّا أصابهم من ويلات - أن اليهود لم يكونوا أكثر الناس خطايا ، ولا أبعدهم عن الصواب ، ولكن المصائب لحقت بهم أكثر من غيرهم لأن اختيارهم وتفضيلهم على سواهم . كان يحتم عليهم أن يكونوا أكثر طاعة وأكثر استجابة ، فلما عصوا كان عقابهم أقسى مما نزل بسواهم على نفس العصيان )[9] وبما أن البحث مخصص للوقوف على الوعود الإلهية الخاصة بإقامة الدولة العادلة في الشرائع والديانات ، سنكتفي بهذه الإشارة الدالة على تحميل النص حسب الرؤيا العقائدية لمعتنقي الديانات .

    ولو أمعنا النظر ببعض النصوص لرأينا أن توعدا خاص ينتظر بني إسرائيل فقد ورد في سفر أشعيا في القسم الرابع الخاص بالأنبياء  ( فإنه هو ذا السيد رب الجنود ينزع من أورشليم ومن يهوذا السند والركن كل سند خبز وكل سند ماء . الجبار ورجل الحرب . القاضي والنبي والعراف والشيخ .  رئيس الخمسين والمعتبر والمشير والماهر بين الصناع والحاذق بالرقية . وأجعل صبيانا رؤساء لهم وأطفالا تتسلط عليهم .  ويظلم الشعب بعضهم بعضا والرجل صاحبه . يتمرد الصبي على الشيخ والدنيء على الشريف .  إذا أمسك إنسان بأخيه في بيت أبيه قائلا لك ثوب فتكون لنا رئيسا وهذا الخراب تحت يدك  .  يرفع صوته في ذلك اليوم قائلا لا أكون عاصبا وفي بيتي لا خبز ولا ثوب . لا تجعلوني رئيس الشعب .  لأن أورشليم عثرت ويهوذا سقطت لأن لسانهما وأفعالهما ضد الرب لإغاظة عيني مجده  . نظر وجوههم يشهد عليهم وهم يخبرون بخطيتهم كسدوم . لا يخفونها . ويل لنفوسهم لأنهم يصنعون لأنفسهم شرا 0 قولوا للصديق خير . لأنهم يأكلون ثمر أفعالهم .  ويل للشرير شر . لأن مجازاة يديه تعمل به .  شعبي ظالموه أولاد . ونساء يتسلطن عليه . يا شعبي مرشدوك مضلون ويبلعون طريق مسالكك )[10]

وهذا النص الخاص ببني إسرائيل إنما دل على عدم اهتمامهم وإطاعتهم لأوامر الله تعالى على طول مسيرتهم بل تعقدت تفاصيل حياتهم ومواقفهم حتى خاطبهم الله تعالى في كتابه الكريم (  وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بأنهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُون)[11] وتفيد الآية المباركة (أن بني إسرائيل ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله لعاملين : الأول - لكفرهم بآيات الله ، وانحرافهم عن خط التوحيد . والثاني - لقتلهم الأنبياء بغير حق ، ظاهرة الانحراف عن خط التوحيد وظاهرة القسوة والفظاظة ، لا زالتا مشهودتين حتى اليوم عند جمع من هؤلاء القوم ، ولا زالتا سببا لشقاوتهم وطيشهم وتعاستهم)[12]

لقد جاء في المزمور72 بشارة مثيرة حول الشخصية المقصودة بالوعد المتقدم:

( اللهم أعط أحكامك للملك وبرك لابن الملك . يدين شعبك بالعدل ومساكينك بالحق. تحمل الجبال سلاما للشعب والآكام بالبر . يقضي لمساكين الشعب . يخلص بني البائسين ويسحق الظالم . يخشونك ما دامت الشمس وقدام القمر إلى دور فدور .   ينزل مثل المطر على الجزاز ومثل الغيوث الذارفة على الأرض .   يشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام إلى أن يضمحل القمر .   ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض  أمامه تجثو أهل البرية وأعداؤه يلحسون التراب .   ملوك  ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة . ملوك شبا وسبا يقدمون هدية .   ويسجد له كل الملوك . كل الأمم تتعبد له .    لأنه ينجي الفقير المستغيث والمسكين إذ لا معين له .   يشفق على المسكين والبائس ويخلص أنفس الفقراء .   من الظلم والخطف يفدي أنفسهم ويكرم دمهم في عينيه .   ويعيش ويعطيه من ذهب شبا . ويصلي لأجله دائما . اليوم كله يباركه   تكون حفنة بر في الأرض في رؤوس الجبال . تتمايل مثل لبنان ثمرتها ويزهرون من المدينة مثل عشب الأرض .   يكون اسمه إلى الدهر . قدام الشمس يمتد اسمه . ويتباركون به . كل أمم الأرض يطوبونه .   مبارك الرب الله إله إسرائيل الصانع العجائب وحده .   ومبارك اسم مجده إلى الدهر ولتمتلئ الأرض كلها من مجده . آمين )[13] , وهذه البشارة الحساسة للغاية أثارت غريزة الانتماء لدى المفسرين ، ولكن الذي يقرأ بين سطورها لم تكن موجهة إلى احد من أنبياء بني إسرائيل , سواء كان نبي الله داوود (عليه  لسلام)   أو نبي الله سليمان (عليه  لسلام)   وكذلك لا تخص نبي الله عيسى (عليه  لسلام)  , بل كانت جميع تفاصيل هذه البشارة تنطبق تماما على نبي الرحمة الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم)  وذريته[14] والذي يصدق على القول هذا , إن هذا الوعد الإلهي لم يتحقق إلى هذه الساعة !، بدلالة ما جاء في الإصحاح الثاني من كتاب دانيال ( وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبدا وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد)[15]، فلا يمكن بحال ان نصرف هذا الوعد التوراتي الى احدى الديانات حتى الديانة الاسلامية لم تحقق هذا الامر الى الان ، ولكن هذا الفتح لابد ان يتحقق ولابد ان تقاد دولة تحكم كل ارجاء المعمورة .  

    لقد تعددت الوعود في نصوص العهد القديم*[16] فمنها ما أشار بوضوح إلى مراحل جديدة ينتظرها العالم إلى الان , ومنها ما كانت خاصة بالأمم السابقة ولعل ما ورد في سفر أشعيا 11 : يثير الانتباه فهو يعطي صفة لأحد أئمة المسلمين  (عليه  لسلام)   ويدعوه بالقائم فقد جاء في هذا السفر( قي  هايا  بيوم  ههو  يسي  أشير عوميد لنيسس عمييم  إيلاف  كوييم   يذر شوا  في  هايتا  منوحا  توكا فود)[17] وترجمة هذا النص العبري حسب كمال السيد في كتابه الإمام المهدي (عج) نظرة في التاريخ ورؤية المستقبل هو :" و في ذلك اليوم سيرفع" القائم " راية للشعوب والأمم التي تطلبه وتنتظره ويكون محله مجدا" )[18], وهذا بحد ذاته ما يتوحد مع المطلب الذي نبحث فيه من وعود خاصة بإقامة دولة العدل الإلهي على نطاق شامل .

  ولم تكن هذه الآية الوحيدة في هذا السفر التي تتحدث عن هذا الأمر فقد جاء فيه أيضاً:(  ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب .   ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه .   بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه .   ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه   فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسمن معا وصبي صغير يسوقها .  والبقرة والدبة ترعيان . تربض أولادهما معا والأسد كالبقر يأكل تبنا .  ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على حجر الأفعوان . لا يسوؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر .  ) [19] , وهذا الوعد الإلهي يدل بوضوح على سيطرة القوى المؤمنة القادرة عل فرض نظام العدل على كل أرجاء المعمورة ولا يستثنى منها الحيوانات والطيور ولا حتى الوحوش البرية التي سوف تغير سلوكياتها وفق المعطيات الجديدة , وهذا من أهداف دولة العدل الإلهي المستقبلية , أي إشاعة الطمأنينة في أرجاء المعمورة . وقد تكون  صلاة النبي حبقوق (عليه  لسلام)   ناظرة للمستقبل بعين الخشية لما في الأمر من جدية وبأس شديد , فقد جاء في كتاب حبقوق النبي (عليه  لسلام)   :(   الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران* سلاه جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه * وكان لمعان كالنور . له من يده شعاع وهناك استتار قدرته * قدامه ذهب الوبأ وعند رجليه خرجت الحمى * وقف وقاس الأرض . نظر فرجف الأمم ودكت الجبال الدهرية وخسفت آكام القدم . مسالك الأزل له .)[20]  .

   ولقد كان و لا يزال أحبار اليهود  يصرون على معتقدهم بأن الأرض ستكون في نهاية الأمر تحت تصرفهم لأنهم شعب اختاره الله لتنفيذ أوامره ، ويتضح هذا من خلال المكالمة الهاتفية بين توماس أ داين المدير التنفيذي لايناك و الرئيس الأمريكي ريغان في عام 1983 في فترة رئاسة الأخير حينما بحث معه النبوءة التوراتية ( قال: "أعود إلى أنبيائكم الأقدمين في العهد القديم وعلامات اقتراب مجدون " المعركة الفاصلة بين الخير والشر " فأجدني أتساءل هل سنكون نحن الجيل الذي  سيشهد تلك الواقعة ، ولا ادري ما إذا كنت قد لاحظت مؤخرا أيا من هذه النبوءات ، ولكنها بالتأكيد تصف الزمن الذي نعيشه) [21] ، وهذه الثقافة وان كان فيها شيء من المغالاة والتطرف لكنها تسير بمحاذاة الهدف الأساسي وهو إقامة دولة  للعدل الإلهي في أي ساعة كانت ومن أي طرف يحظى بالقبول الإلهي .

فلو أمعنا النظر في المزمور 96 10-13 لرأينا ما تطمح إليه جميع الشعوب المستضعفة والمناشدة بعدالة الله تعالى على الأرض فيقول : ( نادوا في الأمم يملك الرب ، يثبت الكون فلا يتزعزع ، ويدين الشعوب بالاستقامة . لتفرح السماوات  وتفرح الأرض ، وليهدر البحر وكل ما يملأه . لتغتبط الحقول وكل ما فيها ، و ليرنم جميع أشجار الغاب . إمام الرب لأنه آت ليقضي في الأرض , يقضي في العالم بالعدل , و في الشعوب بالأمانة )[22] , ومثل هذا الوعد لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال قيام دولة قوية  لها مميزات خاصة , ويتمتع القائمون عليها بالأمانة والعدل وكذلك تؤشر أن الدستور المتبع هو دستور إلهي .

    ومن الوعود المثيرة والمرعبة ما ورد في كتاب زكريا (عليه  لسلام)   في الإصحاح الثالث عشر( وينقرض في كل الأرض ثلثا سكانها ويهلكون , والثلث يبقى فيها . فادخل هذا الثلث في النار , واصهره صهر الفضة وأمتحنه امتحان  الذهب . هو يدعو باسمي وانأ استجيب له أنا أقول : هو شعبي , وهو يقول : الرب الهي)[23] ، وهذا الحديث ليس بمستغرب على الذهنية المسلمة فقد ورد عن( أبي عبد الله (عليه  لسلام) أنه قال : والله لتمحصن والله لتطيرن يمينا وشمالا حتى لا يبقى منكم إلا كل امرئ أخذ الله ميثاقه ، وكتب الإيمان في قلبه وأيده بروح منه)[24] وكذلك ورد في نفس الخصوص عن أبي عبد الله (عليه  لسلام)   أيضاً : (  أنه قال : " والله لتكسرن تكسر الزجاج ، وإن الزجاج ليعاد فيعود كما كان ، والله لتكسرن تكسر الفخار ، وإن الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان ، و والله لتغربلن ، و والله لتميزن ، و والله لتمحصن حتى لا يبقى منكم إلا الأقل ، وصعر كفه ")[25] ، فالقاعدة التي تتبع هي التمحيص الشديد وهذا يدلنا أيضاً على أهمية تلك المرحلة التي تنشدها هذه الوعود ولا غبار حينها على من يجتاز كل هذه الاختبارات وصولا أن تتخذه الإرادة الإلهية عاملا في سبيل نشر التعاليم التي تركتها الآدمية خلف ظهورها .

  وسنكتفي بالوعد الوارد في كتاب ملاخي الذي يتوعد غير المتدينين ويعدُ المتدينين خيراً (  هأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به هو ذا يأتي قال رب الجنود .   ومن يحتمل يوم مجيئه ومن يثبت عند ظهوره . لأنه مثل نار الممحص ومثل أشنان القصار .  فيجلس ممحصا ومنقيا للفضة فينقي بني لاوي ويصفيهم كالذهب والفضة ليكونوا مقربين للرب تقدمة بالبر)[26] , ويظهر النص ثلاثة امور مهمة تتساوق مع المفاهيم والعقائد الاسلامية اولها : موضوع البغتة التي عجت به كتب المسلمين التي تحاور مرحلة الظهور ، وثانيهما : هو حراجة الموقف عند ظهور المصلح الأكبر ، لأنه يمتلك خواص التشريع وخواص التنفيذ ، وأخيرا :  وموضوع التمحيص لشريحة معينة سوف تكون مقربة من الله تعالى لقيامها ببرنامج هداية البشرية، وهذا لم يكن يوما بعيدا عن ادبيات وثقافة وعقيدة كل المسلمين. 

يتبع _ الوعود في الشريعة المسيحية .
[1]- الكتاب المقدس ،  العهد القديم ،  سفر التكوين : 17 / 20 .

[2] - الكتاب المقدس تحت المجهر ، عودة مهاوش الأردني : 152 -  153.

- [3]الكتاب المقدس ،  العهد القديم ،  سفر التكوين : 18 / 18 .  

-[4] الكتاب المقدس تحت المجهر ، عودة مهاوش الأردني : 152 .

[5]- مزمور : 37 / 9 ، 10 ، 11 .

[6]- مزمور : 37 / 17 ، 18 .

[7]- التوراة ، كتاب زكريا : 9 / 10 ؛ * افرايم : يدل على مملكة إسرائيل  ، حسب هامش المصدر .

[8]-  مقارنة الأديان ، اليهودية ، احمد شلبي : 208 .

[9]- مقارنة الأديان ، اليهودية ، احمد شلبي: 209 .

[10]- أشعيا ، الإصحاح الثالث : 3 / 8-12 .

[11]- البقرة  : 61 .

[12]- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي : 1 / 166 .

[13]-  الكتاب المقدس ، المزمور : 72 / 1 – 19 .

[14]-  ينظر : الإمام المهدي في الأديان ، مهدي خليل جعفر ،   : 75-89 .

-[15]  الكتاب المقدس – العهد القديم – كتاب دانيال : 2 / 44

[16]-  يشمل العهد القديم أربعة أقسام :القسم الأول : الأسفار الخمسة (التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية ) ؛القسم الثاني : تاريخ العهد القديم ؛ القسم الثالث :أناشيد وأمثال وحكمة ؛ القسم الرابع : عبارة عن  كتب الأنبياء و عددها  (28) كتابا(الباحث)

[17]-  العهد القديم ، الأصل العبري ، سفر اشعيا : 11/ 10 .

[18]-  ينظر : الإمام المهدي (عج) نظرة في التاريخ ورؤية المستقبل : 12 – 14 , ط 1، 2002      

[19]- الكتاب المقدس ، العهد القديم ، كتاب أشعيا ، الإصحاح : 11 /  2- 9 .

[20]- الكتاب المقدس ، العهد القديم، كتاب حبقوق ، الإصحاح : 3 / - 3-6  .

[21]- من يجرؤ على الكلام ، بول فندلي  : 415 .

[22]- الكتاب المقدس ، المزمور :  96 / 10 - 13 .

-[23] زكريا : 13 / 8 – 9 .

[24]- كتاب الغيبة ، محمد بن إبراهيم النعماني : 33 .

[25]- المصدر نفسه : 215 .

[26]- العهد القديم ، كتاب ملاخي ، الإصحاح : 3 / 1 – 3 .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حسن كاظم الزاملي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/09/20



كتابة تعليق لموضوع : هل حان الوقت لإقامة دولة العدل الإلهي حسب الوعود السماوية في (الشريعة اليهودية و الشريعة المسيحية والديانة الإسلامية )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net