اغلب المفسرين حينما يصلون الى هذه الآية فأنهم لا يستغرقون في الحديث عنها لانهم سبق لهم الحديث عنها في البسملة وربما يخطر في البال لماذا هذا التكرار في البسملة وفي داخل سورة الحمد ...؟
الذين قالوا بعدم احتساب البسملة ضمن السورة وهي آية مستقلة فان هكذا سؤال لا يتوجه اليهم من هنا قال الطبري في جامع البيان ما نصه ( يكون علينا لسائل مسألة بأن يقول: ما وجه تكرير ذلك في هذا الموضع، وقد مضى وصف الله عز وجل به نفسه في قوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مع قرب مكان إحدى الآَيتين من الأَخرى ومجاورتها لصاحبتها؟ بل ذلك لنا حجة على خطأ دعوى من ادعى أن" بسم الله الرحمن الرحيم" من فاتحة الكتاب آية، إذ لو كان ذلك كذلك لكان ذلك إعادة آية بمعنى واحد ولفظ واحد مرتين من غير فصل يفصل بينهما. وغير موجود في شيء من كتاب الله آيتان متجاورتان مكررتان بلفظ واحد ومعنى واحد، لا فصل بينهما من كلام يخالف معناه معناهما، وإنما يأتي بتكرير آية بكمالها في السورة الواحدة، مع فصول تفصل بين ذلك، وكلام يعترض به معنى الآيات المكررات أو غير ألفاظها، ولا فاصل بين قول الله تبارك وتعالى اسمه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وقول الله: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، من الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. فإن قال قائل: فإن" الحمد لله رب العالمين" فاصل بين ذلك. قيل: قد أنكر ذلك جماعة من أهل التأويل، وقالوا: إن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم، وإنما هو: الحمد لله الرحمن الرحيم رب العالمين ملك يوم الدين. واستهدوا على صحة ما ادعوا من ذلك بقوله:
ملك يوم الدين فقالوا: إن قوله: ملك يوم الدين تعليم من الله عبده أن يصفه بالملك في قراءة من قرأ ملك، وبالملك في قراءة من قرأ" مالك". قالوا: فالذي هو أولى أن يكون مجاور وصفه بالملك أو الملك ما كان نظير ذلك من الوصف، وذلك هو قوله: رَبِّ الْعالَمِينَ، الذي هو خبر من ملكه جميع أجناس الخلق، وأن يكون مجاور وصفه بالعظمة والألوهة ما كان له نظيرا في المعني من الثناء عليه، وذلك قوله: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فزعموا أن ذلك لهم دليل على أن قوله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بمعنى التقديم قبل رَبِّ الْعالَمِينَ، وإن كان في الظاهر مؤخرا. وقالوا: نظائر ذلك من التقديم الذي هو بمعنى التأخير والمؤخر الذي هو بمعنى التقديم في كلام العرب أفشى وفي منطقها أكثر من أن يحصى ) انتهى ...!
ولناصر كلاماً جميلاً ذكره في الامثل ( ما نضيفه هنا هو أن هاتين الصفتين تتكرران في البسملة و الحمد، «و الملتزمون» بذكر البسملة في السّورة بعد الحمد يكررون هاتين الصفتين فى صلواتهم اليومية الواجبة ثلاثين مرّة. و بذلك يصفون اللّه برحمته ستين مرّة يوميا.
و هذا في الواقع درس لكل جماعة بشرية سائرة على طريق اللّه، و تواقة للتخلق بأخلاق اللّه. إنه درس يبعد البشرية عن تلك الحالات التي شهدها تاريخ الرق في ظل القياصرة و الأكاسرة و الفراعنة.
القرآن يركز على علاقة الرحمة و الرأفة بين ربّ العباد و العباد، حيث يقول:
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً .
هذه العلاقة نستحضرها مرات يوميا إذ نقول: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، لنربّي أنفسنا تربية صحيحة في علاقتنا باللّه، و في علاقتنا بأبناء جنسنا ) انتهى ...!
وفي موضوع البسملة يتطرق صاحب الامثل الى موضوع مهم فيقول ما نصه ( المشهور بين جماعة من المفسّرين أنّ صفة (الرحمن) تشير إلى الرحمة الإلهية العامة، وهي تشمل الأولياء و الأعداء، و المؤمنين والكافرين، و المحسنين و المسيئين، فرحمته تعمّ المخلوقات، وخوان فضله ممدود أمام جميع الموجودات، وكلّ العباد يتمتعون بموهبة الحياة، و ينالون حظهم من مائدة نعمه اللامتناهية. و هذه هي رحمته العامة الشاملة لعالم الوجود كافة و ما تسبّح فيه من كائنات.
وصفة (الرحيم) إشارة إلى رحمته الخاصة بعباده الصالحين المطيعين، قد استحقوها بإيمانهم و عملهم الصالح، و حرم منها المنحرفون و المجرمون.
الأمر الذي يشير إلى هذا المعنى أنّ صفة (الرحمن) ذكرت بصورة مطلقة في القرآن الكريم ممّا يدل على عموميتها، لكنّ صفة (الرحيم) ذكرت أحيانا مقيّدة، لدلالتها الخاصة، كقوله تعالى: وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً و أحيانا اخرى مطلقة كما في هذه السّورة.
و في رواية عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام قال: «و اللّه إله كلّ شيء الرّحمن بجميع خلقه، الرّحيم بالمؤمنين خاصّة»
من جهة اخرى، كلمة (الرحمن) اعتبروها صيغة مبالغة، و لذلك كانت دليلا آخر على عمومية رحمته. و اعتبروا (الرحيم) صفة مشبّهة تدلّ على الدوام و الثبات، و هي خاصة بالمؤمنين ) انتهى !
اللهم لا تحرمنا من رحمتك العامة والخاصة انك ارحم الراحمين ...!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat