الإيمان والتقوى ، جناحا الحضارة في الأسلام
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

الحضارة هي تجسيد ثقافة الشعوب في الواقع الخارجي ، ونعني بالثقافة ما يعمّ العلم والأخلاق والمبادىء والأنظمة المعمول بها والأعراف والقوانين المتفق عليها وسائر الالتزامات الأخرى .. هذا بالنسبة للحضارة الأصيلة وليست المستوردة والمقلِّدة لحضارة أخرى .. فإن الأخيرة عبارة عن حضارة كاذبة أو مؤقتة لأنها بلا مادة وبدون سبب للإستمرار .
فعندما نذهب الى أوربا مثلاً ونلاحظ التقدم الحضاري الذي هُم عليه ، فإن هذا التقدم في الواقع تعبير خارجي عن تلك الخلفية الثقافية التي هم عليها ونتيجة طبيعية لتفاصيل تلك الثقافة التي يتصفون بها ، فالالتزام بالقوانين والحرص عل التعلم وإتقان العمل مثلاً والصدق في التعامل مع الآخر واحترام أهل الاختصاص والاقتصاد وعدم الإسراف ووضع كل شيء في محله ، والعدل واحترام الحريّات ، والانجذاب الى الجمال والرتابة .. وغيرها الكثير الكثير .. كل هذه الأمور وبمرور الزمن وعندما تصبح ملكات اجتماعية راسخة حتى وإن ساعدت على فرضها بعض القوانين الصارمة .. فإنها ستتفجر بعد حين عن نتائج مبهرة ، عمرانية أو تكنولوجية ، اقتصادية أو صحية أو أمنية ..
اذن لا تحدثني عن الحضارة المادية لبلد ما ، وإنما أخبرني عن تلك الحضارة الكامنة في روح وعقل وضمير ذلك المجتمع الذي ظهرت فيه تلك التجسيدات الخارجية .
ولهذه الحقيقة يشير القرآن الكريم ( وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذۡنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ) الأعراف ٩٦ . فهنا تشير الآية الكريمة الى مقوّمات وشرائط وخلفيات الحضارة في الإسلام ، وأي حضارة ..!! تلك التي تشترك في بناءها بركات السماء وبركات الأرض ، ومفاتيح هذه البركات هي ( الإيمان والتقوى ) .. ! وهذان العنصران جامعان ومانعان لكل التزام إنساني راقي وعالي المستوى وبما يشمل كل جوانب الحياة ، فالإيمان يدلنا على المنبع الصافي والمصدر الصحيح الذي نأخذ منه مقدمات وخلفيات تلك الحضارة ، وأما التقوى فتوفر لنا الالتزام الكامل والدقيق لتلك التفاصيل التي دلّنا على مصدرها عنصر الإيمان .
فالحديث عن وجود دولة كشرط أساسي في توليد الحضارة كما يذهب اليه ابن خلدون ، أو حصر عناصر انتاج الحضارة بالإنسان والتراب والوقت كما يقول مالك بن نبي .. وغيرها من الفرضيات إنما تكون الصائبة منها إحدى مصاديق أو مفردات الإيمان أو التقوى لا أكثر .
وهنا يكمن الحديث عن سرّ حركية الإيمان والتقوى في الإسلام ، فقد نقتصر على الانعكاسات الفردية لهما ، أو تأثيراتهما ضمن جماعة ضيّقة ، في حين لهما القابلية وكل القابلية على إعادة صياغة البشرية بل الكون كله وفق ما أرادته السماء من أهداف وغايات من هذا الوجود ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat