الأربعين موسم لقاء وائتلاف المؤمنين
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

حدثان صبغا حياة المسلمين الشيعة منذ شهادة الإمام الحسين في كربلاء سنة 61 هجرية، فكانا علامتين هامتين من علامات الولاء لأهل البيت عليهم السلام، وتعبير صادق عن مودّة اختصوا بها عن غيرهم من بقية الفرق الإسلامية، وإن كان هناك من غيرهم من وعى وفهم عمق الظلامة التي تعرّض لها الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام في ذلك اليوم، فتفاعلوا معها بشيء من الحزن والمعاطف، وشارك منهم من شارك في مناسباتها، أداء لواجب مودّة يحتّم عليهم أداءه.
إحياء ذكرى اليوم العاشر من المحرم، باستقبال شهر محرّم من غرّته إلى اليوم الحادي عشر منه، بإقامة المجالس بشأن حركته الإصلاحية، التي انبنى عليها منهج إسلامي ثوري، عدّه الثوّار مدرستهم في استلهام قيم الثورة والعزّة والإباء، أسهم في اسقاط الحكم الاموي الظالم، وشكلت ثورات العلويين وشيعتهم في العصر العباسي، سمة التشيع لأهل البيت عليهم السلام، في طلب الإصلاح والتغيير في الأمّة.
أمّا احياء الأربعين من شهادة الإمام الحسين عليه السلام، فهي قديمة قدم من استفتحها كما هو مرويّ عن جابر بن عبد الله الأنصاري، الذي كان أوّل الوافدين على قبره في الأربعين، وهي تعبير لمودّة أمِرَ بها كل مسلم بعدما نزل بشأنها قوله تعالى: ( ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور) (1)
وقد حاول العباسيون القضاء على ظاهرة زيارة الامام الحسين عليه السلام، وبالتّالي انساءهم حادثة شهادة الامام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، حقدا عليهم ونكاية فيهم، تقول المصادر التاريخية أن المتوكل العباسي (كان شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظاً على جماعتهم، مهتماً بأمورهم، شديد الغيظ والحقد عليهم وسوء الظن والتهمة لهم، فبلغ بهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله، وكان من ذلك كرب قبر الحسين عليه السلام فقد(بعث المتوكل برجل من أصحابه يقال له الديزج، وكان يهودياً إلى قبر الحسين عليه السلام وأمره بكرابه ومخْرِه، وإخراب كل ما حوله، فمضى لذلك وخرب ما حوله وهدم البناء..... فهدم القبر وكربه وأجرى الماء حوله، ووكل به مسالح ــ أي فرقة من الجنود ــ على سائر الطرق، بين كل مسلحتين ميل، لا يزوره زائر إلا أخذوه، ووجه به إليه فقتله أو أنهكه عقوبة).2)
وتتالت عصور الظلمة في منع تواصل واجب شعيرة الزيارة ظالما بعد ظالم، حتى هذا الزمن حيث كان لصدام وبعث العراق نصيب منه، فترصّدوا الشيعة ونصبوا لهم كل مرصد، يسومونهم سوء التنكيل والعذاب لمنعهم بالإرهاب والتخويف الشديد من موسمي عاشوراء والأربعين، لكنّهم فشلوا ولم يفلحوا في محو تلك الشعيرة الخالدة، وهي نابعة من قلب كل مُوَالٍ صادق، صادرة من أعماق ايمانه بولاية امام طاهر، من سلسة أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، من أجل دور اوكلهم الله به في حفظ أحكام الدين وحسن قيادة الأمّة في مسارها نحو الكمال الإنساني الذي يريده الله لعباده. وأنّى لهم ان يزيلوها من شيعة العراق، وهم أولياء من قُتِل بينهم في ذلك العصر، وأهله في أداء بعض حقّه، وقد اثبتوا أنّهم فعلا جديرين بأن يحملوا أمانة الوفاء له كإمام مفترض الطاعة.
لقد اعتمد الموالون على هاتين الشعيرتين العاشر والأربعين، ليُشكلوا بها المظهر العام في مودّة قربى النبي صلى الله عليه وآله، وفاء واقتداء، وسيرة درج عليها الشيعة في تذكّر شهدائهم إلى الأربعين من كل سنة، ومن أجدر من الإمام الحسين عليه السلام، في أن تكون مناسبته تاجُ إحيائها وتعهد تذكّرها طوال السنين والأعوام، حتى تبقى متأججة في صدورهم، إلى يوم الثأر والقصاص من الظلمة وأعوانهم.
أماّ الأربعين كتعداد في الزمن، فله بالتأكيد بعدٌ غيبي لا نعلم سببه ولا نقدّر آثاره المعنويّة، قال تعالى: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) (3) (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) (4) ( حتى اذا بلغ اشده وبلغ أربعين سنة ) (5)
ففيها دلالة على قيمة غيبية سواء أكانت بالليالي أو بالسنين، ويمكن حمل الرواية المنسوبة إلى الأمام الحسن بن علي الزكي: (علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين، وزيارة الأربعين، والتختُّم باليمين وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم) (6) على محمل القيمة المعنوية لزيارة الإمام الحسين عليه السلام، كشعيرة مرتبطة بذلك اليوم تحديدا، وما ذكره من علامات المؤمن، تنسجم بعضها مع البعض الآخر.
ما يجب التنبيه له في هذا الإطار، أن ما ذكره الامام الحسن من علامات متعلقة بالمؤمن، قصده بها العلامات الظاهرة، وان العلامات الباطنة هي الأهمّ والأزكى والأكثر جدوى وقيمة عند الله، فليس من الشيعة من لا يكون في خدمة اخوانه ومواساتهم بما يقدر عليه، وليس منهم من يوجد في مصر ويوجد من هو اتقى منه، فأعينوا ا أئمتكم أيها الوالون بالورع والتقوى، ففي ذلك تجسيد لمعاني الإقتداء الحقيقي .
ما يمكن البناء عليه بالمناسبة
هو ما ذكره الإمام الخامنئي من تحويل ذكرى أربعين الامام الحسين عليه السلام إلى مؤتمر عالمي للشيعة، في تلك البقعة الطاهرة كربلاء، وكان قد قال في هذا الصدد، وقوله هذا جاء بتاريخ قديم قبل 50 سنة بتاريخ 15/3/1974، ضمن جلسات كانت مخصصة لقراءة وتفسير نهج البلاغة، في مسجد الامام الحسن عليه السلام في مشهد: اذا قضية الأربعين قضية مهمة، الأربعين ميعاد الشيعة في مؤتمر دولي عالمي، وفي ارض مثيرة للذكريات العظيمة، الذكريات المهيبة أرض الشهداء مزار المقتولين في سبيل الله، يجتمع الشيعة هنا ويتعاضدوا ويتعاهدوا عهد الوفاء أكثر فأكثر، هذا هو معنى الأربعين.. وإذا استطاع الشيعة اليوم تحويل تلك الأرض الطاهرة المقدسة، إلى مثل هذا الميعاد فسيكون ذلك طبعا إنجازا جد مناسب ولافت، ومواصلة للطريق الذي عرضه علينا أئمة الهدى عليهم السلام.
بالتأكيد فإن مراجع العراق الأكارم وفي مقدمتهم السيد علي الحسيني السيستاني قد اتخذوا في هذا الإطار توصياتهم وقدّموا نصائحهم وأذنوا بأن تكون كربلاء للشيعة خصوصا وللمسلمين عموما قبلة الأحرار والثوار منها يستلهمون معاني العزة وأدب العيش الكريم في أن يكون الانسان عبدا لله وحده، رافضا للظلم والظالمين منحرفا عن مسارات الضلال والمضللين، بعيدا جماعاتهم مناوئا لحكوماتهم، طالبا رضا الخالق متقربا اليه بحسن العمل وتمام الطاعة، فلْيُقبل مؤمن على مهج سطّره الامام الحسين عليه السلام بدمائه الطاهرة، وأثبتته زينب بصبرها وحجّتها في مواجهة خصومها، جبلّ شامخ من القِيَم لا تزعزعه العواصف، فمن قصدهم يعود من أبوابهم بخير الدنيا والآخرة، ونحن اليوم نعيش بركات هذا النهج العظيم، وسفينة نجاة الأمّة مازالت فيها قابلية لا تنتهي بقبول من لا يريد الغرق والضلال.
المراجع
1 – سورة الشورى الآية 23
2 – مقاتل الطالبيين أبو الفرج الأصفهاني ص203/204
3 – سورة البقرة الآية 51
4 – سورة الأعراف الآية 142
5 – سورة الاحقاف 15
6 – وسائل الشيعة الحر العاملي ج14 / ص478.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat