زيارة الأربعين (1) أهم الزيارات
الشيخ حسن يوسف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسن يوسف

الذي يظهر عند استنطاق الروايات أن زيارة الأربعين من أكثر زيارات سيد الشهداء أهمية في زمن النص، وبلغت من الأهمية حدًّا يغني عن التصريح بفضلها وأهميتها.
ويستفاد ذلك من روايتي الشيخ في التهذيب في الزيارة:
الأولى: عن صفوان الجمال قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين: تزور عند ارتفاع النهار وتقول: السلام على ولي الله وحبيبه..
الثانية: عن الحسن بن علي العسكري عليه السلام أنه قال: علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم باليمن، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
والمستفاد من الرواية الأولى أن مفهوم الأربعين كان بديهيًّا عند الراوي، وأن الإمام الصادق عليه السلام زاد على مرتكزاته في أهمية المواظبة على زيارة الأربعين هذا النص المبارك.
أما الرواية الثانية: فالذي يظهر أنها حاكية عن علامات ثابتة في المؤمن؛ التختم باليمين علامة تميز المؤمن عن غيره رغم كون التختم باليسار مستحبًّا مؤكدًّا، وكما ورد فضل التختم باليمين فقد ورد فضل التختم باليسار؛ وورد أن أمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم كانوا يتختمون في يسارهم. وعن الكاظم عليه السلام أنه سئل عن التختم باليمين فقال: إن شئت في اليمين وإن شئت في اليسار.
لذا لا يمكن الجزم بأرجحية التختم باليمين على اليسار، مع ما ورد من تختم الأئمة بيسارهم، وعدم تخصيص ذلك بالتقية أو عنوان خاص. وإنما المهم في ذلك أن التختم باليمين علامة تميز المؤمنين.
أما صلاة الخمسين فهي الفرائض اليومية ونوافلها، والنوافل اليومية بهذا الترتيب من مختصات المذهب فهي فضلا عن كونها مستحبة إلا أنها خاصة بهذا المذهب. والرواية ليست في مقام بيان استحبابها إذ الأمر مفروغ منه بعد التأكيد عليه مرارا في الأخبار. وكذلك الأمر في سجدة الشكر (تعفير الجبين).
أما الجهر بالبسملة فإن غيرنا يتعمد الإخفات بها في صلاته، أما عندنا فهي تجب في موارد وتستحب في أخرى.
وفي ضمن هذا السياق لا يمكن أن تكون زيارة الأربعين أمرًا مجهولا للراوي، بل لا بد أن يكون أمرًا متعارفًا جرت عليه العادة حتى صار علامة شائعة تميز المؤمنين عن غيرهم جرت عليها سيرتهم منذ زمن النص.
وإلا فلا معنى أن تكون علامة وشعارًا للمؤمنين لكن لا يُعرفون بها! لن تكون زيارة الأربعين من علامات المؤمن إلا إذا كانت ثَمَّ عادة رائجة.
ويلزم وفق هذا البيان أن يكون استحباب زيارة الأربعين من الوضوح بمكان لا يستدعي بيانًا وحثًّا للمؤمنين عليه، فهي إحدى بديهيات المذهب حتى صار علامة له.
***
ويمكن الترقي أكثر في البيان، بأن جملة من الروايات المطلقة في فضل زيارة الحسين عليه السلام والمشي إليه مختصة بزيارة الأربعين، وذلك لما هو مرتكز في أذهان الناس من أن الزيارة تنصرف إلى الزيارة في هذا الموسم. (كما لو سئل أحدهم في هذا الأيام: هل ستذهب إلى زيارة الحسين؟ فإن السامع سيفهم أن المراد زيارته في الأربعين)
ويبدو أن هذا ما استظهره العلامة المجلسي رحمه الله في الثامن والتسعين من البحار، حيث أفرد بابًا بعنوان: (باب فضل زيارته صلوات الله عليه في يوم عاشوراء وأعمال ذلك اليوم وفضل زيارة الأربعين) ثم أورد جملة من الأخبار في فضل زيارة عاشوراء وأعمال ذلك اليوم من إظهار الحزن ونحوه. ثم أورد رواية الإمام العسكري عليه السلام أن زيارة الأربعين من علامات المؤمن، وأورد أيضًا حديث الرضا عليه السلام للريان بن شبيب، وفيه: (يا ابن شبيب إن سرك أن تلقى الله عز وجل ولا ذنب عليك فزر الحسين).
بدوًا لا يظهر أن لإيراد هذا الخبر وجهًا في هذا الباب، لا سيما إذا علمت أن العلامة المجلسي في نفسي المجلد فَهرَس روايات فضل زيارات الحسين عليه السلام وذكر عدة عناوين ترتبط بمناسبات السنة وترتبط بفضل الزيارة، منها: (باب أن زيارته صلوات الله عليه يوجب غفران الذنوب...) وكان الأحرى أن يضع حديث الريان بن شبيب في هذا الباب من أن زيارة الحسين عليه السلام مطلقا توجب غفران الذنوب، ولكن يظهر أن إيرادها تحت عنوان فضل زيارة عاشوراء والأربعين يعني أن المجلسي استظهر ارتباط الرواية بالزيارة في هذه المناسبة لا مطلقًا.
هذا وكان الريان قد دخل على الرضا في أول يوم من المحرم، فكأن الإمام يدعوه إلى سفر الزيارة ليدرك الأربعين.
هذا ما يبدو أن المجلسي استنبطه من الخبر فكان سببًا لإيراده في هذا الباب، إذ لم يذكر رواية تصرح بثواب زيارة الأربعين رغم أنه ذكر في عنوان الباب فضل زيارة الأربعين، فكأنه أراد من ذلك خبر الريان بن شبيب.
***
وعلى أية حال لا شك أن زيارة الأربعين كانت من البداهة بمكان يغني عن بيان فضلها والحث عليها، حتى غدت علامة يعرف بها المؤمنون.
والذي يمكن المصير إليه بعد البيان السابق أن زيارة الأربعين -مضافًا إلى عناوين تعظيم الشعائر وتجديد عزاء أهل البيت وإحياء أمرهم- هي أهم الزيارات التي ينبغي إحياؤها.
والله الموفق
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat