آيات قرآنية من كتاب دعاء الأسحار للامام السجاد برواية الثمالي للشيخ الآصفي (ح 3)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في کتاب دعاء الأسحار للإمام علي بن الحسين السجاد برواية أبي حمزة الثمالي للشيخ محمد مهدي الآصفي: عن الفقر في العمل والجزاء يقول الشيخ الآصفي رحمه الله: إن فقر الإنسان إلى الله تعالى فقر شامل في وجوده وحوله وقوته، ومن أمثلة فقره إلى الله: الفقر في العمل والجزاء فما من عمل صالح يقدم عليه الإنسان إلّا أن يتم ذلك بتوفيقه وفضله. وسلام الله على العبد الصالح شعيب عليه السلام إذ يقول: "وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ" (هود 88)، وليس الإنسان بقادر على عمل صالح من دون توفيق الله. وإلى هذا المعنى يشير زين العابدين عليه السلام: (لا الذي أحسن استغنى عن عونك وفضلك) وهذا هو الوجه الأول من الأمر. والوجه الثاني ان الثواب الذي يرزق الله تعالى عبده على أعماله الصالحة فضل آخر منه تعالى على عباده وليس من استحقاق العبد على الله تعالى. فكل عمل من أعماله الصالحة محفوف بفقرين: فقر إلى الله تعالى في تأهيله وتوفيقه للأعمال الصالحة. وفقر آخر في الجزاء الذي يهب الله تعالى عباده الصالحين على أعمالهم الصالحة.
عن القهر يقول الشيخ محمد مهدي الآصفي رحمه الله: الإنسان مقهور لله تعالى في كل شيء، فهو سبحانه وتعالى القابض الباسط. فإذا سلبه الله تعالى نعمة أنعمها عليه، فلا أحد يعيد إليه تلك النعمة، وإذا سلبه الله تعالى العافية والسلامة، فلا أحد بقادر على أن يعيد إليه ما سلبه الله من نعمة العافية والسلامة، وإذا سلبه الله تعالى نعمة الحياة، فلا أحد يعيد إليه ما سلبه الله من الحياة، وأن الله تعالى يقهر الجبارين والطغاة من عباده بالموت، فلا أحد يستطيع أن يمنحهم الحياة التي سلبها الله تعالى منهم. وإذا أذلّ الله تعالى عبداً، فلا أحد يعيد إليه ما سلبه الله من العز. وإذا سلبه الله الرزق والفقر، وأحوجه فلا أحد يرزقه من دون الله. وإذا شاء الله أن يسلب النصر والسلطان من قوم، فلا أحد ينصرهم ويرزقهم العز والسلطان من دون الله. "قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (آل عمران 26). وإذا أراد الله تعالى ان يعاقب عبده في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معاً، فلا أحد يستطيع ان يدفع عنه هذه العقوبة، ولا يجد ملجئاً يلجأ إليه من عقوبة الله. "قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً" ( الأحزاب 17). "وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ (الرعد 11). "قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا" ( الفتح 11). وكذلك يشعر الإنسان بسلطان الله تعالى ويشعر بأنه مقهور لسلطان الله في الدنيا والآخرة.
وعن الاضطرار هو وعي الفقر والقهر يقول الشيخ الآصفي في كتابه: هذا موقع الإنسان في هذه الدنيا، وفي الآخرة، من الفقر إلى الله، والقهر إلى سلطان الله .. ولو أن الإنسان وعى موقعه بين يدي الله من الفقر والقهر تذوق معنى الاضطرار إلى الله تعالى في كل شيء. والذي يتذوق الاضطرار إلى الله في كل شيء فقد رزقه الله وعي الدعاء وجميل الإجابة. يقول تعالى: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ" (النمل 62). فإن حقيقة الاضطرار هو وعي الفقر إلى الله في كل شيء، ووعي قهر الله تعالى له في كل شيء. فإذا وعى الإنسان هاتين الحقيقتين تذوق الاضطرار إلى الله في كل شيء. فإن عامة الناس لابد ان يشعروا معنى الاضطرار إلى الله في حياتهم، حيث لا يجدوا سبباً يلجأون إليه إلّا الله تعالى، ويشعرون عنده بفقرهم إلى الله وخضوعهم لسلطان قهر الله. ولكن قليلًا من الناس يشعر بهذه الحقيقة المزدوجة (الفقر والقهر) في كل موقع، وكل وقت، وفي كل شيء، وهذه درجة عالية من الوعي لا يؤتاها إلّا أصحاب البصائر من عباد الله. أولئك يعون الاضطرار إلى الله في كل شيء وفي كل زمان ومكان، وأولئك يرزقهم الله طعم الدعاء والانقطاع إلى الله تعالى في الطلب والمسألة، ويرزقهم الله لذة الإجابة من جانب الله تعالى: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ" (النمل 62). وموقع (الاضطرار إلى الله) هو المنطلق الصحيح للدعاء، ومثل هذا الدعاء لاتخطؤه الإجابة. وهاتان معادلتان قرآنيتان متطابقتان مع حقائق الكون: المعادلة الأولى: ان الدعاء هو الاضطرار، وما عدا ذلك صورة دعاء، وليس دعاءً وأما الاضطرار فهو مرحلة عالية من مراحل وعي الفقر الفقر إلى الله حيث لا يغنيه أحد من دون الله إلّا بإذن الله، والإحساس بسلطان قهر الله عليه، لا يعيذه احد منه إلّا بإذنه. ولهذا الاضطرار وجهان: وجه سلبي وهو الإيمان بأنّه لا يغنيه أحد من دون الله، ولا يعيذه احد من دون قهر الله. ووجه إيجابي هو اللجوء إلى الله تعالى عند الدعاء حق اللجوء وهذا اللجوء الحق وهو الوجه الإيجابي للاضطرار، وهذا اللجوء الحق إلى الله في المسألة هو حقيقة الدعاء أو الدرجة العالية منه. وهذه هي المعادلة الأولى. والمعادلة الثانية أن الدعاء عن اضطرار يساوي الإجابة دائماً، إلّا أن يعلم الله تعالى مصلحة العبد في التأجيل فيؤجله. ( ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور. فلم أر مولى كريماً أصبر على عبد لئيم منك يا رب)، أو يرى مصلحة العبد في تبديل طلبه برزق آخر يرزقه الله تعالى فيبدله الإجابة في دعائه.
جاء في کتاب دعاء الأسحار للإمام علي بن الحسين السجاد برواية أبي حمزة الثمالي للشيخ محمد مهدي الآصفي: (يا رَبّ يا رَبّ يا رَبّ) تأتي كلمة (الرب) بمعنيين: (مالك الشيء) و (خالقه، ومنشؤه، ومن يتولى تربيته). والنداء هنا يأتي في هذا الإطار: أي يا ربي، ويا مالكي، ويا من خلقني، ورباني، وأنشاني. إلى من يلجأ المخلوق إن لم يلجأ إلى خالقه. وإلى من يلجأ المملوك إن لم يلجأ إلى مالكه. وقد أمرنا الله تعالى أن ندعوه بهذا النداء في مواضع عديدة من القرآن. يقول تعالى: وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ( طه 113). "وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً ( الإسراء 80). "وَ قُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ( المؤمنون 118). وقد دعا الله تعالى بهذا النداء الأنبياء عليهم السلام. ومن ذلك دعاء آدم عليه السلام: "قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ( الأعراف 23). ودعاء نوح عليه السلام: "وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً" (نوح 26). ودعاء إبراهيم عليه السلام: "رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ" (الشعراء 83). ودعاء موسى عليه السلام: "قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (القصص 16). ودعاء سليمان عليه السلام: "قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" (ص 35). ودعاء زكريا عليه السلام: "وَ زَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ" (الأنبياء 89)، "قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ" ( آل عمران 38). ودعاء عيسى ( ع): "قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" ( المائدة 115). وكما أمرنا بالدعاء بهذا النداء: (يا ربّ) ووجدنا إن جملة من دعاء الأنبياء عليهم السلام كان بهذا النداء، كذلك نجد ان الاستجابة من جانب الله تعالى لدعاء عباده وردت تحت عنوان (الرب). "فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى" (آل عمران 195).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat