صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

عندما تدوس فرنسا على مبادئها 
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 عندما يجتمع الغرب بدوله ومؤسساته الاقتصادية والإعلامية والسياسية، فإنّه لا يجتمع على خير أبدا، مهما كانت دوافع أيّ اجتماع يقام على أراضي دوله، ولو كان رياضيا متعلّقا بألعاب أولمبية، كما حصل بفرنسا على سبيل المثال بهذه المناسبة، وقد منعت على الرياضيات ارتداء أغطية الرأس، والسلطات الفرنسية تعلم جيّدا أن ذلك الغطاء وحده لا يكفي ليستوفي شروط الستر والعفّة في لباس المرأة المسلمة، وأيّ فكرة شيطانية أُوحِيَت إلى هؤلاء الحاقدين على العفة والستر الذي أمر الله به إماءه؟ وهم يعلمون جيّدا أنها فريضة إلهيّة نزلت في جميع كتبه، بما في ذلك النصرانية (المسيحية)، التي حرّفوها وحصروا لباسها في الراهبات فقط، والحجاب في مقصده العام الذي نزل في كتاب الله هدفه السّتر والتقوى، فحفظ جسم المرأة وإخفاء مفاتنها، من أحكام الله وآدابه الإجتماعية التي دعا عباده إلى الإلتزام بها في عدد من الآيات هي على التوالي:
 (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يُواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من ءايات الله لعلكم تذَكّرون) (1) (وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يُبدِين زينتهن) (2) ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذَيْن) (3)
إذا كانت أحكام اللباس النسائي قد أنزلها الله فريضة ملزمة، وأعطاها صفة جليلة وهي لباس التقوى، فلماذا تقف فرنسا بقوانينها الوضعية ضدّها، فتمنع دخول الطالبات المتحجبات إلى المدراس، وإلى ممارسة الرياضات بها؟ ألا ترى أنّ الإبقاء على تلك المظاهر، من شأنه أن يوقظ نوازع الخير ولو نسبيا لدى الفرنسيين؟ هذا وقد أعربت منظمة العفو الدولية في هذا الشأن، عن اعتراضها على الإجراءات الفرنسية، معتبرة إياها مظهرا مخالفا للقيم الإنسانية، وتعسّفا على حقوق الإنسان، في حرية المعتقد الذي يختاره المواطن، واللباس الذي يناسبه، مستنكرة هذه التصرّفات القمعية التي بدأت بتطبيقها، وداعية إلى إلغائها:  
(إن الحظر الفرنسي المفروض على غطاء الرأس في الرياضة، يتعارض مع قواعد اللباس التي تعتمدها الهيئات الرياضية الدولية، مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، والاتحاد الدولي لكرة السلة (فيبا)، والاتحاد الدولي للكرة الطائرة (فيفب)، وقد اطَّلعت منظمة العفو الدولية على القواعد الرياضية في 38 بلدًا أوروبيًا، ووجدت أن فرنسا هي الدولة الوحيدة، التي لديها قواعد منصوص عليها، بشأن حظر ارتداء غطاء الرأس الديني، سواء على مستوى القوانين الوطنية، أو الأنظمة الرياضية الفردية. 
وفي هذا الخصوص قالت لاعبة كرة السلة الفرنسية (إلينا با) لمنظمة العفو الدولية، إن حظر ارتداء الحجاب في الألعاب الأولمبية، يشكل انتهاكًا واضحًا للميثاق الأولمبي والقيَم والأحكام الأولمبية، وخرقًا لحقوقنا وحرياتنا الأساسية… وأعتقد أنه سيمثِّل وصمة عار لفرنسا (4).

قانون منع ارتداء غطاء الرأس بدأ منذ عشرين عاما (سنة 2004 ) حين بدأت السلطات الفرنسية في تطبيق إجراءاتها التعسفية والقمعية، بشأن الفتيات المسلمات، مانعة إياهنّ من ارتداء غطاء الرأس في المدارس الحكومية، وقد تسبب ذلك في منع عديد الفتيات من إكمال مراحل تعليمهنّ بالمدارس الحكومية،  مخيّرة طاعة الله على طاعة أعدائه، فانقطعت منهن من لم تقدر على مواصلة تعليمهن بالمدارس الخاصة، معارضة منهنّ للقرار الفرنسي الذي أصدر من طرف وزارة التربية، وقد علل وزير التربية قرارات وزارته، دفاعا عن العلمانية حسب قوله: ( مدارسنا أمام اختبار، في الأشهر الأخيرة، ازدادت الهجمات على العلمانية بشكل كبير، ولا سيما عبر ارتداء الملابس الدينية مثل العباءات أو القمصان الطويلة التي ظهرت واستمرت في بعض الأحيان في بعض المؤسسات) وأعلن الوزير - هذه السنة 2024 - منع العباءة من المداس، استجابة لمطلب مديري المدارس الذين طالبوا بإصدار توجيهات واضحة حول هذا الموضوع المثير للجدل)(5) ولا اعتقد أن المبرّر الذي ادّعاه الوزير الفرنسي صحيح في حدّ ذاته، وإنّما هو غطاء كاذب اخفى وراءه مخططا فرنسيا خبيثا لإجبار  المقيمين بفرنسا من الجاليات الإسلامية ومن حصلوا على الجنسية على التخلّي بالإكراه على مظاهر دينهم الإسلامي، وحملهم مُرغمين على تطبيق الأوامر الحكومية الصادرة عليهم، بشأن مسألة تخصّ حرياتهم، وتقيّدها الى درجة التحكم في ما يلبسون، وهو ما يتعارض من دستور فرنسا في حرّية المعتقد والفكر والمظهر، وتعسّف جديد تمادت فيه السلطات هناك، لا تخفى دوافعه العدائية للإسلام والمسلمين فيما يعتقدونه، ووصمة عار يُرْسم على جبين السلطات لا تنمحي أبدا. 
فرنسا سباقة الى مثل هذه الإجراءات القمعية، وقد تنسج على منوالها دول غربية أخرى، تشاطرها نفس التوجّه العلماني المعادي للإسلام، وهي ترى تزايدا في اعداد المسلمين على أراضيها، ما سيشكّل تغييرا ديمغرافيا من شأنه أن يفرض الإسلام كدين له اتباع ستكون له تأثيرات مستقبلية على الساحة الدينية والسياسية، وهو ما سيقوّض الفكر العلماني المعادي للمعتقدات الدينية، فلا يكون له دور في المستقبل.
منع المظاهر الدينية يراها السياسيون العلمانيون الفرنسيون أسلوبا عمليا، من شأنه أن يضعف عقيدة المسلمين المقيمين بفرنسا في الالتزام بدينهم، ويجبرهم على اتباع سياساتهم المعادية للإسلام، إنّهم يأملون الوصول الى هذه النتيجة، وإن كانت نسبة نجاحهم ضئيلة، دافعهم الوحيد هو حقدهم المتوارث على الإسلام، وخوفهم من أن تصبح بلادهم ذات أغلبية سكانية مسلمة، بعدما لاحظوا أن هناك عديد الفرنسيين من ذوي الأصول الفرنسية قد اعتنقوا الإسلام، وهؤلاء من كبار المفكرين المعاصرين من أمثال (رينيه غينونRené Guénon) (1886/1951) و(روجي غاروديRoger Garaudy) (1913/2012) (6) وآخرون ك(ماسينيون Louis Massignon 
 (1883/1962) و(جاك بيركJacques Augustin Berque) (1910/1995)و(هنري كوربين Henry Corbin) (1903/1978) و(فيليب غرينييه Philippe Grenier ) (1865/1944) ممن درسوا الإسلام واختاروا الإنتماء إليه بكل قناعة.
يبدو أن الدافع الوحيد الذي ألجأ وزير التربية ومن ورائه الحكومة الفرنسية، هو الضغط بخبث على لكي لا يتأثر الفرنسيون بالمظاهر الإسلامية أمام موجة الانحلال الأخلاقي المتفشية وتقودها المثلية الجنسية، شعار علمانيّتهم الخبيثة، لذلك تراهم يتصرفون عكس شعاراتهم وقوانينهم التي جعلوها عنوان جمهوريّتهم في الحريّة والمساواة والأخوّة، والجأتهم لكي يتصرّفوا بجنون مليئا بأحقاد ورثوها عن الإسلام، ولم يتخلصوا منها إلى اليوم.  
  
المراجع 
1 – سورة الأعراف الآية 26
2 – سورة النور الآية 31
3 – سورة الأحزاب الآية 59
4 – https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2024/07/france-hijab-bans-olympic-and-paralympic
5 – بعد 20 سنة على منع الحجاب في المدارس ... فرنسا تحظر العباءة
https://aawsat.com /4512886-
6 – الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي من الماركسية الى الاسلام
https://tanawue.com/46385-html

  
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/07/26



كتابة تعليق لموضوع : عندما تدوس فرنسا على مبادئها 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net