كربلاء ، قصة انتحار أمّة
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

الأمة التي تقتل ابناءها المخلصين وتقف بوجه مصلحيها وحركة قادتها وسادتها .. هي أمّة منتحرة في الواقع وعدوّة لذاتها وهي التي تنتقم من نفسها نيابة عن أعداءها من الخارج وتكفيهم بذلك المؤونة ..
بل الأمر أكثر من ذلك ، فكلما كان المقتول أعظم شهادة وأكبر تضحية ومظلومية كلما كان القاتل أكبر عداوة وأكثر خطرا ، والأمة التي تكون هي القاتلة لسيّد شهدائها .. يعني أنها أمة تعيش حالة أكبر انفصام للشخصية وتمارس دور أكبر الأعداء.. ! ، فإذا كان التنازع في الأمة يولّد الفشل وذهاب الريح - الدولة - بنص القرآن الكريم ( وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ ) ، فإن قتل تلك الأمة لصفوتها يعني أنها تتخلّى رسمياً عن هويتها الأممية لتصبح أقرب الى حياة الغابة أو حياة العصابة ، في الزيارة ( اللهُمَّ الْعَنِ العِصابَةَ الَّتِي جاهَدَتِ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلأم ) ..
فلو سألَنا أحد عن سيد شهداء الإسلام من هو ..؟ ، فسنقول الحسين بن علي عليه السلام ، وهذه الصفة بنصّ قول المعصوم ، عن أم سعيد الأحمسية - وهي أمرأة عراقية - قالت : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وقد بعثت من يكترى لي حماراً إلى قبور الشهداء ، فقال : ما يمنعك من زيارة سيد الشهداء ؟ قلت : ومن هو قال : " الحسين عليه السلام " وسائل الشيعة ج١٤ ص٤٣٦ .
ثم أن السائل يسأل عن القاتل ، وبالطبع فإنه ستجري داخل ذهنه عملية مقابلة بديهية قبل استلام الجواب مفادها : أن أكبر الشهداء لا بد أن يكون قاتله أكبر الأعداء .. وإذا بالجواب هو أن أمّة الشهيد الأكبر هي نفسها القاتل ..!! فبأي صدمة سيكون السائل وعلى أي مستوى من الخزي ستكون تلك الأمّة بعينه .. !! هذه حقيقة الأمة التي قتلت الإمام الحسين عليه السلام ..!
ولا بد من القول أنه من السذاجة أن نُحمّل أثم قتل أبي عبدالله للشمر بن ذي الجوشن ، أو عمر بن سعد ، أو ابن زياد ، أو يزيد بن معاوية عليهم لعائن الله جميعا .. هؤلاء أدوات ونتيجة طبيعية لتسافل أمّة عاش في أجوائها هؤلاء وتعاظم انحراف وتقادم خطأ وقعت به تلك الأمة ، لهذا تشترك في قتل الإمام الحسين الأمة التي أسست هذا الانحراف والأمة التي بنت بنيانها عليه .. ألا نقرأ في الزيارة ( .. فلعن الله أمةً أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ، ولعن الله أمةً دفعتكم عن مقامكم ، وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها ، ولعن الله أمة قتلتكم ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم ، برئت إلى الله وإليكم منهم ومن أشياعهم وأتباعهم وأوليائهم .. ) .
والانتحار هذا ليس كلاماً نظرياً ، وإنما واقع عاشه المسلمون وذاقوا وبال أمره ، بدءاً من تسلّط الطغاة والظلمة ، مروراً بموجات الغزو والاحتلال والاستعمار ، انتهاءً بالتشتت والتفرّق والضعف والوهن الذي يعيشه المسلم في هذا العصر الحاضر ، وها هي أمة المسلمين ( ولا نقول الأمة الاسلامية ) عبارة عن جثة هامدة تزكم عفونتها الأنوف .. ويكفيك أن تسمع وترى اخبار غزة ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat