صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

آية المباهلة كما جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي (ح 2)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جاء في کتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى: "إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ" (آل عمران 62) عن هذه الآية هذا إشارة إلى ما تقدم من قصص عيسى عليه‌ السلام، والكلام مشتمل على قصر القلب أي ما قصصناه هو الحق دون ما تدعيه النصارى من أمر عيسى. وفي الإتيان بإن واللام وضمير الفصل تأكيد بالغ لتطييب نفس رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وتشجيعه في أمر المباهلة بإيقاظ صفة يقينه وبصيرته ووثوقه بالوحي الذي أنزله الله سبحانه إليه، ويتعقبه التأكيد الثاني بإيراد الحقيقة بلازمها وهو قوله: وما من إله إلا الله فإن هذه الجملة لازمة كون القصص المذكور حقاً. قوله تعالى: "وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (آل عمران 62) معطوف على أول الآية، وهو بما فيه من التأكيد البالغ تطييب آخر وتشجيع لنفس النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أن الله لا يعجز عن نصرة الحق وتاييده، ولا أنه يغفل أو يلهو عن ذلك بإهمال أو جهل فإنه هو العزيز (فلا يعجز عما أراده) الحكيم (فلا يجهل ولا يهمل) لا ما عملته أوهام خصماء الحق من إله غير الله سبحانه. ومن هنا يظهر وجه الإتيان بالاسمين: العزيز الحكيم، وأن الكلام مسوق لنصر القلب أو الافراد. قوله تعالى: "فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ" (آل عمران 63)، لما كان الغرض من المحاجة وكذا المباهلة بحسب الحقيقة هو إظهار الحق لم يكن يعقل التولي عن الطريق لمريد الغرض والمقصد فلو كانوا أرادوا بذلك إظهار الحق وهم يعلمون أن الله سبحانه ولى الحق لا يرضى بزهوقه ودحوضه لم يتولوا عنها فإن تولوا فإنما هو لكونهم لا يريدون بالمحاجة ظهور الحق بل الغلبة الظاهرية والاحتفاظ على ما في أيديهم من حاضر الوضع، والسنة التي استحكمت عليه عادتهم، فهم إنما يريدون ما تزينه لهم أهوائهم وهوساتهم من شكل الحياة، لا الحياة الصالحة التي تنطبق على الحق والسعادة فهم لا يريدون إصلاحاً بل إفساد الدنيا بإفساد الحياة السعيدة فإن تولوا فإنما هو لأنهم مفسدون. ومن هنا يظهر أن الجزاء وضع فيه السبب مكان المسبب أعني الإفساد مكان عدم إرادة ظهور الحق. وقد ضمن الجزاء وصف العلم حيث قيل: فإن الله عليم، ثم اكد بإن ليدل على أن هذه الصفة متحققة في نفوسهم ناشبة في قلوبهم فيشعر بأنهم سيتولون عن المباهلة لا محالة، وقد فعلوا وصدّقوا قول الله بفعلهم.

عن کتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: في تفسير القمي عن الصادق عليه‌ السلام: أن نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم، وكان سيدهم الأهتم والعاقب والسيد، وحضرت صلوتهم فأقبلوا يضربون الناقوس وصلوا، فقال أصحاب رسول الله: يا رسول الله هذا في مسجدك فقال: دعوهم فلما فرغوا دنوا من رسول الله فقالوا إلى ما تدعو؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأن عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث، قالوا: فمن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم فقال: قل لهم: ما تقولون في آدم، أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ فسألهم النبي، فقالوا نعم: قال فمن أبوه ؟ فبهتوا: فأنزل الله: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ" (آل عمران 59) الآية، وقوله: "فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ" (آل عمران 61) إلى قوله: "فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (آل عمران 61) فقال رسول الله: فباهلوني فإن كنت صادقاً أُنزلت اللعنة عليكم، وان كنت كاذباً أُنزلت علي فقالوا أنصفت فتواعدوا للمباهلة فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤسائهم السيد والعاقب والأهتم ان باهلنا بقومه باهلناه فإنه ليس نبياً، إن باهلنا باهل بيته خاصة لم نباهله فإنه لا يقدم إلى أهل بيته إلا وهو صادق فلما اصبحوا جاؤوا إلى رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌ السلام فقال النصارى: من هؤلاء؟ فقيل لهم هذا ابن عمه ووصيه وختنه علي بن أبي طالب، وهذا ابنته، فاطمة وهذا ابناه الحسن والحسين ففرقوا فقالوا لرسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة فصالحهم رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم على الجزية وانصرفوا. وفي العيون بإسناده عن الريان بن الصلت عن الرضا عليه‌ السلام في حديثه مع المأمون والعلماء في الفرق بين العترة والامة، وفضل العترة على الامة، وفيه قالت العلماء: هل فسر الله الاصطفاء في كتابه؟ فقال الرضا عليه‌ السلام: فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعاً وذكر المواضع من القرآن، وقال فيها: وأما الثالثة حين ميز الله الطاهرين من خلقه، وأمر نبيه بالمباهلة بهم في آية الابتهال فقال عز وجل: "فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ" (آل عمران 61) فقل تعالوا: "نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ" (آل عمران 61) قالت العلماء: عنى به نفسه، قال أبو الحسن: غلطتم إنما عنى به علي بن أبي طالب، ومما يدل على ذلك قول النبي: لينتهين بنوا وليعة أو لأبعثن إليهم رجلاً كنفسي يعني علي بن أبي طالب، وعني بالأبناء الحسن والحسين، وعني بالنساء فاطمة فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد، وفضل لا يلحقهم فيه بشر، وشرف لا يسبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي كنفسه، الحديث.

وفي مناظرة بين الامام موسى الكاظم عليه السلام والرشيد يقول السيد محمد حسين الطباطبائي قدس سره: وعنه بإسناده إلى موسى بن جعفر عليه ا‌السلام في حديث له مع الرشيد، قال الرشيد له: كيف قلتم: إنا ذرية النبي، والنبي لم يعقب، وإنما العقب للذكر لا للانثى، وأنتم ولد البنت ولا يكون له عقب. فقلت: أسأله بحق القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفاني عن هذه المسألة، فقال تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي وأنت يا موسى يعسو بهم وإمام زمانهم، كذا أُنهي إلي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، وأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شيء لا ألف ولا واو إلا تأويله عندكم، واحتججتم بقوله عز وجل: ما فرطنا في الكتاب من شيء وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم. فقلت: تأذن لي في الجواب؟ فقال: هات، قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: "وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (الأنعام 84) وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟ فقال: ليس له أب فقلت: إنما ألحقه بذراري الأنبياء من طريق مريم، وكذلك ألحقنا الله تعالى بذراري النبي من امنا فاطمة، أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال: هات، قلت: قول الله عز وجل: "فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (آل عمران 61)، ولم يدّع أحد أنه أدخل النبي تحت الكساء عند المباهلة مع النصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين فكان تأويل قوله: أبنائنا الحسن والحسين، ونسائنا فاطمة، وأنفسنا علي بن أبي طالب. وفي سؤالات المأمون عن الرضا عليه‌ السلام: قال المأمون: ما الدليل على خلافة جدك علي بن أبي طالب؟ قال: آية أنفسنا قال: لولا نسائنا قال لولا أبنائنا. أقول: قوله: آية أنفسنا يريد أن الله جعل نفس علي كنفس نبيه صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وقوله: لولا نسائنا معناه، أن كلمة نسائنا في الآية دليل على أن المراد بالأنفس الرجال فلا فضيلة فيه حينئذ، وقوله: لولا أبنائنا معناه أن وجود أبنائنا فيها يدل على خلافه فإن المراد بالأنفس لو كان هو الرجال لم يكن مورد لذكر الأبناء.

يقول العلامة الطباطبائي قدس سره في تفسيره الميزان: وفي تفسير العياشي بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌ السلام، قال: إن أمير المؤمنين عليه‌ السلام سئل عن فضائله فذكر بعضها ثم قالوا له زدنا فقال إن رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله أتاه حبران من أحبار النصارى من أهل نجران فتكلما في أمر عيسي فأنزل الله هذه الآية: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ" (آل عمران 59) إلى آخر الآية فدخل رسول الله فأخذ بيد علي والحسن والحسين وفاطمة ثم خرج ورفع كفه إلى السماء، وفرج بين أصابعه، ودعاهم إلى المباهلة، قال: وقال أبو جعفر عليهما‌ السلام وكذلك المباهلة يشبك يده في يده يرفعهما إلى السماء فلما رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه: والله لئن كان نبياً لنهلكن وإن كان غير نبي كفانا قومه فكفا وانصرفا. اقول: وهذا المعنى أو ما يقرب منه مروي في روايات أُخر من طرق الشيعة وفي جميعها أن الذين أتى بهم النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله للمباهلة هم علي وفاطمة والحسنان فقد رواه الشيخ في أماليه بإسناده عن عامر بن سعد عن أبيه، ورواه أيضاً فيه بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن الصادق عليه‌ السلام ورواه فيه أيضاً بإسناده عن سالم ابن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذر رضوان الله عليه ورواه أيضاً فيه بإسناده عن ربيعة ابن ناجد عن علي عليه‌ السلام، ورواه المفيد في كتاب الاختصاص بإسناده عن محمد بن الزبرقان عن موسى بن جعفر عليهما‌ السلام، ورواه أيضاً فيه عن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جده، ورواه العياشي في تفسيره عن محمد بن سعيد الاردني عن موسى بن محمد بن الرضا عن أخيه، ورواه أيضاً عن أبي جعفر الأحول عن الصادق عليه‌ السلام، ورواه أيضاً فيه في رواية اخرى عن الأحول عنه عليه‌ السلام، وعن المنذر عن علي عليه‌ السلام، ورواه أيضاً فيه بإسناده عن عامر بن سعد، ورواه الفرات في تفسيره معنعناً عن أبي جعفر وعن أبي رافع والشعبي وعلي عليه‌ السلام وشهر بن حوشب، ورواه في روضة الواعظين وفي إعلام الورى، وفي الخرائج وغيرها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/07/08



كتابة تعليق لموضوع : آية المباهلة كما جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي (ح 2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net