العزاء الحسيني : تحت النقد [ 3 ] الأدب والفنّ الحسيني ، استباحة على حساب ..
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

مواد ومستندات القضية الحسينية التي تستقي منها مشروعيتها وقدسيتها وأهميتها واستمرارية تأثيرها وفعاليتها وتحقيق أهدافها كثيرة .. نختار منها أربعة مستندات أساسية :
١. مستنداتها الدينية .
٢. مستنداتها التاريخية .
٣. أوراقها الفكرية .
٤. أدبها وفنون إحياءها المختلفة ، مثل الشعر والنثر والخطابة والرثاء والمسرح الحسيني وفنون الرسم والتشكيل ..
ولا نشك بأنّ للأدب والفنون الأخرى دورها العظيم في إحياء هذه الثورة المباركة وإبراز معالمها المتنوعة وإيصال مظلوميتها وتصدير شجونها وعواطفها واستمرار زخمها وتأثيرها في العقل والنفس رغم بُعد الفاصلة الزمنية عن وقت الحدوث .. ويكفي أن نطّلع على موسوعة أدب الطف لجواد شبر وسنعلم مقدار هذه العلاقة الوطيدة بين الأدب والقضية الحسينية منذ وقوعها والى عصرنا الحاضر والدور الذي نهض به هذا البُعد المهمّ من أبعاد الثورة ، أضف الى ذلك التشعّب بل الانفجار النوعي والكمّي في العقود المتأخرة لهذا القسم من مستندات القضية .. ولكن :
كان لهذا التمدد في هذا الجانب تأثيراً على الجوانب الأخرى ، لأنه حصل على حسابها الى الدرجة التي كادت أن تشلّ حركتها وتعطّل من فعاليتها ووظيفتها اتجاه هذه الثورة المباركة ..
فإن سجلنا في نقدنا السابق مؤاخذة ضعف العلاقة بين الفقه ومظاهر العزاء ، فإن القوة المسلوبة من هناك نجدها متسللة هنا داخل تفاصيل هذه العلاقة مع الأدب والفنون والطقوس العزائية بشكل عام .
ولمّا كان الجانب الأدبي والفنّي له قياساته الخاصّة وأنه يعتمد على فنون وإبداعات اللغة وأساليب التعبير ، وعلى مقدار تحليق طائر الخيال والتندّر في رسم الصور الشعرية .. وكذلك باقي الفنون التي تشارك وتزاحم أدب الطف في دوره ووظيفته ، كالخطابة والرثاء والمسرح والرسم .. ، حيث أن لكل منها مهاراتها وإبداعاتها الخاصة بها .. كل ذلك يتم عادةً على حساب البُعد الديني والتاريخي والفكري للقضية كما قلنا ، لأن التركيز على إسلوب الخطابة والتفنن في طرق شدّ المتلقي الى الخطيب أهمّ مثلاً من عنصر التدقيق والتحقيق في منطوق ومصدر الرواية أو الحادثة التاريخية ، والوزن والقافية ورسم الصورة في المخيّلة الشعرية يجعل لسان الحال مقدّماً على لسان المقال ، وأن تصبح القصيدة الفلانية ترنداً على مواقع التواصل الاجتماعي فهذا هدف أسمى قد يضحّى من أجله بأهداف وغايات أخرى ..!!
وعليه .. وبسبب تضخّم وتفرّد هذا الجانب مقايسةً بالبقية .. أصبحت القضية الحسينية تُعرف به وبات هو الطريق شبه الحصري لكشف مجريات وأغراض الواقعة عند عوام الناس ، لأنه الأبرز والأقرب والأسهل .. فالخطابة والقصيدة والمسرح واللوحة والاستعراض العزائي اذن المعرِّف الأول لها .
وهذا المعرّف لا يستطيع ايصال جميع أبعاد الثورة ، نعم هو الأسلوب الأمثل للبعد العاطفي والحماسي - وهي أبعاد غاية في الأهمية بلا انكار - ، ويستطيع أيضاً أن يقرّب لنا بعض صور المظلومية ، ولكنه غير قادر على التعمّق في أفكارها وغاياتها وفلسفتها خاصة اذا كان هذا البُعد وفيّاً للشكل أكثر من المضمون .. فالنتيجة تكون سبباً في تسطيح واقعة الطف وتحويل ذكراها الى مهرجان سنوي ضخم خاص بإظهار القدرات والمواهب والمهارات الأدبية والصوتية والمسرحية والاستعراضية ..!! نعم إذا استطاع هذا البُعد الأدبي أن يغيّر من إعدادات نفسه بما ينسجم وطبيعة عاشوراء ، فإنه سيقدّم خدمة كبيرة وحقيقية لهذه الواقعة العظيمة ..
اذن نحن أمام مسؤولية أخرى تتمثل في تقنين وتهذيب وإعادة تشكيل وضبط الأدب والفن العاشورائي بما يتناسب والأبعاد الأخرى للقضية ..
وكما قلنا هناك نقول هنا ، فإن الأدب الحسيني والفنون العاشورائية الملتزمة والواعية والمدركة لحجم المهمة التي تعبأ بها موجودة ومطروحة ومتوفرة في الساحة الحسينية .. لكنها الأخفض صوتاً والأخفت ضوءاً للأسف الشديد ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat