صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

الإنتخابات الرئاسية الإيرانية في نسختها الإستثنائية
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 أبت مشيئة الله سبحانه إلا أن يصطفي من عباده الذين أحبوه وأحبّهم شهداء، ليلتحقوا بقوافل شهدائه قريري الأعين، مستبشرين ببيعهم الذي بايعوه معه، ليجزيهم من واسع فضله ورحمته، أفضل جزاء يمكن أن يصل إليه الساعون بحق وصدق إليه، ولقد كان الشهيد السيد إبراهيم رئيسي واحدا من خير قوم سلمان المهمّدي، قضى حياته في خدمة نظام إسلامي عتيد، نشأ بعد ثورة شعبية عريقة، فلم يبخل عليه وعلى مبادئه وعلى شعبه بجهد، فوضع نفسه في ذلك الإطار الصالح، ومضى فيه واثقا مُتيقّنا مُخلصا، بأنّ جملة أعماله التي قدّمها لدينه وبلاده، سيجزيه الله عليها أحسن الجزاء، وكذلك كان الأمر، فاختاره شهيدا مع ثلة من معاوينه- وهو في خدمة من اختاروه رئيسا لهم- وفي مقدمتهم وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان رضوان الله عليهم.

ارتقاء هؤلاء الشهداء، وهم في مهمّة خدمة شعبهم، لا يجب أن ينسينا جهودهم الأخرى، كانوا قدّموها في سبيل الإسلام وقضايا شعوبه العالقة، بسبب مواقف أمريكا ودول الغرب المعرقلة لها، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، فدوْر وجهود السيد (إبراهيم ورئيسي) ووزير خارجيته (أمير حسين عبد اللهيان) جديرين بالإشادة والتنويه، يكفينا هنا التذكير بتصريحات قادة الفصائل الفلسطينية واللبنانية والعراقية والسورية واليمنية، لتكون جميعها دليلا على ما قدّمه الرجلان من خدمات، وما أوْليَاه من اهتمام ورعاية لتلك الفصائل، حقّق معادلة جديدة  تزدادُ تعزيزا ونموّا، في اطار مواجهة المشروع الغربي للسيطرة على المنطقة.

وكان لابدّ من ملئ وظيفة رئاسة إيران بعد شهادة السيد رئيسي، وقانون البلاد يحتّم اجراء انتخابات رئاسية مبكرة، في ظرف لا يتجاوز خمسين يوما من شغور منصب الرئاسة لأيّ سبب كان، حسب المادّة 131 من الدستور الإيراني (1)، وجرت الدورة الأولى للإنتخابات دون أن تسفر عن فوز أحد من المترشّحين الستة للمنصب، بأغلبية تفوق الخمسين بالمائة، وكان صاحب المرتبة الأولى  قد حصل (مسعود بزشكيان) على 10.415.991 صوت، وحصل (سعيد جليلي) على 9.473.298 صوت وجاء (محمد باقر قاليباف) ثالثا بحصوله على 3.383.340 صوت(2) كان بالإمكان حسمها من الأوّل لو تنازل (قاليباف) لصالح (سعيد جليلي).

عدم الحسم في الدورة الأولى، حتّم اجراء دورة فاصلة ثانية، سبقتها مناظرات تلفزيونية بين الرجلين، تبادلا فيها وجهات نظر تيارين متنافسين، لم تخلو من اللوم والإتهامات، فكلّ له مبرّراته وحججه، دون أن ننسى بأن خاتمي مثلا، تسبب في إيقاف مشروع تخصيب اليورانيوم مدة سنتين ونيّف، وهي فترة مهمّة خسرها المشروع النووي السلمي، مناظرات تمّت في حدود الأدب والحوار الجاد، لم يتخلله خروج على قاعدة الأدب والاحترام، كما يحصل في أمريكا ودول الغرب، المتبجحة بحرية التعبير التي تعطيهم الحق في الخروج عن اطار الإحترام المتبادل، لتصل إلى الشتائم والسباب، واستعمال الألفاظ النابية المتداولة بين شعوب الغرب، درس الإنتخابات الرئاسية الإيرانية ومناظرات وتنظيما دقيقا متقنا، يجب أن تتخذه دول العالم مثالا للديمقراطية الحقيقية، وليس ديمقراطية الغرب وحرّيته المزيفتان، التي تدّعيهما دوله وتروّجهما لدول العالم المتخلف عنها تقنيا، وتتدخل في انتخاباتها بعملائها في تلك الدّول ومالها الفاسد، من أجل أن تتحكم في سياسات دولها لصالح دوله، واستمرار هيمنتها السياسية والاقتصادية والثقافية عليها.

وفيما أعلن ( زاكاني) رئيس بلدية طهران، و(أمير حسين قاضي زادة هاشمي) انسحابهما قبل انطلاق الدورة الأولى للإنتخابات، لصالح مرشح التيار المحافظ (سعيد جليلي) بقي (قاليباف) في السباق، وجاءت دعوة زاكاني من أجل مرشّح واحد ينهي حلم التيار الإصلاحي القائد على العودة لدفّة رئاسة البلاد مرة أخرى بعد خاتمي وروحاني، فقد قال: أن استمرار درب الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي هو الخيار الأهمّ للشعب الإيراني، لأجل ذلك أدعو جليلي وقاليباف أن يتحدا، وألا يتركا المطالب العادلة لقوى الثورة دون جواب، وأن يعملا لمنع تشكيل حكومة روحاني الثالثة(3).

جدير بالذّكر أن التيّار المحافظ هو الوريث الحقيقي للثورة الإسلامية، والثابت أهله قيادة وشعبا على مبادئ قائدها الأول الامام الخميني رضوان الله عليه، أمّا المسمّى بالاصلاحيين، فقد اجتمع حول أفكار متوجّهه الأول (محمد خاتمي) الذي ترأس ايران لدورتين من 1997 الى 2005، وقد اجتمع عليه كل من حاد عن مبادئ الثورة الإسلامية العامة، بما فيها قضايا التحرر ونصرة المستضعفين، ويرون أن الأولوية في السياسة الإيرانية، يجب أن تكون موجهة لصالح الشأن الداخلي الإيراني، ويعتبر عبد الكريم سوروش(4) منظر هؤلاء، الذين اجتمعوا على الظهور بمظهر الإصلاح، بينما هم واقعا يريدون الخروج على ولاية الفقيه، والتحرّر منها إلى عالم خلط الأفكار بين الأسلمة والتغريب.

غدا بإذن الله ستجري الدورة الثالثة، وستكون حاسمة وفاصلة، حيث سيحصل الأوّل على أعلى نسبة أصوات تخوّل له الفوز، وهنا سيكون الناخبون الإيرانيون الحَكَمَ فيها، فلا يترشّح هنا سوى من ملك قلوبهم وعقولهم بعد أن أقنعهم بمشروعه، الذي أعلن عنه من خلال مناظراته، والذي يبدو مرجّحا أنّ سعيد جليلي سيكون الفائز في الدورة الثانية، في صورة إعادة انتخابه من طرف من أعطوه أصواتهم أول مرّة مضافا إليهم الذين صوتوا لقاليباف في هذه الحالة سيحصل على ما يقارب 14 مليون صوت، أمّا في صورة حصول مفاجأة، وهو أمر مستبعد منطقيا، ولو بتدخل الأيدي الامريكية المقطوعة داخل ايران، والتي لا وزن لها على أرض الواقع، فحاضنة ولاية الفقيه قويّة بما فيه الكفاية، لكي تقلب الأوضاع لصالح نهجها، أما في صورة حصول العكس، فذنب (قاليباف) في تفويت الحسم من أول دور في الإنتخابات كبير.

 

المراجع

1 – الدستور الإيراني وحكم شغور الرئاسة

https://ar.irna.ir/news/85482861/

2 – رئاسيات إيران .. اعلان النتائج النهائية لفرز الأصوات وتحديد موعد الجولة القادمة

https://arabic.rt.com/world/1578245-

3 – إيران تدخل الصمت الانتخابي .. هاشمي وزاكاني ينسحبان من السباق الرئاسي

https://www.alaraby.com/news

4 – عبد الكريم سوروش مفكر إيراني، ظهر بجملة أفكار مثيرة للجدل في الدين والعقيدة بناها، على أسس فلسفية غربية، والرجل متخرج من جامعات لندن، وهو اليوم مقيم بأمريكا، وقد ردّ على جملة أفكاره الشيخ جعفر السبحاني في كتاب ( بنية الوحي وحقيقة القرآن) وهو حوار مهمّ بين الرجلين حول نظرية الوحي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/07/05



كتابة تعليق لموضوع : الإنتخابات الرئاسية الإيرانية في نسختها الإستثنائية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net