الشهادة الثالثة و مفردات من القرآن الكريم (أشهد أن) (ح 9)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أن يقول المؤمن أشهد ان محمد رسول الله أو علي ولي الله شهادة خالصة بهما وليس نفاقا بالألسن وليس بالقلوب. ولكن معاملة هؤلاء هي الأخذ بالظاهر. فعلى المؤمن أن يقول ما يعتقد. عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وعلا "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" ﴿المنافقون 1﴾ "قالوا نشهد إنك لرسول الله" أي أخبروا بأنهم يعتقدون أنك رسول الله "والله يعلم" يا محمد "إنك لرسوله" على الحقيقة وكفى بالله شهيدا "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" ﴿المنافقون 1﴾ في قولهم إنهم يعتقدون أنك رسول الله فكان إكذابهم في اعتقادهم وأنهم يشهدون ذلك بقلوبهم ولم يكذبوا فيما يرجع إلى ألسنتهم لأنهم شهدوا بذلك وهم صادقون فيه وفي هذا دلالة على أن حقيقة الإيمان إنما هو بالقلب ومن قال شيئا واعتقد خلافه فهو كاذب.
أن لا تكون شهادة أن محمدا رسول الله وأن عليا ولي الله محض هوى وتقليد أعمى، وانما هي اعتقاد راسخ ناتج من كتاب الله تعالى سونة نبيه وآله عليهم السلام. جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه وتعالى "قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا ۖ فَإِن شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ۚ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ" ﴿الأنعام 150﴾ قوله تعالى: "قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ" إلى آخر الآية. هلم شهداءكم أي هاتوا شهداءكم وهو اسم فعل يستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع، والمراد بالشهادة شهادة الأداء والإشارة بقوله: "هذا" إلى ما ذكر من المحرمات عندهم، والخطاب خطاب تعجيزي أمر به الله سبحانه ليكشف به أنهم مفترون في دعواهم أن الله حرم ذلك فهو كناية عن عدم التحريم. وقوله: "فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ" في معنى الترقي، والمعنى: لا شاهد فيهم يشهد بذلك فلا تحريم حتى أنهم لو شهدوا بالتحريم فلا تشهد معهم إذ لا تحريم ولا يعبأ بشهادتهم فإنهم قوم يتبعون أهواءهم.
جاء في التفسير الكاشف للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" ﴿المائدة 55﴾ بعد أن نهى سبحانه عن اتخاذ أعداء الدين أولياء بيّن من الذي يجب اتخاذه وليا، فقال: "إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ" ولا يختلف اثنان في المراد بولاية اللَّه والرسول وانها التصرف في شؤون المسلمين، وليس مجرد المحبة والنصرة، قال تعالى: "النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" (الاحزاب 6)، والولاية في هذه الآية تفسير وبيان للولاية في الآية التي نحن بصددها. "والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ". أي ان الولاية التي للَّه والرسول ثابتة أيضا لمن جمع بين الزكاة والركوع، ونقل الطبري عن مجاهد وعتبة بن أبي حكيم وأبي جعفر ان هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب، وفي كتاب غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري من السنة ما نصه بالحرف: (الآية نازلة في علي باتفاق أكثر المفسرين). وفي تفسير الرازي ما نصه بالحرف أيضا: (روي عن أبي ذر رضوان اللَّه عليه انه قال: صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوما صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، وعلي كان راكعا، فأومأ إليه بخنصره اليمنى، وكان فيها خاتم، فأقبل السائل، حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه وآله، فقال: اللهم ان أخي موسى سألك فقال: رب اشرح لي صدري إلى قوله: وأشركه في أمري، فأنزلت قرآنا ناطقا سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري. قال أبو ذر: فواللَّه ما أتم النبي صلى الله عليه وآله هذه الكلمة، حتى نزل جبريل، فقال: يا محمد اقرأ إنما وليكم اللَّه ورسوله. إلى آخر الآية). ولكن الرازي فسر الولاية هنا بمعنى الناصر، لا بمعنى المتصرف، وقال الشيعة: إن لفظ الجلالة والرسول ومن جمع بين الزكاة والركوع جاء في آية واحدة، وولاية اللَّه والرسول معناها التصرف فيجب أيضا أن يكون هذا المعنى بالذات مرادا من ولاية من جمع بين الوصفين، وإلا لزم أن يكون لفظ الولاية مستعملا في معنيين مختلفين في آن واحد، وهو غير جائز. "ومَنْ يَتَوَلَّ اللَّهً ورَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ". هذه الآية نص صريح لا يقبل التأويل بحال على أن المعنى المراد من ولاية اللَّه والرسول والمؤمنين واحد لا اختلاف فيه، وان من حافظ على هذه الولاية، ولم يفرق بين اللَّه ورسوله ومن جمع بين الزكاة والركوع فهو من حزب اللَّه الغالب بمنطق الحق وحجته.
لاستدلال بالسنّة على استحباب الشهادة بالولاية في الاذان: في بعض كتب أصحابنا، عن كتاب السلافة في أمر الخلافة، للشيخ عبدالله المراغي المصري: إنّ سلمان الفارسي ذكر في الاذان والاقامة الشهادة بالولاية لعلي بعد الشهادة بالرسالة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدخل رجل على رسول الله فقال: يا رسول الله، سمعت أمراً لم أسمع به قبل هذا، فقال رسول الله: (ما هو؟) قال: سلمان شهد في أذانه بعد الشهادة بالرسالة بالشهادة بالولاية لعلي، فقال: (سمعتم خيراً). وعن كتاب السلافة أيضاً: إنّ رجلاً دخل على رسول الله فقال: يا رسول الله، إنّ أباذر يذكر في الاذان بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية لعلي ويقول: أشهد أنّ عليّاً ولي الله، فقال: (كذلك، أو نسيتم قولي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعليّ مولاه؟ فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه).
تكملة للحلقتين السابقتين جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن الشهادة الثالثة: الفقهاء الذين رجحوا ذكرها: آقَا رضا الهمداني (من أعلام القرن 1314): في كتابه (مصباح الفقيه) قال: أقول ولولا رميُ الشيخ والعلاّمة لهذه الأخبار بالشذوذ، وادعاء الصدوق وضعها، لأمكن الالتزام بكون ما تضمنته هذه المراسيل من الشهادة بالولاية والإمارة وأنّ محمد وآله خير البريّة من الأجزاء المستحبة للأذان والإقامة لقاعدة التسامح... ولكن التعويل على قاعدة التسامح في مثل المقام الذي أخبر من نقل إلينا الضعيف بوضعه أو شذوذه مشكل، فالأولى أن يشهد لعلي عليه السلام بالولاية وإمارة المؤمنين بعد الشهادتين قاصدًا به امتثال العمومات الدّالة على كالخبر المتقدم، لا الجزئية من الأذان والإقامة. والله العالم، انتهى. السيد محسن الحكيم (من أعلام القرن 14 ه): في تعليقته (مستمسك العروة الوثقى) قال: لكن هذا المقدار لا يمنع من جريان قاعدة التسامح على تقدير تماميتها في نفسها، ومجرّد الشهادة بكذب الراوي لا يمنع من احتمال الصدق المُوجِب لاحتمال المطلوبية، كما أنّه لا بأس بالاتيان به بقصد الاستحباب المطلق لما في خبر الاحتجاج... بل ذلك في هذه الأَعْصَار معدود من شعائر الإيمان ورمز التشيُّع قيكون من هذه الجهة راجحًا شرعًا بل قد يكون واجبًا، لكن لا بعنوان الجزئية من الأذان، ومِنْ ذلك يظهر وجه ما في البحار من أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان. انتهى. الإمام الخميني (من أعلام القرن 1415 ه): في كتابه الأخلاقي (الآداب المعنوية للصلاة) قال ما نصّه: قد ورد في بعض الروايات غير المعتبرة أن يقال بعد الشهادة بالرسالة في الأذان: أشهد أن عليّا وليّ اللّه، مرّتين وفي بعض الروايات: أشهد أن عليّا أمير المؤمنين حقا مرّتين، وفي بعض آخر: محمد وآل محمد خير البرية، وقد جعل الشيخ الصدوق، هذه الروايات من موضوعات المفوّضة وكذّبها، والمشهور بين العلماء رضوان الله عليهم عدم الاعتماد بهذه الروايات، وجعل بعض المحدّثين هذه الشهادة جزءا مستحبّا من جهة التسامح في أدلّة السنن، وهذا القول ليس ببعيد عن الصواب وإن كان أداؤها بـقصد القربة المطلقة أولى وأحوط، لأنّه يستحب بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية وإمارة المؤمنين كما ورد في حديث الاحتجاج عن قاسم بن معاوية، قال: (قلت لأبي عبداللّه: هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنّه لما أسري برسول اللّه رأى على العرش مكتوبا: لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه أبو بكر الصدّيق، فقال: سبحان اللّه غيّروا كل شيء حتى هذا؟ قلت نعم، قال: إنّ اللّه عزّ وجل لمّا خلق العرش كتب عليه: لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه عليّ أمير المؤمنين، ولما خلق اللّه عزّوجلّ الماء كتب في مجراه: لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه عليّ أمير المؤمنين، ثمّ تذكر الرواية كتابة هذه الكلمات على قوائم الكرسي واللوح وعلى جبهة إسرافيل وعلى جناحي جبرائيل وأكناف السماوات وأطباق الأرضين ورؤوس الجبال وعلى الشمس والقمر، ثم قال: فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه، فليقل: عليّ أمير المؤمنين)، وبالجملة هذا الذكر الشريف يستحبّ بعد الشهادة بالرسالة مطلقا، وفي فصول الأذان لا يبعد استحبابه بالخصوص وإن كان الاحتياط يقتضي أن يؤتى به بقصد القربة المطلقة لا بقصد الخصوصية في الأذان، لتكذيب العلماء الأعلام تلك الروايات، انتهى السيد الخوئي (من أعلام القرن 1415 ه): في تعليقته (المُسْتَنَد في شرح العروة الوثقى) وبعد أن نقل قول الشيخ الصدوق والطوسي، وبعد أن رفض صحة الاستناد على قاعدة التسامح، لأنّها لا تثبت حكم الاستحباب وغاية ما تثبته هو الثواب، مخالفًا بذلك أستاذه السيد محسن الحكيم، وكذلك بعد أن ردّ خبر الاحتجاج لضُعف سنده، كرّر كلام أستاذه، حيث قال: ولكن الذي يُهَوِّنُ الخطب أنّنا في غنى من ورود النّص، إذ لا شُبهة في رُجحان الشهادة الثالثة في نفسها بعد أن كانت الولاية من مُتَمِّمات الرسالة ومقوّمات الإيمان، ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ " (المائدة 3) بل الخمس التي بني عليها الإسلام أصول الدين الخمس، ولا سيّما وقد أصبحت في هذه الأَعْصَار من أجلى أنحاء الشعار انتهى. السيد محمد باقر الصدر (من أعلام القرن 1415 ه): في رسالته العملية (الفتاوي الواضحة) حيث قال: وصورة الأذان والإقامة محدّدة شرعًا ضمن ما ذكرناه، فلا يجوز أن يؤتى بشيءٍ آخر من الكلام فيها على أساس أنّه جزء منها، وأمّا التكلم بكلامٍ أو جملةٍ بدون أن يقصد المؤذن أو المقيم جعله جزءًا من أذانه وإقامته فهو جائز، ومن ذلك قوله بعد الشهادة الثانية لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة: أشهد أنّ عليًّا وليّ اللّه، فإنّ ذلك جائز إذا لم يقصد به كونه جزءًا من الأذان والإقامة، وإنّما أراد به الإعلان عن حقيقة من حقائق الإسلام، وهي ولاية عليّ عليه الصلاة والسلام، انتهى.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . فاضل حسن شريف

أن يقول المؤمن أشهد ان محمد رسول الله أو علي ولي الله شهادة خالصة بهما وليس نفاقا بالألسن وليس بالقلوب. ولكن معاملة هؤلاء هي الأخذ بالظاهر. فعلى المؤمن أن يقول ما يعتقد. عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وعلا "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" ﴿المنافقون 1﴾ "قالوا نشهد إنك لرسول الله" أي أخبروا بأنهم يعتقدون أنك رسول الله "والله يعلم" يا محمد "إنك لرسوله" على الحقيقة وكفى بالله شهيدا "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" ﴿المنافقون 1﴾ في قولهم إنهم يعتقدون أنك رسول الله فكان إكذابهم في اعتقادهم وأنهم يشهدون ذلك بقلوبهم ولم يكذبوا فيما يرجع إلى ألسنتهم لأنهم شهدوا بذلك وهم صادقون فيه وفي هذا دلالة على أن حقيقة الإيمان إنما هو بالقلب ومن قال شيئا واعتقد خلافه فهو كاذب.
أن لا تكون شهادة أن محمدا رسول الله وأن عليا ولي الله محض هوى وتقليد أعمى، وانما هي اعتقاد راسخ ناتج من كتاب الله تعالى سونة نبيه وآله عليهم السلام. جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه وتعالى "قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا ۖ فَإِن شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ۚ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ" ﴿الأنعام 150﴾ قوله تعالى: "قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ" إلى آخر الآية. هلم شهداءكم أي هاتوا شهداءكم وهو اسم فعل يستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع، والمراد بالشهادة شهادة الأداء والإشارة بقوله: "هذا" إلى ما ذكر من المحرمات عندهم، والخطاب خطاب تعجيزي أمر به الله سبحانه ليكشف به أنهم مفترون في دعواهم أن الله حرم ذلك فهو كناية عن عدم التحريم. وقوله: "فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ" في معنى الترقي، والمعنى: لا شاهد فيهم يشهد بذلك فلا تحريم حتى أنهم لو شهدوا بالتحريم فلا تشهد معهم إذ لا تحريم ولا يعبأ بشهادتهم فإنهم قوم يتبعون أهواءهم.
جاء في التفسير الكاشف للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" ﴿المائدة 55﴾ بعد أن نهى سبحانه عن اتخاذ أعداء الدين أولياء بيّن من الذي يجب اتخاذه وليا، فقال: "إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ" ولا يختلف اثنان في المراد بولاية اللَّه والرسول وانها التصرف في شؤون المسلمين، وليس مجرد المحبة والنصرة، قال تعالى: "النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" (الاحزاب 6)، والولاية في هذه الآية تفسير وبيان للولاية في الآية التي نحن بصددها. "والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ". أي ان الولاية التي للَّه والرسول ثابتة أيضا لمن جمع بين الزكاة والركوع، ونقل الطبري عن مجاهد وعتبة بن أبي حكيم وأبي جعفر ان هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب، وفي كتاب غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري من السنة ما نصه بالحرف: (الآية نازلة في علي باتفاق أكثر المفسرين). وفي تفسير الرازي ما نصه بالحرف أيضا: (روي عن أبي ذر رضوان اللَّه عليه انه قال: صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوما صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، وعلي كان راكعا، فأومأ إليه بخنصره اليمنى، وكان فيها خاتم، فأقبل السائل، حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه وآله، فقال: اللهم ان أخي موسى سألك فقال: رب اشرح لي صدري إلى قوله: وأشركه في أمري، فأنزلت قرآنا ناطقا سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري. قال أبو ذر: فواللَّه ما أتم النبي صلى الله عليه وآله هذه الكلمة، حتى نزل جبريل، فقال: يا محمد اقرأ إنما وليكم اللَّه ورسوله. إلى آخر الآية). ولكن الرازي فسر الولاية هنا بمعنى الناصر، لا بمعنى المتصرف، وقال الشيعة: إن لفظ الجلالة والرسول ومن جمع بين الزكاة والركوع جاء في آية واحدة، وولاية اللَّه والرسول معناها التصرف فيجب أيضا أن يكون هذا المعنى بالذات مرادا من ولاية من جمع بين الوصفين، وإلا لزم أن يكون لفظ الولاية مستعملا في معنيين مختلفين في آن واحد، وهو غير جائز. "ومَنْ يَتَوَلَّ اللَّهً ورَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ". هذه الآية نص صريح لا يقبل التأويل بحال على أن المعنى المراد من ولاية اللَّه والرسول والمؤمنين واحد لا اختلاف فيه، وان من حافظ على هذه الولاية، ولم يفرق بين اللَّه ورسوله ومن جمع بين الزكاة والركوع فهو من حزب اللَّه الغالب بمنطق الحق وحجته.
لاستدلال بالسنّة على استحباب الشهادة بالولاية في الاذان: في بعض كتب أصحابنا، عن كتاب السلافة في أمر الخلافة، للشيخ عبدالله المراغي المصري: إنّ سلمان الفارسي ذكر في الاذان والاقامة الشهادة بالولاية لعلي بعد الشهادة بالرسالة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدخل رجل على رسول الله فقال: يا رسول الله، سمعت أمراً لم أسمع به قبل هذا، فقال رسول الله: (ما هو؟) قال: سلمان شهد في أذانه بعد الشهادة بالرسالة بالشهادة بالولاية لعلي، فقال: (سمعتم خيراً). وعن كتاب السلافة أيضاً: إنّ رجلاً دخل على رسول الله فقال: يا رسول الله، إنّ أباذر يذكر في الاذان بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية لعلي ويقول: أشهد أنّ عليّاً ولي الله، فقال: (كذلك، أو نسيتم قولي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعليّ مولاه؟ فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه).
تكملة للحلقتين السابقتين جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن الشهادة الثالثة: الفقهاء الذين رجحوا ذكرها: آقَا رضا الهمداني (من أعلام القرن 1314): في كتابه (مصباح الفقيه) قال: أقول ولولا رميُ الشيخ والعلاّمة لهذه الأخبار بالشذوذ، وادعاء الصدوق وضعها، لأمكن الالتزام بكون ما تضمنته هذه المراسيل من الشهادة بالولاية والإمارة وأنّ محمد وآله خير البريّة من الأجزاء المستحبة للأذان والإقامة لقاعدة التسامح... ولكن التعويل على قاعدة التسامح في مثل المقام الذي أخبر من نقل إلينا الضعيف بوضعه أو شذوذه مشكل، فالأولى أن يشهد لعلي عليه السلام بالولاية وإمارة المؤمنين بعد الشهادتين قاصدًا به امتثال العمومات الدّالة على كالخبر المتقدم، لا الجزئية من الأذان والإقامة. والله العالم، انتهى. السيد محسن الحكيم (من أعلام القرن 14 ه): في تعليقته (مستمسك العروة الوثقى) قال: لكن هذا المقدار لا يمنع من جريان قاعدة التسامح على تقدير تماميتها في نفسها، ومجرّد الشهادة بكذب الراوي لا يمنع من احتمال الصدق المُوجِب لاحتمال المطلوبية، كما أنّه لا بأس بالاتيان به بقصد الاستحباب المطلق لما في خبر الاحتجاج... بل ذلك في هذه الأَعْصَار معدود من شعائر الإيمان ورمز التشيُّع قيكون من هذه الجهة راجحًا شرعًا بل قد يكون واجبًا، لكن لا بعنوان الجزئية من الأذان، ومِنْ ذلك يظهر وجه ما في البحار من أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان. انتهى. الإمام الخميني (من أعلام القرن 1415 ه): في كتابه الأخلاقي (الآداب المعنوية للصلاة) قال ما نصّه: قد ورد في بعض الروايات غير المعتبرة أن يقال بعد الشهادة بالرسالة في الأذان: أشهد أن عليّا وليّ اللّه، مرّتين وفي بعض الروايات: أشهد أن عليّا أمير المؤمنين حقا مرّتين، وفي بعض آخر: محمد وآل محمد خير البرية، وقد جعل الشيخ الصدوق، هذه الروايات من موضوعات المفوّضة وكذّبها، والمشهور بين العلماء رضوان الله عليهم عدم الاعتماد بهذه الروايات، وجعل بعض المحدّثين هذه الشهادة جزءا مستحبّا من جهة التسامح في أدلّة السنن، وهذا القول ليس ببعيد عن الصواب وإن كان أداؤها بـقصد القربة المطلقة أولى وأحوط، لأنّه يستحب بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية وإمارة المؤمنين كما ورد في حديث الاحتجاج عن قاسم بن معاوية، قال: (قلت لأبي عبداللّه: هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنّه لما أسري برسول اللّه رأى على العرش مكتوبا: لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه أبو بكر الصدّيق، فقال: سبحان اللّه غيّروا كل شيء حتى هذا؟ قلت نعم، قال: إنّ اللّه عزّ وجل لمّا خلق العرش كتب عليه: لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه عليّ أمير المؤمنين، ولما خلق اللّه عزّوجلّ الماء كتب في مجراه: لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه عليّ أمير المؤمنين، ثمّ تذكر الرواية كتابة هذه الكلمات على قوائم الكرسي واللوح وعلى جبهة إسرافيل وعلى جناحي جبرائيل وأكناف السماوات وأطباق الأرضين ورؤوس الجبال وعلى الشمس والقمر، ثم قال: فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه، فليقل: عليّ أمير المؤمنين)، وبالجملة هذا الذكر الشريف يستحبّ بعد الشهادة بالرسالة مطلقا، وفي فصول الأذان لا يبعد استحبابه بالخصوص وإن كان الاحتياط يقتضي أن يؤتى به بقصد القربة المطلقة لا بقصد الخصوصية في الأذان، لتكذيب العلماء الأعلام تلك الروايات، انتهى السيد الخوئي (من أعلام القرن 1415 ه): في تعليقته (المُسْتَنَد في شرح العروة الوثقى) وبعد أن نقل قول الشيخ الصدوق والطوسي، وبعد أن رفض صحة الاستناد على قاعدة التسامح، لأنّها لا تثبت حكم الاستحباب وغاية ما تثبته هو الثواب، مخالفًا بذلك أستاذه السيد محسن الحكيم، وكذلك بعد أن ردّ خبر الاحتجاج لضُعف سنده، كرّر كلام أستاذه، حيث قال: ولكن الذي يُهَوِّنُ الخطب أنّنا في غنى من ورود النّص، إذ لا شُبهة في رُجحان الشهادة الثالثة في نفسها بعد أن كانت الولاية من مُتَمِّمات الرسالة ومقوّمات الإيمان، ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ " (المائدة 3) بل الخمس التي بني عليها الإسلام أصول الدين الخمس، ولا سيّما وقد أصبحت في هذه الأَعْصَار من أجلى أنحاء الشعار انتهى. السيد محمد باقر الصدر (من أعلام القرن 1415 ه): في رسالته العملية (الفتاوي الواضحة) حيث قال: وصورة الأذان والإقامة محدّدة شرعًا ضمن ما ذكرناه، فلا يجوز أن يؤتى بشيءٍ آخر من الكلام فيها على أساس أنّه جزء منها، وأمّا التكلم بكلامٍ أو جملةٍ بدون أن يقصد المؤذن أو المقيم جعله جزءًا من أذانه وإقامته فهو جائز، ومن ذلك قوله بعد الشهادة الثانية لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة: أشهد أنّ عليًّا وليّ اللّه، فإنّ ذلك جائز إذا لم يقصد به كونه جزءًا من الأذان والإقامة، وإنّما أراد به الإعلان عن حقيقة من حقائق الإسلام، وهي ولاية عليّ عليه الصلاة والسلام، انتهى.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat