زمن الهداهد وصناعة الإنتصارات بدأ فاستعدّوا
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

في زمن غابر كان هناك زعيم الهداهد عند نبي الله سليمان، لم يغب عن عينه مرة، ولما افتقده غضب وتوعّد بعذابه بسبب انه لم يتخلّف عن موضعه مرّة قبل ذلك، لكنّ الهدهد جاءه بعد ذلك بخبر يقين، عن بلقيس ملكة اليمن، فحمّله الملك سليمان رسالة إليها، يدعوها إلى توحيد الله خالق الكون وما فيه، وترك عبادة الشمس التي كانت تتخذها وقومها إلها من دون الله، القصة ذكرها القران في سورة النمل الآيات 20/37، والتي هي محلّ شاهدنا اليوم، فليس أبلغ من أن نتّخذ من عِبَرِ القرآن شواهد، تزيد من معنوياتنا، وتجعلنا نتحدّى أعداءنا بقدر ويقين كبيرين.
هدهد حزب الله اليوم، هو تقريبا فيما جاء به، على شاكلة هدهد الملك سليمان، لكنّ الفارق أن هذا الهدهد لم يذهب من تلقاء نفسه، بل إنّ الحزب أرسله ليجمع معلومات عن مناطق حساسة داخل فلسطين المحتلة، وبالتحديد مدينة حيفا وما حولها من مواقع هامّة، حيث استمرت رحلته الى هناك تسع دقائق ونصف، حسب التسجيل المصوّر الذي سرّبه الحزب، محتفظا ببقية التفاصيل، وعودته من المهمّة سالما غانما، فقد (نشر حزب الله تسجيلا لطائرة مسيرة، وهي تستطلع مواقع شمال الأراضي المحتلة، وتضمن المقطع المصور، ومدته 9 دقائق و31 ثانية، مسحا دقيقا لمناطق بشمال إسرائيل، وهو ما وصفته مصادر إسرائيلية بالخطير، وقال حزب الله إن مقطع الفيديو صورته مسيرات تابعة له، تمكنت من تجاوز وسائل الدفاع الجوي للعدو، وعادت من دون أن تتمكن وسائله من كشفها او اسقاطها) (1)
ومن خلال هذا الفيديو والعنوان الذي تصدّره بالحلقة رقم 1، فإنّ هناك حلقات أخرى ستستبع هذا الاختراق، وما يمكن استخلاصه هنا، أن الدفاعات الجوية الصهيونية فشلت في كشف هدهد حزب الله واعتراضه، وبالتالي جعل الكيان في وضع لا يُحسد عليه، وهو الذي كانت وسائله تروّج لقبّته الحديدية الممتنعة من الإختراق الجوّي، مهما كانت إمكانيات الوسائل المعادية، وهذا بحدّذاته انجاز متطوّر بالمقارنة بالمسيرة أيّوب أو حسان تخليدا لاسم شهيدها القائد حسين أيّوب.
هذه المسيّرة كانت حلّقت سنة 2012 لمدة 40 دقيقة شمالي الأراضي الفلسطينية المحتلة مثبتةً فشل المنظومات الاعتراضية للكيان الإسرائيلي المؤقت، وعادت مع كل ما تحمله من معلومات وصور سالمة الى الأراضي اللبنانية، كانت نتيجة تطوّر نوعي في سلاح جو المقاومة بدأ من طائرة "مرصاد" الأولى ثمّ وصل الى طائرة "أيوب" الاستطلاعية التي بدورها كانت قد اخترقت الأجواء الفلسطينية عام 2012 لأكثر من نصف ساعة، ورصدت عشرات المواقع والمراكز الاسرائيلية الحساسة في الداخل المحتل والوسط وصولاً إلى منطقة "ديمونا" حيث المنشآت النووية الإسرائيلية قبل أن تتمكن طائرات الاحتلال الحربية من اكتشافها وإسقاطها فوق منطقة الخليل في الضفة الغربية المحتلة (2).
وقد ذكر هذا الموقع، أن حزب الله يمتلك أكثر من 2000 من المسيّرات، مختلفة المهام والإختصاصات هي: مرصاد/ ايّوب/ أبابيل/ هدهد، ومن بينها المسيّرات الإنقضاضية التي تحدث دمارا كبيرا بالموقع المهاجَم(3) وقد كانت ايران قد زودت منها روسيا في مواجهة الدبابات الألمانية التي كانت تشكل خطرا على الجيش الروسي، وليس لها من حلّ سوى هذا النوع من الطائرات الهجومية التي تقف الدفاعات عاجزة أمام انقضاضاتها الخطيرة.
عودة هدهد حزب الله من نزهته السريعة - لكنّها ثمينة في محصولها الإستخباراتي من حيث دقّة المعلومات- محمّلا بأدقّ الصور الجوية، عن مواقع وقواعد استراتيجية مدنية وعسكرية حسّاسة للكيان الصهيوني، ما يعني توفيقا جديدا، وانتصارا معنويا مهمّا حقّقه الحزب بالأمس، في إطار مواجهته غطرسة وتسلط هذا العدوّ، في عدوانه المستمرّ على المدنيين في قطاع غزّة، وقد أحدث هذا الخرق صدمة ورعبا داخل الكيان، دفع بخبرائه إلى اعتبار ذلك إنذارا خطيرا، أصبح يتهدّد وجوده من الأساس.
هذا الخطر بدأ يتعاظم منذ أن قام النظام الإسلامي في ايران، وجعل من قطع دابر الكيان الصهيوني أولويّة له، سعى إلى تحقيقها بواسطة مخطط دقيق، جمع بين تأسيس جبهة مقاومة حقيقية وصلبة، والعمل على تأليف عناصرها وحركاتها في غرفة عمل مشتركة، وبين الاعداد الحقيقي لمواجهة الأعداء، بتطوير الصناعات العسكرية، وجعلها مواكبة للصناعات العسكرية الغربية في هذا المجال، والتفوّق عليها تقنيا، وهذا ما أصبحنا نعيشه هذه السنوات التي افتتحتها المقاومة اللبنانية بانتصارين، كسرا قاعدة الجيش الذي لا يقهر، ظهر بالدليل أنه يُقْهرُ، ويُمرّغ أنوف جنوده في تراب الهزيمة، لنتذكّر وليس ذلك ببعيد خلال عدواني 2000 و2006 على جنوب لبنان.
وحيث انّ العدوّ الصهيوني لم يعد يشكّل وزنا يُهْتمُّ به، فحلفاؤه من دول الغرب بقيادة أمريكا رأس كل شيطنة في هذا العالم، هم الذين سيكونون في المواجهة، وهذا ما أخذه النظام الإسلامي في إيران بعين الإعتبار، وأعدّ له العُدّة كما يجب، ذلك أن حركات المقاومة وحدها تكفي لإزالة الكيان الصهيوني من أرض فلسطين، ودور إيران يبقى مواجهة بقية محور الشرّ الغربي، الذي يتزعمه الشيطان الأكبر أمريكا، وهذا ما أصبح معلوما لدى مكونات محور المقاومة، وما طوفان الأقصى والصمود الاسطوري للمقاومة في غزّة، سوى دليل آخر أسوقها هنا، للتأكيد على مدى تطوّر وجاهزية محور المقاومة المبارك.
الأيام القادمة سوف تكشف مزيدا من الإنجازات العسكرية والاستخبارية، هدهد المقاومة وبني جنسه من الطائرات المسيرة ليس أقل شأنا من هدهد سليمان، بل هو أكبر وأعظم دورا وشأنا، والمفاجآت منه ومن اخوته هداهد المقاومة، ستربك العدو وتوهن بيته، وإنّه اليوم لأوهن من بيت العنكبوت، فاستعدوا للنصر القادم، واستبشروا يا انصار محور المقاومة الباسلة الشريفة، بأنّ أيّام هذا العدوّ ومن معه أصبحت معدودة.
المراجع
1 – حزب الله ينشر تسجيلا لطائرة مسيّرة تستطلع مواقع شمال الأراضي المحتلة
https://www.youtube.com/watch?v=iRIurAoXDQk
2– الشهيد حسين ايّوب: النواة الأولى لطائرات حزب الله المسيّرة
https://alkhanadeq.org.lb/post/2432/
3– الهدهد احداها هذه أبرز مسيرات حزب الله
https://almashhad.com/article/773112298002792-News/685451253090811-
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat