صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

كتاب الحج للشيخ السبحاني والقرآن الكريم (ح 3)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جاء في کتاب الحج في الشريعة الإسلامية الغراء للشيخ جعفر السبحاني: عن بعض اشكالات الاستطاعة: يقع الكلام فيما هو الوجه لحفظ الاستطاعة، مع أنّ وجوب الحجّ وجوب مشروط، و الواجب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه، فكما لا يقتضي إيجاد الشرط حدوثا، لا يقتضي وجوب إبقائه بقاء. هذا هو الإشكال، و قد أجاب عنه السيد الحكيم بالفرق بين قول: (المستطيع يجب عليه الحجّ) و قول: (من استطاع إليه سبيلا)، فانّ الأوّل ظاهر‌ في إناطة الحكم بالوصف حدوثا و بقاء، دون الثاني فهو ظاهر في كفاية وجود الشرط حدوثا، و نظيره ما إذا قيل: (إذا سافر وجب عليه القصر) فانّه يكفي في ترتب الحكم، تحقّق السفر آنا ما فيبقى الحكم و إن زال السفر، بخلاف ما إذا قيل (المسافر يجب عليه القصر)، إذ عندئذ يكون الحكم منوطا بالسفر حدوثا و بقاء. يلاحظ عليه: أنّ ما استظهره من أنّه إذا تعلّق الحكم بالمشتقّ، يشترط في حمل المحمول بقاء الموضوع حدوثا و بقاء، منقوض بقوله سبحانه: "وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ" (المائدة 38) و "الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي" (النور 2) و غيرهما من عناوين الضارب و القاتل، و السالب التي يكفي في صحّة إطلاقها، تلبّس الذات حدوثا لا بقاء، و ادّعاء وجود القرينة على كون التلبس فيها بالحدوث دون البقاء، غير صحيح في عامة الموارد، كآكل مال الغير و شارب مائه، أو لابس ثيابه، و هاتك حرمته، إلى غير ذلك من الموارد التي يكفي التلبّس حدوثا و لا يلزم التلبّس بقاء. و الأوّلى أن يقال: انّه إذا حصل عنده ما يكفيه للحجّ، فوجوب الحجّ عندئذ امّا وجوب معلّق أو وجوب مشروط. فعلى الأوّل الوجوب فعليّ منجّز، غاية الأمر زمان الواجب متأخّر، و معه كيف يمكن له تعجيز نفسه بعد فعلية الوجوب و تنجزه. و على الثاني، فالوجوب و إن كان مشروطا، لكن الواجب المشروط بعد حصول شرطه ينقلب إلى واجب مطلق، و ليس المراد انّ الحكم الكلّي، أعني قوله سبحانه: "وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (ال عمران 97) ينقلب إلى الواجب المطلق، لوضوح بطلانه، بل الحكم الجزئي في حقّ من استطاع، يكون‌ منجزا، فلا يخاطب بقوله: إذا استطعت فحجّ، بل يقال له أيّها المستطيع حجّ. أنّ روح العبادة، هو إتيان العمل للّه سبحانه، قال سبحانه: "وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" (البينة 5)، و المراد من الدين في الآية، هو الطاعة، أي تخليص الطاعة له سبحانه، و يكون الفعل للّه سبحانه من دون حاجة إلى قصد الأمر، و المفروض انّه أتى بالحجّ للّه سبحانه، فإذا ضم حسن الفاعل إلى حسن الفعل، يكون العمل مقرّبا.

وعن بذل الزاد والراحلة يقول الشيخ جعفر السبحاني: بذل الزاد و الراحلة الظاهر من كلمات الأصحاب اتّفاقهم على وجوب الحجّ إذا بذل لغير المستطيع ما يتمكّن معه من الحجّ مع سائر الشرائط من نفقة الذهاب و الإياب و نفقة العيال و لم أعثر على مخالف، و خالفنا الجمهور إلّا الشافعي، فقد نقل عنه قولان إذا كان الباذل ولدا، و أمّا غير الولد، فلا يجب الحجّ بالبذل، و إليك نقل بعض الكلمات. قال الشيخ في (الخلاف): إذا بذل له الاستطاعة، لزمه فرض الحجّ، و للشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، و الثاني، و هو الذي يختارونه أنّه لا يلزمه. دليلنا: إجماع الفرقة، و الأخبار الواردة في هذا المعنى، و أيضا قوله تعالى: "مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (ال عمران 97) و هذا قد استطاع. قوله سبحانه: "مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (ال عمران 97)، فإنّه يعدّ في العرف مستطيعا في خصوص التمليك أو الأعمّ. روى الصدوق بسند صحيح عن العلاء بن رزين قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: "وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (ال عمران 97)؟ قال: (يكون له ما يحجّ به). قلت: فمن عرض عليه فاستحيا؟ قال: (هو ممن يستطيع). عن أبي أسامة زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله: "وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (ال عمران 97)، قال: سألته ما السبيل؟ قال: (يكون له ما يحجّ به)، قلت: أ رأيت إن عرض عليه مال يحجّ به فاستحيا من ذلك؟ قال: (هو ممّن استطاع إليه سبيلا، قال: و إن كان يطيق المشي بعضا و الركوب بعضا فليفعل)، قلت: أ رأيت قول اللّه: "وَ مَنْ كَفَرَ" (ال عمران 97) أ هو في الحجّ؟ قال: (نعم)، قال: (هو كفر النعم)، و قال: (من ترك). إذا كان من سهم سبيل اللّه، فحصول الاستطاعة فرع كون إحجاج الفقير من المصالح العامّة التي بها يفسّر قوله تعالى: "وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ" (التوبة 60) إلّا إذا ترتّب عليه مصلحة عامّة. هذا كلّه إذا كان الموضوع زكاة، و أمّا الخمس فالظاهر عدم ثبوت الولاية للمالك على تعيين المستحق، بل واجبه دفع الخمس إلى الحاكم الشرعي و هو‌ أعرف بتكليفه.

وعن حجة الاسلام يقول الشيخ السبحاني في كتابه: إنّ حجّة الإسلام، فريضة المستطيع، قال سبحانه: "وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (ال عمران 97). فإن قلنا بأنّ الاستطاعة في الآية أعمّ من المالية و البذلية، يكون المورد من مصاديق الآية، و يكون المأتي به، معنونا بعنوان حجّة الإسلام الّتي لا تجب طول العمر إلّا مرّة واحدة. و إن قلنا بظهورها في المالية، و لا تعم البذلية، تكون روايات الباب حاكمة على ظهورها في المالية نظير حكومة (التراب أحد الطهورين) على قوله: (لا صلاة إلّا بطهور) الظاهر في الطهارة المائيّة، و يصير الموضوع هو الأعمّ من المائيّة‌ و الترابية، و هكذا المقام فإنّ قوله: (هو ممّن يستطيع الحجّ). ظاهر في الاستطاعة الماليّة، لكن أخبار البذل حاكمة عليه، فيصير الموضوع هو الأعم من المالية و البذلية، و عندئذ ينطبق عنوان حجّة الإسلام على المأتي به، فيسقط وجوبه بالامتثال. ما رواه الكليني في الموثّق، عن الفضل بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل لم يكن له مال فحجّ به أناس من أصحابه، أ قضى حجّة الإسلام؟ قال: (نعم، فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ). قلت: هل تكون حجّته تلك تامّة أو ناقصة إذا لم يكن حجّ من ماله؟ قال: (نعم، قضى عنه حجّة الإسلام و تكون تامّة و ليست بناقصة، و إن أيسر فليحج). يلاحظ عليه: أوّلا: بأنّ السند لا يصلح للاحتجاج فقد نقله الشيخ كالتالي: عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن عدّة من أصحابنا، عن أبان بن عثمان، عن الفضل بن عبد الملك، ففيه إرسال واضح، أعني: عن عدّة من أصحابنا، و لم يعلم المراد من العدّة في لسان ابن سماعة، و غيره، مضافا إلى أنّ حميد بن زياد، و الحسن بن محمد بن سماعة من الواقفة، فالسند مرسل أوّلا، و موثّق و ليس بصحيح و إن وصفه السيد الخوئي به. ثانيا: وجود الاضطراب حيث إنّ الإمام أجاب عن سؤال، السائل، أعني قوله: (أ قضى حجّة الإسلام؟) بقوله: (نعم)، و معنى قوله: (أقضى) أي امتثل و فعل مثل قوله سبحانه: "فَإِذٰا قَضَيْتُمْ مَنٰاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ كَذِكْرِكُمْ آبٰاءَكُمْ" (البقرة 200).

وعن الباذل يقول الشيخ جعفر السبحاني: أنّ الباذل ضامن لنفقة الرجوع إلى بلده، لأمره بالمشاركة في الحجّ و وعده بالبذل إلى أن يرجع إلى وطنه فالضرر المترتّب على المبذول له نتيجة أمره و دعوته. و ما ذكرناه إنّما هو على وفق القواعد الرائجة، و لكن هنا كلام و هو انّ المقام داخل في العهد الذي أمر الشارع بحفظه و الوفاء به، و قال سبحانه: "وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَمٰانٰاتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رٰاعُونَ" (المؤمنون 8)، و قال عزّ من قائل: "وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَمٰانٰاتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رٰاعُونَ " (المعارج 32)، فإذا كان العهد بهذه المنزلة فكيف يجوز نقضه و الرجوع عنه في أثناء الطريق، أو بعد الإحرام و التلبية؟ و كونه داخلا في مجرّد الوعد الذي لا يجب الوفاء به كما عليه السيّد الحكيم، غير تامّ، فانّ المقام يختلف عن الوعد في نظر العرف، و إنّما هو تعاهد من الطرفين على أن يكون البذل من أحدهما و العمل من الآخر، فنقض مثل هذا أمر مشكل، و تفسير العهد في الآيات بعهد اللّه قابل للتأمّل، بل العهد سواء كان طرفه هو اللّه سبحانه أم غيره لازم الوفاء. في جواز امتناعه عن بذل ثمن الهدي، و لا شكّ أنّ من قال بجواز الرجوع في الكلّ يقول في الجزء أيضا، و قد ذكر المصنّف في المسألة الحادية و الأربعين أنّ في جواز الرجوع بعد الدخول في الإحرام وجهين. نعم على ما ذكرنا من أنّ الموضوع داخل في العهد و العقد، و كلّ ما كان كذلك يجب العمل به، فينتج وجوب العمل بكلّ ما تعهّد به، و منه ثمن الهدي. فإن قلت: إنّ الباذل و إن تعهّد نفقة الحجّ، و لكنّه بامتناعه عن بذل ثمن الهدي يدخل الموضوع في غير الواجد للهدي، فيخلفه صيام ثلاثة في الحجّ و سبعة إذا رجعتم، قال تعالى: "فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ" (البقرة 196) قلت: قد عرفت انّ المبذول له داخل في المستطيع شرعا، و من المعلوم المستطيع شرعا عبارة عمّن يقدر على الهدي، و أمّا العاجز عنه و إن قدر على غيره فغير مستطيع، و لذلك لو تمكّن الإنسان من الحجّ سوى ثمن الهدي، لا يجب عليه الحجّ، و على ذلك فليس للباذل الامتناع عن بذل ثمن الهدي بحجّة أنّ له بدلا، و ذلك لأنّ البدل أعني: الصيام- ليس في عرض الهدي و إنّما هو في طوله.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/06/10



كتابة تعليق لموضوع : كتاب الحج للشيخ السبحاني والقرآن الكريم (ح 3)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net