صفحة الكاتب : علي علي

بين الحابل والنابل
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  عادة ما نتناول في أحاديثنا من باب الاستشهاد المثل القائل: (اختلط الحابل بالنابل) فما الحابل وما النابل وماقصتهما؟

  في الحروب سابقا، كانت توزع مهمة رمي النبال والسهام على جنود، ومهمة إمساك حبال الخيل والجمال على جنود آخرين، وعند اشتداد المعركة والتحام الجيشين المتحاربين، وارتفاع النقع، لا يُعرف الحابل من النابل، إذ يصعب التفريق بين من يمسك الخيل والجمال، من رامي السهام، وصار المثل يُطلق على هذه الصورة، من باب الاستعارة التمثيلية على الفوضى واضطراب الأمور. ولم يفت صاحب الدارمي أن يضم حالة كهذه إلى سجل تاريخه الشعري، فقال:

تاهت بعد بس نسمع صداها

وما نعرف رجلها من حماها

كذلك قال المرحوم صباح الهلالي أبوذيته:

تهت من رجلها من حماها

علي قفلت جهنم من حماها

روحي استنجدتكم من حماها

ليش اتفرّج وياكم عليه

  وقطعا هو ما يصل إليه أحدنا في ظرف مبهم كهذا، حيث تسود ضبابية الموقف، وتختفي سبل التحليل والتأويل، وتحل الحيرة والتلكؤ، ويتعذر التدبّر وإيجاد الحلول. كما قال الهلالي في موقع ثانٍ:

تهت منهو حماها من رجلها

مره اكره الدنيا مره اجلها

الدنيا لو بستها من رجلها

انت واليعض خدها سويه

  ولو استقرأنا ما يمر بنا من أحداث، لاسيما في أوساط بلداننا السياسية، لشاب رضعاننا وتاه شبابنا وذُهل شيبنا، حيث تختلط الأمور بما يعقّد الغزْل، وتتباين الأحكام والرؤى بعيون الأغلبية، وتتملك الجميع سوداوية الحاضر، بعجزهم عن تفكيك مايدور في ظهرانيهم، لرسم توقعات منظورة للمستقبل. وأول من يعاني هذا التخبط هم الطبقة المثقفة والواعية، حيث تصدح حناجرهم وتُبرى أقلامهم صباح مساء دون جدوى، وقد جسد هذا منذ عقود الأديب المصري مصطفى صادق الرافعي، المنتمي إلى مدرسة المحافظين للشعر الكلاسيكي، وكان قد ولد في مصر وعاش وتوفي فيها عام 1937، حيث الخلافات السياسية والمناحرات العقائدية على أشدها، إذ تناول تضارب الكتّاب والصحفيين في مقالاتهم وتحليلاتهم، لما يسردونه في الصحف آنذاك، فأنشد:

كم ملأوا الجو بصيحاتهم

وطاولوا النجم بلا طائل

وسيّروها صحفا بعضها

عن بعضها في شغل شاغل

تحتشد الأقلام فيها كما

يختلط الحابل بالنابل

للحابل إذن دوره في ساحة الوغى، وللنابل مثله في مثلها، وتبادل أدوارهما دون دراسة ودراية، يفسد للود قضايا، ويأتي بنتائج غير مرضية، وعواقب وخيمة تعم الجميع.

  إن استذكاري الحابل والنابل وما يحققانه من مردودات، في حالَي الإيجاب والسلب، هو ما يدور من أحداث تمس المواطن بشكل مباشر ومصيري، وما لها من تأثير عميق في حاضره ومستقبله، فأغلب تلك الأحداث كان يرتجي منها النهوض بواقعه، والتغلب على مشاكل بلده المتراكمة، إذ يكفيه ما عاشه من غمط لمتطلباته، وضياع لحقوقه، وما تناسل عنهما من تردٍ وتدنٍ من جراء تخبطات قادة بلده، وفي تداول وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بنقل الأحداث، خير دليل على اشتباك حابل إرادات قادة البلد، مع نابل نفر من جهات وفئات وشخصيات، لا تريد للبلاد النهوض ولا للعباد الانتقال إلى عيش رغيد هانئ، كما هو في بلدان كثيرة من بلدان المعمورة، الأمر الذي أفضى إلى التشاؤم والتفاؤل، في نفس الآن والآنية، نلمسهما متبلورَين في رأي محلل، ومقال كاتب، وتقرير محرر، واستطلاع متابع لوقائع ما يجري، حتى تصل إلى استغاثات مواطن بسيط، والأمر برمته أضحى مرهونا بما يجود به الحابل والنابل.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/05/27



كتابة تعليق لموضوع : بين الحابل والنابل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net