الشرق والمشرق في القرآن الكريم (ح 2)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

تكملة للحلقة السابقة قال الله تعالى عن المشرق ومشتقاتها "فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ" ﴿الحجر 73﴾ مشرقين اسم، مُشْرِقينَ: عند شروق الشمس، يقسم الخالق بمن يشاء وبما يشاء، أما المخلوق فلا يجوز له القسم إلا بالله، وقد أقسم الله تعالى بحياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم تشريفًا له، إن قوم لوط في غفلة شديدة يترددون ويتمادون، حتى حلَّتْ بهم صاعقة العذاب وقت شروق الشمس، و "فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ" ﴿الشعراء 60﴾ مشرقين: صباحا حين أشرقت الشمس، أو وقت شروقها، مُشْرِقِينَ: عند شروق الشمس، فلحق فرعون وجنده موسى ومَن معه وقت شروق الشمس، و "رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ" ﴿الصافات 5﴾ هو خالق السموات والأرض وما بينهما، ومدبِّر الشمس في مطالعها ومغاربها، و "حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ" ﴿الزخرف 38﴾ حتى إذا جاءنا الذي أعرض عن ذكر الرحمن وقرينُه من الشياطين للحساب والجزاء، قال المعرض عن ذكر الله لقرينه: وددت أن بيني وبينك بُعْدَ ما بين المشرق والمغرب، فبئس القرين لي حيث أغويتني، و "رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ" ﴿الرحمن 17﴾ رَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المَغْرِبَيْنِ: مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما، هو سبحانه وتعالى ربُّ مشرقَي الشمس في الشتاء والصيف، ورب مغربَيها فيهما، فالجميع تحت تدبيره وربوبيته، و "فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ" ﴿المعارج 40﴾ فلا أقسم برب مشارق الشمس والكواكب ومغاربها، إنا لقادرون على أن نستبدل بهم قومًا أفضل منهم وأطوع لله، وما أحد يسبقنا ويفوتنا ويعجزنا إذا أردنا أن نعيده.
جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (غرب) "غرابيب سود" (فاطر 27) مقدم ومؤخر ومعناه: "سود غرابيب" (فاطر 27) يقال: أسود غربيب الشديد السواد وعن عكرمة: هي الجبال الطوال السود، و "المغربين" (الرحمن 17) مغرباء الشتاء والصيف، و "الغربي" (القصص 44) المكان الواقع في شرق الغرب وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى عليه السلام. قوله تعالى "زيتونة لا شرقية ولا غربية" (النور 35) لا يهودية ولا نصرانية "يكاد زيتها يضئ" (النور 35) يكاد العلم يتفجر منها نور على نور، إمام منها بعد إمام. وقوله سبحانه "الشمس تجري لمستقر لها" (يس 38) أي لحد لها موقت مقدر تنتهي إليه من فلكها آخر السنة شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لمنتهى لها من المشارق والمغارب حتى تبلغ أقصاها فذلك مستقرها لأنها لا تعدوه، أو لحد لها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا وهو المغرب.
مصطلح السياحة له علاقة بالمشرق والمغرب حيث جاء في موقع المسلم عن مقدمات في السياحة: قال في معجم مقاييس اللغة: (ومما يدل على صحة هذا القياس قولهم: ساح الظل إذا فاء) أي رجع من المغرب إلى المشرق. ذكر في معجم مقاييس اللغة بأن السين والياء والحاء أصل صحيح، وقياسه قياس ما قبله، وهو (سيب) فإنهما يدلان على استمرار الشيء وذهابه. يقال: سَاح في الأرض يَسِيْحُ سِيَاحَحً وسُيُوحَاً وسَيَحَاناً، أي: ذهب. والسِّياحة: الذهاب في الأرض للعبادة، والترهب. وقد سَاح، ومنه المسيح ابن مريم، عليهما السلام، لأنه كما جاء في بعض الأقاويل: كان يذهب في الأرض في أنما أدركه الليل صف قدميه، وصلى حتى الصباح، فإذا كان كذلك فهو مفعول بمعنى فاعل. قال في فتح الباري: "وأما عيسى فقيل سمي بذلك... لأنه كان يمسح الأرض بسياحته". وفي المعجم الوسيط: "السِّيَاحة: التنقل من بلد إلى بلد طلباً للتنزه أو الاستطلاع والكشف". وفي المفردات: "ساح فلان في الأرض مَرَّ مَرَّ السائح، قال تعالى: "فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ" (التوبة 2)، ورجل سائح في الأرض وسَيَّاحٌ. وبهذا يتبين أن السياحة في اللغة هي مطلق الذهاب في الأرض للعبادة أو للتنزه أو الاستطلاع أو غير ذلك. المطلب الثاني: تعريف السياحة اصطلاحاً. الفرع الأول: المفهوم الشرعي للسياحة: وردت السياحة في القرآن والسنة بمعان متنوعة متعددة وذلك كما يأتي: المعنى الأول: الصيام. يقول تبارك وتعالى: "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ_ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" (التوبة:112). ويقول عز وجل:"عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً" (التحريم:5).
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله" (البقرة 115) المشرق والمغرب وكل جهة من الجهات حيث كانت فهي لله بحقيقة الملك التي لا تقبل التبدل والانتقال، لا كالملك الذي بيننا معاشر أهل الاجتماع، وحيث ان ملكه تعالى مستقر على ذات الشئ محيط بنفسه وأثره، لا كملكنا المستقر على أثر الاشياء ومنافعها، لا على ذاتها، والملك لا يقوم من جهة انه ملك إلا بمالكه فالله سبحانه قائم على هذه الجهات محيط بها وهو معها، فالمتوجه إلى شئ من الجهات متوجه إليه تعالى. ولما كان المشرق والمغرب جهتين إضافيتين شملتا ساير الجهات تقريبا إذ لا يبقى خارجا منهما إلا نقطتا الجنوب والشمال الحقيقتان ولذلك لم يقيد إطلاق قوله فأينما، بهما بأن يقال: أينما تولوا منهما فكأن الانسان أينما ولى وجهه فهناك إما مشرق أو مغرب، فقوله: ولله المشرق والمغرب بمنزلة قولنا: ولله الجهات جميعا وإنما اخذ بهما لان الجهات التي يقصدها الانسان بوجهه إنما تتعين بشروق الشمس وغروبها وسائر الاجرام العلوية المنيرة. وفي تفسير العياشي عن الباقر عليه السلام: في قوله تعالى: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله" (البقرة 115)، قال عليه السلام: أنزل الله هذه الآية في التطوع خاصة فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم، وصلى رسول الله إيمائا على راحلته أينما توجهت به حين خرج إلى خيبر، وحين رجع من مكة، وجعل الكعبة خلف ظهره. اقول: وروى العياشي أيضا قريبا من ذلك عن زرارة عن الصادق عليه السلام، وكذا القمى والشيخ عن أبي الحسن عليه السلام، وكذا الصدوق عن الصادق عليه السلام. وأعلم إنك إذا تصفحت أخبار أئمة أهل البيت حق التصفح، في موارد العام والخاص والمطلق والمقيد من القرآن وجدتها كثيرا ما تستفيد من العام حكما، ومن الخاص أعني العام مع المخصص حكما آخر، فمن العام مثلا الاستحباب كما هو الغالب ومن الخاص الوجوب، وكذلك الحال في الكراهة والحرمة، وعلى هذا القياس.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat