مفهوم (الفاحشة، الفحشاء، الفواحش) في القرآن الكريم (ح 4)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن الفاحشة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" ﴿النور 21﴾ بالفحشاء: ما عَظُم قبحه من الذنوب. يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تسلكوا طرق الشيطان، ومَن يسلك طرق الشيطان فإنه يأمره بقبيح الأفعال ومنكراتها، ولولا فَضْلُ الله على المؤمنين ورحمته بهم ما طَهُرَ منهم أحد أبدًا مِن دنس ذنبه، ولكن الله بفضله يطهر من يشاء. والله سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم وأفعالكم.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وجل "اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴿العنكبوت 45﴾ "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" في هذا دلالة على أن فعل الصلاة لطف للمكلف في ترك القبيح والمعاصي التي ينكرها العقل والشرع فإن انتهى عن القبيح يكون توفيقا وإلا فقد أتى المكلف من قبل نفسه وقيل إن الصلاة بمنزلة الناهي بالقول إذا قال لا تفعل الفحشاء والمنكر وذلك لأن فيها التكبير والتسبيح والتهليل والقراءة والوقوف بين يدي الله تعالى وغير ذلك من صنوف العبادة وكل ذلك يدعو إلى شكله ويصرف عن ضده فيكون مثل الأمر والنهي بالقول وكل دليل مؤد إلى المعرفة بالحق فهو داع إليه وصارف عن الباطل الذي هو ضده وقيل معناه أن الصلاة تنهي صاحبها عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها وقيل معناه أنه ينبغي أن تنهاه كقوله ومن دخله كان آمنا وقال ابن عباس في الصلاة منهي ومزدجر عن معاصي الله فمن لم تنهه صلاته عن المعاصي لم يزدد من الله إلا بعدا. وقال الحسن وقتادة من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست صلاته بصلاة وهي وبال عليه وروي أنس بن مالك الجهني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال إنه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا وروي عن ابن مسعود أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال (لا صلاة لمن لم يطع الصلاة وطاعة الصلاة أن ينتهي عن الفحشاء والمنكر). ومعنى ذلك: أن الصلاة إذا كانت ناهية عن المعاصي فمن أقامها ثم لم ينته عن المعاصي لم تكن صلاته بالصفة التي وصفها الله بها فإن تاب من بعد ذلك وترك المعاصي فقد تبين أن صلاته كانت نافعة له ناهية وإن لم ينته إلا بعد زمان. وروي أنس: أن فتى من الأنصار كان يصلي الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ويرتكب الفواحش فوصف ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال (إن صلاته تنهاه يوما) وعن جابر قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل فقال (إن صلاته لتردعه) وروى أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال من أحب أن يعلم أ قبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر فبقدر ما منعته قبلت منه. "ولذكر الله أكبر" أي ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته عن ابن عباس وسلمان وابن مسعود ومجاهد وقيل معناه ذكر العبد لربه أكبر مما سواه وأفضل من جميع أعماله عن سلمان في رواية أخرى وابن زيد وقتادة وروي ذلك عن أبي الدرداء وعلى هذا فيكون تأويله أن أكبر شيء في النهي عن الفحشاء ذكر العبد ربه وأوامره ونواهيه وما أعده من الثواب والعقاب فإنه أقوى لطف يدعو إلى الطاعة وترك المعصية وهو أكبر من كل لطف وقيل معناه ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة عن أبي مالك وقيل إن ذكر الله هو التسبيح والتقديس والتهليل وهو أكبر وأحرى بأن ينهى عن الفحشاء والمنكر عن الفراء أي من كان ذاكرا لله فيجب أن ينهاه ذكره عن الفحشاء والمنكر. وروي عن ثابت البناني قال إن رجلا أعتق أربع رقاب فقال رجل آخر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم دخل المسجد فأتى حبيب بن أوفى السلمي وأصحابه فقال ما تقولون في رجل أعتق أربع رقاب وأني أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فأيهما أفضل فنظروا هنيهة فقالوا ما نعلم شيئا أفضل من ذكر الله وعن معاذ بن جبل قال ما عن عمل آدمي عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل وقيل ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد فإن الله عز وجل يقول "ولذكر الله أكبر" وعنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أي الأعمال أحب إلى الله قال (إن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل) وقال صلى الله عليه وآله وسلّم (يا معاذ إن السابقين الذين يسهرون بذكر الله عز وجل ومن أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله عز وجل). وروي عن عطا بن السائب عن عبد الله بن ربيعة قال: قال ابن عباس أ رأيت قول الله عز وجل "ولذكر الله أكبر" قال قلت ذكر الله بالقرآن حسن وذكره بالصلاة حسن وبالتسبيح والتكبير والتهليل حسن وأفضل من ذلك أن يذكر الرجل ربه عند المعصية فينحجز عنها فقال ابن عباس لقد قلت قولا عجيبا وما هو كما قلت ولكن ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه "والله يعلم ما تصنعون" من خير وشر فيجازيكم بحسبه.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" ﴿الأنعام 151﴾ الفواحش جمع فاحشة وهي الأمر الشنيع المستقبح، وقد عد الله منها في كلامه الزنا واللواط وقذف المحصنات، والظاهر أن المراد مما ظهر ومما بطن العلانية والسر كالزنا العلني واتخاذ الأخدان والأخلاء سرا. وفي استباحة الفاحشة إبطال فحشها وشناعتها، وفي ذلك شيوعها لأنها من أعظم ما تتوق إليه النفس الكارهة لأن يضرب عليها بالحرمان من ألذ لذائذها وتحجب عن أعجب ما تتعلق به وتعزم به شهوتها، وفي شيوعها انقطاع النسل وبطلان المجتمع البيتي وفي بطلانه بطلان المجتمع الكبير الإنساني، وسوف نستوفي هذا البحث إن شاء الله فيما يناسبه من المحل. وكذلك استباحة القتل وما في تلوه من الفحشاء إبطال للأمن العام وفي بطلانه انهدام بنية المجتمع الإنساني وتبدد أركانه. قوله تبارك وتعالى "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" ﴿الأعراف 33﴾ إن الفواحش هي المعاصي البالغة قبحا وشناعة كالزنا واللواط ونحوهما، والإثم هو الذنب الذي يستعقب انحطاط الإنسان في حياته وذلة وهوانا وسقوطا كشرب الخمر الذي يستعقب للإنسان تهلكة في جاهه وماله وعرضه ونفسه ونحو ذلك، والبغي هو طلب الإنسان ما ليس له بحق كأنواع الظلم والتعدي على الناس والاستيلاء غير المشروع عليهم، ووصفه بغير الحق من قبيل التوصيف باللازم نظير التقييد الذي في قوله: "مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا" ﴿الأعراف 33﴾. وكان إلقاء الخطاب بإباحة الزينة وطيبات الرزق داعيا لنفس السامع إلى أن يحصل على ما حرمه الله فألقى الله سبحانه في هذه الآية جماع القول في ذلك، ولا يشذ عما ذكره شيء من المحرمات الدينية، وهي تنقسم بوجه إلى قسمين: ما يرجع إلى الأفعال وهي الثلاثة الأول، وما يرجع إلى الأقوال والاعتقادات وهو الأخيران، والقسم الأول منه ما يرجع إلى الناس وهو البغي بغير الحق، ومنه غيره وهو إما ذو قبح وشناعة فالفاحشة، وإما غيره فالإثم، والقسم الثاني إما شرك بالله أو افتراء على الله سبحانه.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله سبحانه "وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" ﴿يوسف 24﴾ إنّ تصميم كلّ من امرأة العزيز ويوسف لا علاقة له بالوطر الجنسي، بل كان تصميماً على ضرب أحدهما الآخر. فتصميم امرأة العزيز على هذا العمل كان لعدم إنتصارها في عشقها وبروز روح الإنتقام فيها ثأراً لهذا العشق. وتصميم يوسف كان دفاعاً عن نفسه، وعدم التسليم لطلب تلك المرأة. ومن جملة القرائن التي تذكر في هذا الموضوع: أوّلا: إنّ امرأة العزيز كانت قد صمّمت على نيل الوطر الجنسي قبل هذه الحالة، وكانت قد هيّأت مقدّمات هذا الأمر، فلا مجال ـ إذن ـ لأنّ يقول القرآن: إنّها صمّمت على هذا العمل الآن، لأنّ هذه الساعة لم تكن ساعة تصميم. وثانياً: إنّ ظهور حالة الخشونة والإنتقام بعد هذه الهزيمة أمر طبيعي، لأنّها بذلت ما في وسعها لإقناع يوسف، ولمّا لم توفّق إلى ما رغبت فيه توسلّت بطريق آخر، وهو طريق الخشونة والضرب. وثالثاً: إنّنا نقرأ في ذيل هذه الآية "كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ" والمراد بالفحشاء هو التلوّث وعدم العفّة. والمراد بصرف السوء، هو نجاته من مخالف امرأة العزيز، وعلى كلّ حال فحين رأى يوسف برهان ربّه تجنّب الصراع مع امرأة العزيز وضربها، لأنّه قد يكون دليلا على تجاوزه وعدوانه عليها، ولذا رجّح أن يبتعد عن ذلك المكان ويفرّ نحو الباب. ما المراد من بُرهان ربّه؟ (البرهان) في الأصل مصدر (بَرِهَ) ومعناه (صيرورة الشيء أبيضاً) ثمّ اُطلق هذا اللفظ على كلّ دليل محكم قوي يوجب وضوح المقصود، فعلى هذا يكون برهان الله الذي نجّى يوسف نوعاً من الأدلّة الإلهيّة الواضحة، وقد إحتمل فيه المفسّرون إحتمالات كثيرة، من جملتها: 1 ـ العلم والإيمان والتربية الإنسانية والصفات البارزة. 2 ـ معرفته بحكم تحريم الزنا. 3 ـ مقام النبوّة وعصمته من الذنب. 4 ـ نوع من الإمداد الإلهي الذي تداركه في هذه اللحظة الحسّاسة بسبب أعماله الصالحة. 5 ـ هناك رواية يستفاد منها أنّه كان في قصر امرأة عزيز مصر صنم تعبده، وفجأةً وقعت عيناها عليه، فكأنّها أحسّت بأنّ الصنم ينظر إلى حركاتها الخيانيّة بغضب، فنهضت وألقت عليه ستراً، فاهتزّ يوسف لهذا المنظر، وقال: أنت تستحين من صنم لا يملك عقلا ولا شعوراً ولا إحساساً، فكيف لا أستحيي من ربّي الخبير بكلّ شيء، والذي لا تخفى عليه خافية؟. قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" ﴿النحل 90﴾ ذكر القرآن الكريم للأُصول الإِيجابية الثلاثة يتطرق للأُصول المقابلة لها (السلبية) فيقول: "وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ". وتحدث المفسّرون كثيراً حول المصطلحات الثلاثة (الفحشاء)، (المنكر)، (البغي)، إِلاّ أنّ ما يناسب معانيها اللغوية بقرينة مقابلة الصفات مع بعضها الآخر يظهر أنّ (الفحشاء): إِشارة إِلى الذنوب الخفية، و(المنكر): إِشارة إِلى الذنوب العلنية، و(البغي): إِشارة إِلى كل تجاوز عن حق الإِنسان، وظلم الآخرين والإِستعلاء عليهم. قال بعض المفسّرون: إِنّ منشاء الإِنحرافات الأخلاقية ثلاث قوى: القوّة الشهوانية، القوّة الغضبية، والقوة الوهمية الشيطانية. أمّا القوّة الشهوانية فإِنما تُرَغّب في تحصيل اللذائذ الشهوانية والغرق في الفحشاء، والقوة الغضبية تدفع الإِنسان إِلى فعل المنكرات وإِيذاء سائر الناس، وأمّا القوّة الوهمية الشيطانية فتوجد في الإِنسان الإِستعلاء على الناس والترفع وحبّ الرياسة والتقدم والتعدي على حقوق الآخرين. وأشار الباري سبحانه في المصطلحات الثلاثة أعلاه إِلى طغيان غرائز الإِنسان، ودعا إِلى طريق الحق والهداية ببيان جامع لكل الإِنحرافات الأخلاقية. وفي آخر الآية المباركة يأتي التأكيد مجدداً على أهمية هذه الأصول الستة: "يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ".
جاء في صفحة مقالات من موقع براثا عن قوله تعالى: "إنّكُم لتأتُون الرّجال شهوةً من دُون النّساء" (الاعراف 81) للكاتب محمد صادق الهاشمي: ورد في أخبارنا أنّ أوّل منطقة وقعت فيها فاحشة اللواط هي بحيرة طبريّة، وهي بحيرة حلوة المياه، تقع بين منطقة الجليل في فلسطين وهضبة الجولان في سوريّة. والظاهر أنّ أوّل من ارتكبّ هذه الجريمة هم قوم نبي الله لوط، قال تعالى: "أتأتُون الفاحشة ما سبقكُم بها من أحدٍ من العالمين" (الاعراف 80)، و"بل أنتُم قومٌ مُسرفُون" (الاعراف 81)، مسرفون: أي متجاوزون الحدود، وعابرون الخطوط الحمراء.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat