صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

تفاسير القرآن الكريم عن الأم (ح 9) (أمي)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن الام "وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ" ﴿المائدة 116﴾ واذكر إذ قال الله تعالى يوم القيامة: يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اجعلوني وأمي معبودين من دون الله؟ فأجاب عيسى منزِّهًا الله تعالى: ما ينبغي لي أن أقول للناس غير الحق. إن كنتُ قلتُ هذا فقد علمتَه، لأنه لا يخفى عليك شيء، تعلم ما تضمره نفسي، ولا أعلم أنا ما في نفسك. إنك أنت عالمٌ بكل شيء مما ظهر أو خفي.

جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم‌ السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن حق الوالدين: هو الحق الذي يتمتع به كل من الأب والأم والذي يجب على أولادهما القيام به، وتعدّ مراعاة هذه الحقوق من أهم الأوامر الإلهية، وهي أعظم حق يقع على عاتق الولد بعد حق الله عليه. وفي المصادر الدينية تعتبر طاعة الوالدين واحترامهما والإحسان إليهما وتوفير ما يلزمهما من المال، من مصاديق حقوق الأب والأم على الولد. كما أن القرآن وبعد توصية الأولاد بالوالدين، لم يكتف بطلب اجتناب سوء المعاملة والقسوة ولو بحدها الأدنى مع والديهم، بل أوصى بالتواضع أمامهما والدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما. وفي أحاديث المعصومين يعدّ الإحسان للوالدين من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله ومن السمات المميزة عند الشيعة. ويرى الفقهاء بأن طاعة الوالدين فيما إذا آذاهما العصيان واجبة؛ إلا إذا أمرا بارتكاب المعصية، كما وبحسب فتاواهم فإنه يجب على الولد إذا كان مستطيعاً أن ينفق على والديه المحتاجين. يعتبر الإحسان للوالدين واحترامهما من حقوق الوالدين. وقد أورد الشيخ الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة قسماً بعنوان حقوق الوالدين وذكر فيه أحاديث في البر والإحسان واحترام الوالدين. وجاء في أحاديث الأئمة المعصومين أن البر بالوالدين من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله وهو من السمات البارزة لدى الشيعة. كما أن رضا الله عز وجل وغضبه من رضاهما وسخطهما على أولادهما ولا يُقبل أي عذر للتقصير في الإحسان إليهما. كما ورد في سيرة النبي أنه كان يجلّ مرضعته وكان يحترم كل من يحسن معاملة والديه وعلى هذا الأساس، أُمر المسلمون ببر والديهم، وتحمل مشقة رعايتهما، حتى لو كان الوالدان مشركين أو سيئين. مصاديق الإحسان: وفي الآيتين 23 و24 من سورة الإسراء "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴿23﴾ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴿24﴾" (الاسراء 23-24)، وبعد الأمر بالإحسان إلى الوالدين، بيّن بعض مصاديق هذا الأمر، من قبيل النهي عن قول "أفّ" و عدم نهرهما. وفي تكملة الآية لم يأمر الأولاد أن يجتنبوا سوء التصرف مع والديهما عندما يكبران فحسب، بل أن يكونوا متواضعين تجاههما ومقابل ما تحملاه الوالدان من مشاق في نشأتهم وتربيتهم. ومن حقهم الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما. كما وردت في الأحاديث أمثلة على حقوق الوالدين؛ ومنها: أن لا يناديهما الولد باسمهما، ولا يتقدمهما في المشي، وأيضاً ألا يجلس أمامهما ولاخلفهما، وليسرع بالإجابة إذا ما دعواه، ولو كان في الصلاة، وإذا كان سلوكهما وكلامهما بخلاف مايريده هو، فليتجنب معاداتهما أو العبوس في وجههما. إن حفظ خصوصية الوالدين وشكرهما، يعدّان من مصاديق الإحسان إلى الوالدين.

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل وعلا "وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ" ﴿المائدة 116﴾ وإن خرج مخرج الاستفهام، فهو تقريع وتهديد لمن ادعى ذلك عليه من النصارى، كما جرى في العرف بين الناس أن من ادعى على غيره قولا، فيقال لذلك الغير بين يدي المدعى عليه ذلك القول أأنت قلت هذا القول، ليقول: لا. فيكون ذلك استعظاما لذلك القول، وتكذيبا لقائله. وذكر فيه وجه آخر وهو: أن يكون تعالى أراد بهذا القول تعريف عيسى أن قوما قد اعتقدوا فيه، وفي أمه، أنهما إلهان، لأنه يمكن أن يكون عيسى لم يعرف ذلك إلا في تلك الحال، عن البلخي. والأول أصح. وقد اعترض على قوله: إلهين، فقيل: لا يعلم في النصارى من اتخذ مريم إلها؟ والجواب عنه من وجوه أحدها: إنهم لما جعلوا المسيح إلها، لزمهم أن يجعلوا والدته أيضا إلها، لان الولد يكون من جنس الوالدة، فهذا على طريق الإلزام لهم. والثاني: إنهم لما عظموهما تعظيم الآلهة، أطلق اسم الآلهة عليهما، كما أطلق اسم الرب على الرهبان والأحبار في قوله "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله" لما عظموهم تعظيم الرب والثالث: إنه يحتمل أن يكون فيهم من قال بذلك، ويعضد هذا القول ما حكاه الشيخ أبو جعفر، عن بعض النصارى أنه قد كان فيما مضى قوم يقال لهم المريمية، يعتقدون في مريم أنها إله، فعلى هذا يكون القول فيه كالقول في الحكاية عن اليهود وقولهم عزير ابن الله.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ" ﴿المائدة 116﴾ "إِذْ" ظرف متعلق بمحذوف يدل عليه المقام، والمراد به يوم القيامة لقوله تعالى فيها: "قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ" وقول عيسى عليه‌ السلام فيها "وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ". وقد عبرت الآية عن مريم بالأمومة فقيل: "اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ" دون أن يقال: "اتخذوني ومريم إلهين للدلالة على عمدة حجتهم في الألوهية وهو ولادته منها بغير أب، فالبنوة والأمومة الكذائيتين هما الأصل في ذلك فالتعبير به وبأمه أدل وأبلغ من التعبير بعيسى ومريم. و "دُونِ" كلمة تستعمل بحسب المال في معنى الغير، قال الراغب: يقال للقاصر عن الشيء "دون" قال بعضهم: هومقلوب من الدنو، والأدون الدني، وقوله تعالى: "لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ" أي من لم يبلغ منزلتكم في الديانة، وقيل: في القرابة، وقوله: "وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ" أي ما كان أقل من ذلك، وقيل: ما سوى ذلك، والمعنيان متلازمان، وقوله: "أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ" أي غير الله، انتهى.

عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جل وعلا "وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ" ﴿المائدة 116﴾ هل يوجد في تاريخ المسيحية ما يدل على أنّهم اتّخذوا من (مريم) معبودة؟ أم أنّهم إنّما قالوا فقط بالتثليث أو الآلهة الثلاثة: (الإله الأب) و (الإله الابن) و (روح القدس) على اعتبار أن (روح القدس) هو الوسيط بين (الإله الأب) و (الإله الابن) وهو ليس (مريم). للإجابة على هذا السؤال نقول: صحيح أنّ المسيحيين لم يؤلهوا مريم، ولكنّهم كانوا يؤدون أمام تمثالها طقوس العبادة، كالوثنيين الذي لم يكونوا يعتبرون الأصنام آلهة، ولكنّهم كانوا يعتبرونها شريكة لله في العبادة. وهناك فرق بين (الله) بمعنى الخالق، وال (إله) بمعنى المعبود، وكانت (مريم) عند المسيحيين (آلهة) لا أنّها بمثابة (الله). يقول أحد المفسّرين: إنّ المسيحيين على اختلاف فرقهم، وإن لم يطلقوا كلمة (إله) أو معبود على مريم، واعتبروها أم الإله لا غير، فهم في الواقع يقدمون لها طقوس الدعاء والعبادة، سواء أطلقوا عليها هذا الاسم أم لم يطلقوه، ثمّ يضيف قائلا: قبل مدّة صدر في بيروت العدد التاسع من السنة السابقة من مجلة (المشرق) المسيحية بمناسبة الذكرى الخمسين للبابا (بيوس التاسع) وفيها مواضيع مثيرة عن السيدة مريم، منها تصريح بأنّ كلتا الكنيستين الشرقية والغربية تعبدان (مريم). وفي العدد الرّابع عشر من السنة الخامسة من الجملة نفسها مقال بقلم (الأب انستانس الكرملي) حاول فيه أن يعثر عن أصول عبادة مريم حتى في العهد القديم، فراح يفسر حكاية الأفعى (الشيطان) والمرأة (حواء) باعتبارها حكاية مريم. وعليه فإنّ عبادة مريم موجودة بينهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/05/18



كتابة تعليق لموضوع : تفاسير القرآن الكريم عن الأم (ح 9) (أمي)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net